أوصيته بالمحافظة على الصلاة، فقال:

أوصيته بالمحافظة على الصلاة، فقال: أَكْلُ العيش، ثم إني لا أتنبه لمواقيتها؛ فادع لي.

يا حبيبي؛ المأكل والمشرب والمنكح والملبس والمسكن والمركب للعيشة، والعيشة نفسُها لعبادة الله.

يا حبيبي؛ الحقَّ أقول لك: لقد أفدتَ فؤادي بجوابك هذا -قبل أن أفيدك- علمًا لم يستفده من قبل؛ الآن أفقه لم جعل الله قوله سبحانه: “إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ”، بعد قوله تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”؛ لقد علم ربي أن أكثر ما يتعلل به عبيده في ترك عبادته اكتسابُهم الرزق؛ فذكَّرهم بأن الذي ينصرفون عن عبادته شغلًا بأرزاقهم هو الذي بيده أرزاقهم، قويًّا إذ يرزقهم متينًا، وإذا كانت العبادة على الحقيقة أعظم أسباب الرزق؛ فإن الصلاة من بينها أطيبُ وأوفى؛ “وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ”؛ الناس في مساجدهم والله في قضاء حوائجهم.

يا حبيبي؛ قال الله -جلَّ ثناؤه- في حديثه الإلهيِّ: “إنا أنزلنا المال لإقامة الصلاة”؛ فلا تقلب الوسيلة غايةً فيَقلب الله حياتك ويُقلِّب قلبك جزاءً وفاقًا، أَخْدِم مالَك الصلاةَ تهنأ لا تُخْدِم الصلاةَ مالَك فتشقى.

يا حبيبي؛ لتعلَمن إذا هجم ملك الموت عليك ليقبض روحك، وإذا قَبرَك أهلُك فخلوتَ في قبرك للحساب، وإذا بُعثر ما في القبور، وإذا نُشرتَ للقيام لرب العالمين، وإذا تطايرت الكتب، وإذا نُصب الميزان، وإذا ضُرب الصراط على متن جهنم؛ لتعلَمن في كل ذلك شُؤم رزقٍ شغلك عن إلهك طرفة عينٍ.

يا حبيبي؛ إنما الرزق الحق قوت روحك من السكينة، وقلبك من الطمأنينة، وبالك من الصلاح، وحالك من الفلاح، ورضوانٌ من الله أكبر تعمل له أعمالًا، وفردوسٌ أعلى تخلد في حبورها أبدًا، ولم يجعل الله شيئًا من ذلك في غير محبته وحسن عبادته؛ فقل: عجلت إليك ربِّ لترضى، واسجد واقترب.

يا حبيبي؛ إنما جُعل الأذان لتنبيه الغافل عن مواقيت مواعيد محبوبه، أما المحب فينبهه فؤاده لا طاقة له بالكسل ولا قِبَل، أحدُ سبعةِ ظِلِّ الله يوم الحَرِّ الأشدِّ هو بقلبٍ أودعه المساجد؛ فأنَّى يتوانى!

يا حبيبي؛ لو أن إنسانًا يعمل في كشك سجائرَ -وساء عملًا- ما قبل منه صاحبه أن يعمل يومًا ويقعد يومًا؛ فكيف رضيت لله منك بذلك! تُلبِّي نداءه صلاةً، ولا تُلبِّيه صلاةً؛ إنْ هذا إلا خُلق اللاعبين.

يا حبيبي؛ إن عبدًا يركض في إصلاح معاشه ركضًا حثيثًا، ثم هو عن إصلاح معاده يتلهَّى؛ لمُشابهٌ الكفارَ في خَصلةٍ منعهتم الماء في محلِّ الظمأ الأكبر (جهنم)؛ “وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوآ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا”؛ وقد أبان ما بين اعتنائك بأمر دنياك وإهمالك أمر آخرتك عن لعبك، فأغنى عن الكلام.

يا حبيبي؛ السيد ينادى عبده والعبد لا يجيب! الملك ينادي مملوكه والمملوك لا يجيب! الحي ينادي الميت والميت لا يجيب! القيوم ينادي المفتقر والمفتقر لا يجيب! يا له معنًى يخلع أفئدة الأحياء.

يا حبيبي؛ من فرَّط في السجود اليوم طوعًا؛ عجز عنه غدًا كَرْهًا؛ “يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ”، وتأمل قول ربك: “خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ”؛ إن الخشوع حظ الصلاة من ظاهرك، والذل حظها من باطنك، فإذا لم يكونا منك في الحياة عبودية اختيارٍ؛ كانا منك يوم القيامة عبودية اضطرارٍ.

يا حبيبي؛ تدبر هذه الأربعَ مجتمعةً؛ “أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ”، “أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ”، “وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ”، “وَمَا نَقَمُوآ إِلَّآ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ”؛ هل لاح لك مُوجِعُ المعنى بينهن!

أنالكَ رزقَهُ لتقومَ فيهِ ** بطاعتهِ وتشكرَ بعضَ حقِّهْ

فلمْ تشكرْ لنعمتهِ ولكنْ ** قوَيتَ على معاصيهِ برزقهْ

يا حبيبي؛ إن ضابط شرطةٍ ممن يغدون ويروحون في سخط الجبار؛ إذا ناداك فلم تجبه؛ جعل نهارك ليلًا؛ أفتحسب أن مليك السماوات والأرض إذا ناداك فلم تجب نداءه؛ لم يؤاخذك بهذا وله العزة!

يا حبيبي؛ بطيءٌ إذا ناداك عبدًا وهو يحلُم عليك ويعرِّضك للهدى آناء الليل وأطراف النهار، متعجلٌ إذا دعوته ربًّا وتشكوه إلى قريب الناس وبعيدهم أن دعوته فلم يجبك! ويحك والله! ما أقسى جفاك!

يا حبيبي؛ إن من تترك الصلاة لإصلاح معاشهم من أهلك وعيالك؛ لا ينفعونك كثيرًا في مصائب الحياة الدنيا على ظهر الأرض؛ فأنَّى ينفعونك شيئًا في دواهي الآخرة تحت الأرض ثم يوم العرض!

يا حبيبي؛ شَغل جدَّك أبا طلحة الأنصاري -وهو يصلي في بستانه- طائرٌ لم ير مثلَه، فلما فرغ من صلاته أتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال له: “أشهد يا رسول الله أني جعلت هذا البستان صدقةً لله تعالى، فضعه حيث يحب الله ورسوله”؛ بالله ما يصنع مشغولٌ عن الصلاة لا فيها عامة حياته!

يا حبيبي؛ إن قبلت أن تقعد عن دراستك وأدعو الله لك بالنجاح، أو بالقعود عن كسبك وأدعو الله لك بالرزق؛ فسأقبل أن تقعد عن الصلاة ثم أدعو الله لك أن تصلي؛ لم لا أراك درويشًا في دنياك كما أراك في دينك! أجدك تعقل أنه لا يكون مالٌ إلا بسببٍ؛ فهل جعل الله هدايتك بغير سببٍ؛ “وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ”، “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ”؛ أولئك الذين يأخذون بأسباب الهدى يهديهم وحدهم الله.

يا حبيبي؛ انظر أول تعليقٍ نظر الله إليك يوم لا ينظر إلى الظالمين، واقرأ ما به من منشوراتٍ قرأتَ كتابك باليمين، وأبشر بتوبة الله عليك بشرك الله برحمته يوم لا بشرى للمجرمين، وإني أخوك.

أضف تعليق