هذا تعليقٌ على تعليقاتٍ (قديمةٍ وحديثةٍ) لإخوةٍ، يقولون -كلما أنكرت على جماعتهم “تنظيم الدولة” باطلهم-: “أنت تصد عن الجهاد”، “أهذا أوان ذاك؟!”، “أرغم الله أنفك”، “هؤلاء خصماؤكم يوم القيامة”، “تشنعون عليهم من تحت الأسرة”، “يا مجاهدي الكيبورد”، “لا يفتي قاعدٌ لمجاهدٍ”، ناهيك عن جُمَل فحشٍ -في العام والخاص- رأى الله، أما أفجر فاجرةٍ؛ فقول بعضهم: “يا عدو الجهاد”:
أما جهاد “تنظيم الدولة” عدوَّ الله وعدوَّ المؤمنين -قديمًا وحديثًا- فبارك الله به لدينه وعباده المؤمنين، لا نبخس الناس -قوامين بالقسط شهداء لله- أشياءهم، مشكورٌ غير مكفورٍ، ظاهرٌ غير مستورٍ، لعن الله عدوهم وعدو المؤمنين وبصَّر به وأمكن منه.
وأما غلوهم -مع هذا- فمنهجيٌّ مركبٌ طافحٌ أسود، لا نخوضه وقد كفانا الله مؤنة بيانه صُراحًا بواحًا فله الحمد، وإنما يعمَى عنه من ذاب بهم -اليوم- ذوبان الإخوان بجماعتهم بالأمس، وفي الأثر: “حبك الشيء يعمي ويصم”، والمتحيز لا يميز، وهذا -والله- من عَوَر الأبصار والبصائر جميعًا.
ومع عداوة “تنظيم الدولة” “جماعة الإخوان” إلى حد تكفيرها كفر طائفةٍ -قبح الله إفكهم- إلا أنهم ما تركوا قولًا للإخوان دميمًا كانوا يقولونه إذ كنا ننكر منكراتهم؛ إلا قالوا به، لكن بأقبح وأفجر.
وأما الخرس عنهم -بدعوى فضلهم وتكالب الكفار عليهم- فضلالٌ بعيدٌ.
قد عاتب الله -علا وتعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- عتابًا عظيمًا -هو والله من دلائل نبوته- على مرأىً ومسمعٍ من الكفر وأهله -والصراع يومئذٍ على أشده- فقال: “عَبَسَ وَتَوَلَّى” إلى قوله: “فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى”!! وقال: “وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ”، حتى قالت أمنا عائشة -رضي الله عنها- فيها: “لو كان رسول الله كاتمًا من الوحي شيئًا؛ لكتم هذه”، وقال: “مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ”، وقال: “عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ”، وقال: “يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ”.
وقال الله -جلَّ وعزَّ- عن يونس -صلى الله عليه وسلم-: “وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ”، حتى قال: “لَوْلَآ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ”، تأملوا هاتين -يا بصَّركم الله- “لَنُبِذَ – مَذْمُومٌ”!! لا إله إلا الله.
وهذا نبي الله آدم والدُنا حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- قد جمع الله له خمسًا لم تجتمع لغيره؛ “إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ”، “وَعَلَّمَ آدَمَ”، “اسْجُدُواْ لِآدَمَ”، “لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ”، “وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي”، فلما كان منه ما كان -وقد خدعه إبليس بالله فانخدع له- قال الله: “وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى”.
وعاتب -سبحانه وبحمده- أصحاب نبيه بعد أحدٍ -وهي ما هي وهم من هم- بعتابٍ فصلٍ بيِّنٍ يسمعه أعداؤهم فقال: “مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا”، وما خبر الصحابي مع اليهودي -في سورة النساء- بخفيٍّ، ولا ما نزل في حاطبٍ -رضي الله عنه- بمكتومٍ مطويِّ.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أصحابٍ له، أفتوا (في معركةٍ) رجلًا أصابه حجرٌ فشجَّ رأسه، ثم نام فأصبح جُنُبًا؛ أفتوه بالغسل، فمات؛ قال: “قتلوه قتلهم الله”!
ما عساه يقول اليوم -بأبي هو وأمي- في جُمَلٍ من الغلو والبغي؟!
ولو تتبعتُ عتابَ الله -تقدَّس وتبارك- أنبياءَه وهم صفوة الحق، وعتابَ أنبيائه -صلوات الله عليهم وسلامه- أصحابَهم وهم خيرة الخلق؛ ما انتهى المقام.
ولم يزل الأئمة الأربعة -سيما سيدنا أحمد- وكثيرٌ من أهل العلم -وهم في بيوتهم ومساجدهم- يسددون للجهاد وأهله؛ يقولون -حسبةً لله والإسلام-: هذا معروفٌ، وهذا منكرٌ.
فاتقوا الله -عباد الله- في المجاهدين أنتم، وأمسكوا عن عصبيةٍ مقيتةٍ، لا تجحدوا خيرهم، لكن أنكروا شرورهم، ذلك أحفظ للإسلام وللجهاد ولأهله وللناس.
وبمثله أقول لغيرهم من جماعات القتال، وإنما خصصتهم لما كان منهم.
ذلك، وإني لألعن -بلعنة الله وملائكته وصالحي عباده- فضائح مخازي التفريط بالشام، وما أزريت بالغلو إلا قدمت بين يديه ما تسبب فيه من دنس التفريط.
تولى الله بالعقوبة كبراء التفريط والغلو جميعًا، وهدى المساكين عامتهم.
ربنا واسق أمة حبيبك -من بين فرْث التفريط ودم الغلو- لبنًا هنيئًا.