عن خطباء الجمعة. الحمد لله؛

عن خطباء الجمعة.

الحمد لله؛ لم يأمر الخطيب بمنكرٍ، ولم ينه عن معروفٍ.

ليس عجيبًا أن نقول مثل هذا بعد انقضاء عامة الجُمُعَات اليوم.

وربما نقول غدًا: الحمد لله؛ لم يأمر الخطيب بشركٍ، ولم ينه عن توحيدٍ.

إن عبدًا جعل الله قدميه فوق رؤوسنا إذ يخطب؛ لحريةٌ به تقوى الله فينا ساعةً.

لا ساعةً يخطبها، فالسُّنة أن وقتها دون هذا، والاستثناء لا يشمل عامتهم.

بل ساعةً ينظر فيها ما يتكلم به، وكيف، ثم يطالع فيه ما يسر الله من هدىً.

ليس ركنًا في الخطبة ولا واجبًا فيها؛ ما تشتهيه نفوسنا من الكلام في كذا وكذا.

لكن مكروهٌ أن يكون حرفها ضئيلًا أو قاصرًا أو شائهًا أو كل هذا.

وحرامٌ أن يكون في تجهيلٍ أو تخذيلٍ أو تضليلٍ أو كل هذا.

إن السادة الفقهاء إذ يختلفون في اشتراط طهارة الخطيب من الحدثين الأصغر والأكبر، يتفقون على اشتراط براءته من الطاغوت الأكبر والأصغر.

وإذ يختلفون في لباس جسده، يتفقون على لباس التقوى، ويقولون: ذلك خيرٌ.

لكن الصدق -عباد الله- أقول لكم: ليس كل من لا يعجبوننا سواءً:

منهم صادقون صالحون، وإن كانوا في معرفةٍ واجتماعٍ وبيانٍ فقراء.

أولئك حقهم شكران خيرهم، والدعاء لهم، واحتمال قصورهم، والتسديد في خطئهم.

خطب أحدهم خطبةً حسنةً ثم قال في دعائه: اللهم وفق ولاة أمورنا.

فلما فرغ أتيته فعانقته شاكرًا له وداعيًا بخيرٍ، ثم قلت له: هل ترى “أمرًا” يا مولانا حتى يكون له “وليٌّ”؟! حدَّق في وجهي راضيًا وقال: صحيحٌ.

شاء الله لصاحبكم أن يخطب الجمعة خمس عشرة سنةً، كان الناس يحسبونني -بما يروقهم مني- غنيًّا مستغنيًّا، وكنت أفقر الناس إلى شدِّ الأزر والنصح بخيرٍ.

ومنهم صادقون، لكن لا ناقة لهم في الباب ولا جمل، تصبروا معهم بالذكر.

أضف تعليق