هل أدركتك يومًا “غيرةٌ” من

هل أدركتك يومًا “غيرةٌ” من السماوات والأرض وما فيهما؛ سوى الناس؟!

اتل هذه الآية -جامعًا قلبك- ولتدركنك غيرةٌ ليس كمثلها غيرةٌ؛ “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ”.

يذكر الله سجود السماوات ومن فيهن بلا قيدٍ ولا استثناءٍ، وسجود الأرض ومن فيها بلا قيدٍ ولا استثناءٍ، وسجود الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر بلا قيدٍ ولا استثناءٍ، (حتى الدواب) بلا قيدٍ ولا استثناءٍ؛ فإذا جاء ذكرنا نحن -نحن دون كل هؤلاء- قال الله سبحانه وتعالى: “وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ”.

قال قائلٌ: لا عجب؛ ألسنا الخلقَ الذين جعل الله إرادتهم حرةً ولم يقهرهم على عبادته كما فعل في السماوات؛ “فَقَالَ لَهَا وَلِلْأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ”، وأَبَيْن حمل الأمانة؟!

قلت: بلى يا صاحبي أعلم؛ لكنَّ حقَّ الله -وقد خصنا بأنواع الإنعام والإكرام دون كل من ذكر- أن تسجد له قلوبنا وأقوالنا وأعمالنا ما بقينا أحياء أجمعون، يا صاحبي؛ إني امرؤٌ أعشق الوفاء والشكران مع الناس؛ كيف بهما مع رب الناس ملك الناس إله الناس؟ يا صاحبي؛ إني مثلك مفرِّط مذنبٌ؛ لكن قد قامت عليَّ الحجة بذوق “الحب”، ولقد جربت الغيرة على المحبوب أن يزاحمني فيه غيري؛ كيف لا أغار من هؤلاء أن يسبقوني إلى أمر المحبوب الأعظم بأسرع الجواب؛ “أَتَيْنَا طَآئِعِينَ”؟!

قال: هوِّن على نفسك؛ فلسنا كالسماوات والأرض قوةً؛ “لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ”، “أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَآءُ” .. “وَالْأَرْضَ” .. “وَالْجِبَالَ”، قلت: صدقت يا صاحبي وصدق الله من قبلك؛ لكن لئن قوَّى الله هذه الخلائق من وجهٍ؛ فلقد أضعفها من وجهٍ آخر؛ إنها تعبد الله قهرًا واضطرارًا، فأما عبادتنا لله فإنها طواعيةٌ واختيارٌ، يا صاحبي؛ إننا بها الوجه أقوى من السماوات والأرض ومن فيهن، يا صاحبي؛ نحن إذ نؤثر الله على كل من عداه (محبةً حرةً، واختيارًا خالصًا)؛ “خَيْرُ الْبَرِيَّةِ”.

إن تابعيًّا جليلًا هو أبو مسلمٍ الخولاني -رضي الله عنه- كان يقوم الليل أحسن القيام، فإذا تعب من قيامه ضرب رجليه بسوطٍ، وقال لهما: “قوما وانتصبا بين يدي الله؛ أيظن أصحاب محمدٍ أن يستأثروا به دوننا؟ كلا والله؛ لنزاحمنهم عليه زحامًا؛ حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالًا”؛ هذه الغيرة التي أعني يا صاحبي، هذه الغيرة التي تستحق احتراق القلوب، أشعِل بها اللهمَّ في حبك قلوبنا.

أضف تعليق