زمانكم هذا “زمان البعثرة”. بعثرة

زمانكم هذا “زمان البعثرة”.

بعثرة المعاني والأشياء، بعثرة الأقوال والأفعال، بعثرة الشُّعور والهموم، بعثرة الوسائل والمقاصد.

هو بما قسَم اللَّه له من وسائل اتِّصالٍ لا تكاد تحصى -متاعًا وابتلاءً- مبعثِرٌ؛ فكيف بعثرةُ من يفتح على نفسه منها -كلَّ ساعةٍ- ما يفتح؟! ألا إن الظَّافر -اليوم- من ضيَّق على نفسه في كمِّها وكيفها.

كم أسمع وأقرأ لشبابٍ شكاواهم! يحسبونها لتنوِّع آثارها كثيرةً؛ وليست سوى البعثرة.

أنت -يا صديقي- مبعثِرٌ نفسَك؛ أشعثُ المُرادات، مفرَّقُ الهموم، مُشَقَّقُ الوقت، مُشَظَّى الجَهد.

قال اللَّه علا وتعالى: “وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا”؛ قال جماعةٌ من المفسِّرين: “فُرُطًا” أي ضياعًا، فكأنَّه تحقيق قول نبيِّنا -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم-: “فرَّق اللَّه عليه شمله”؛ يعني “من كانت الدُّنيا همَّه”، يفرَّط أحدنا في جمع قلبه اختيارًا؛ فيعاقَب ببعثرة حاله اضطرارًا.

تلك البعثرة من أشدِّ أنواع الضَّياع عقوبةً وامتحانًا، وصاحبها المفرَّقُ شملُه ممزَّقٌ كلَّ ممزَّقٍ.

يا أيُّها الَّذين آمنوا باللَّه واليوم الآخر؛ سابقوا في إغلاق أبواب البعثرة وتضييق منافذها؛ ذلك أجمع لكم.

اللهمَّ جامع النَّاس ليومٍ لا ريب فيه؛ اجمع علينا شوارد همومنا الَّتي تصلح معاشنا، واجمع علينا ضالَّات قلوبنا الَّتي تصلح معادنا، وأعذنا من شتاتٍ في البال، وبعثرةٍ في الحال، وضياعٍ في المآل.

أضف تعليق