كيف عقيدة [هنالك] في قلوبكم

كيف عقيدة [هنالك] في قلوبكم يا أصحابي؟

لقد كانت سنة الفقهاء بربهم -جلَّ فضلُه- كلما أفاض عليهم عطاءً خاصًّا مما تتجلى فيه القدرة مع الرحمة؛ أن يغتنموا ساعة فيض ربهم الكريم هذه، فيسألوه [هنالك] شيئًا عظيمًا لا يُسأل عادةً.

– زكريا عليه السلام؛ كان كلما دخل على مريم -عليها السلام- المحراب، وجد فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، فسألها عن ذلك، فأخبرته أنها من عند الله، وأن الله يرزق من يشاء بغير حسابٍ؛ [هنالك] “دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً”؛ أليس هذا عطاءك يارب على غير أسبابٍ مُواتيةٍ؟! فأنا أسألك شيئًا عظيمًا كذلك؛ أسألك ذريةً طيبةً؛ وليًّا يرثني في النبوة، وإن أسبابي غير مُواتيةٍ يارب؛ قد بلغني الكبر وامرأتي عاقرٌ، “فَنَادَتْهُ الْمَلَآئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ”.

– إبراهيم عليه السلام؛ أولاه الله عطاءً خاصًّا، فقال له: “إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا”؛ [هنالك] اغتنم إبراهيم ساعة فيض ربه الكريم هذه، فقال: “وَمِن ذُرِّيَّتِي”، فقال الله: “لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ”.

– موسى عليه السلام؛ نبَّأه الله بوحيه إليه في الواد المقدس، ثم زاده من خاصِّ عطائه فجعله رسولًا، وإلى أعتى أعدائه، فقال: “اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ”؛ [هنالك] اغتنم موسى ساعة فيض ربه الكريم هذه، فقال: “وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي”، فأوحى الله إليه: “قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ”.

– موسى عليه السلام كذلك؛ بسط الله له القرب فأتم لياليه أربعين، ثم خصَّه بعطاء التكليم؛ [هنالك] اغتنم موسى ساعة فيض ربه الكريم هذه، فقال: “رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ”، فقال الله له: “لَن تَرَانِي”.

– عائشة رضي الله عنها؛ رأت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طِيبَ نفسٍ، وذلك والله عطاءٌ خاصٌّ؛ أن يُرى رسول الله طيِّب النفس؛ [هنالك] اغتنمت عائشة ساعة فيض ربها الكريم هذه، فقالت: يا رسول الله؛ ادع لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، وما أسرت وما أعلنت”، فسُرت، وضحكت حتى سقط رأسها في حجرها، فقال رسول الله لها: “أيسرك دعائي؟”، قالت: وما بي لا يسرني دعاؤك؟ قال: “فإنها دعوتي لأمتي في كل صلاةٍ”.

– ربيعة بن كعبٍ رضي الله عنه؛ شرفه الله بخدمة نبيه، ثم ضاعف المنة عليه بخاصِّ العطاء، فألهم رسوله -صلى الله عليه وسلم- يومًا أن يسأله عما يحب؛ [هنالك] اغتنم ربيعة ساعة فيض ربه الكريم هذه، فسأل رسول الله مرافقته في الجنة، فقال رسول الله له: “أعني على ذلك بكثرة السجود”.

إذا تأملت هذه الأمثلة؛ وجدت القدْر المشترك بينها هو؛ “اغتنام الأنبياء والأولياء ساعات العطاء”، وقد يستجيب الله -سبحانه- برحمته؛ كما فعل لنبيه زكريا في طلبه الذرية فبشره بيحيى، وكما فعل لنبيه موسى في طلبه نبوة هارون فجعله نبيًّا، وكما فعل لعائشة في طلبها دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا لها بأعظمه، وقد لا يستجيب -تعالى- بحكمته؛ كما كان مع موسى في طلبه الرؤية لأن محلَّها جوارُه الأعلى، وكما كان مع إبراهيم في طلبه الإمامة في جميع ذريته، فعلَّمه الله أن إمامة الناس فضلٌ خاصٌّ لا ينال إلا المقسطين أمثالَه، وكما كان مع ربيعة في طلبه من النبي -صلى الله عليه وسلم- مرافقته في الجنة، فعلَّمه الرسول أن لهذه الدرجة الرفيعة سببًا لا بد منه؛ وهو كثرة السجود.

أيها الفقراء إلى الله؛ كونوا بالله فقهاء، فإذا خصَّ أحدكم بعطاءٍ منه فليغتنم ساعة فيضه الكريم، وليسأله [هنالك] شيئًا عظيمًا يليق بها، إن ربكم الكريم إذا أعطى أدهش، وإن عطاءه بغير حسابٍ.

قال قائلٌ منكم: ما نفقه عن الله لتطمئن قلوبنا بعقيدة [هنالك]؟ قلت: إذا فقهتم عنه -تبارك برُّه- عقيدة [كذلك]، بأول تعليقٍ حديثٌ عنها لأخي صديقي حبيبي الشيخ سمير مصطفى، فكَّ الله أسره.

أضف تعليق