الكفر ابتغاءَ مرضاة الله! محاورةٌ

الكفر ابتغاءَ مرضاة الله!

محاورةٌ بين عبدٍ عزم على طاعةٍ بعد معصيةٍ، وبين الشيطان.

العبد لنفسه: لا يُذهب السيئة التي اقترفت الآن إلا هذه الحسنة؛ إني سمعت ربي -تبارك فضلُه- يقول: “وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ”، وسمعته -وسعتْ رحمتُه- يقول: “إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ”، وسمعت رسولي -صلَّى الإله عليه وسلَّم- يقول: “وأتبع السيئة الحسنة تمحها”؛ لا حول عن سخط الله ولا قوة على رضوانه إلا بطاعته.

الشيطان -في صدر العبد-: هَأْ هَأْ هَأْ! تطيع كأنك ما عصيت! الآن وقد فرغت من خطيئتك تدخل على الله! تظن أن الله يُخادَع بمثل هذا! أنت الذي خلوت بمحارم الله فانتهكتها تلقاه بفِعلتك هذه! بأي وجهٍ تأتي ربك وأنت الجريء عليه بما اجترحت! أم تحسب أن الله خفيتْ عليه عظائمُك! هذا لعبٌ يليق بك عبدًا لكنه لا يليق بالله ربًّا! لقد أحاط الله بما صنعت سمعًا وبصرًا، وهو على ما جنيت شهيدٌ!

العبد: أنت الذي جهَّلتني بربي تُعرِّفني به! أنت الذي أنسيتني مقام إلهي تُذكِّرني قدْره! الآن وقد اتَّبعتك فضعُف تعظيمي سيدي تدعوني إلى إكباره وإجلاله! أراك بعدما هديتني إلى معصية الله تضلُّني عن طاعته! ما شريعة العبودية إلا أن يَصِل العبد ما انقطع من وصل سيده، ولا قانون الحب إلا أن يَجْبُر المحب ما انكسر بينه وبين محبوبه، ولا نظام العقل إلا أن يُصلح الإنسان في مراده ما أفسد.

الشيطان: لأُبيِّنن لك مزيدًا فأصغِ إلي؛ هذا الذي تعزم عليه الآن نافلةٌ من نوافل أعمال الجوارح، والذي فرَّطت فيه إذ عصيت الله فريضةٌ من فرائض القلوب! إنما مَثلُك مَثلُ من يتورَّع عن المكروهات وهو غارقٌ في المحرمات! وهل يحرص على طاعة الله في الجَلَوات عبدٌ لا يحفظ حدوده في الخَلَوات؛ إلا وقصدُه الناس! وهل بعد ذَهاب الخشية من عملٍ يُرجى! اتق الله ولا تطعه، اتق الله واعْصِه.

بالأمس قعد عن المستحبات، واليوم عن الواجبات، وغدًا -لا كان- يركب نواقض الإيمان التي يصير بها كافرًا؛ لا يرى نفسه أهلًا للصلاة المكتوبة فيتركها وذلك كفرٌ، يعجز عن ترك المحرمات فيُفسِّرها ثم يُبرِّرها ثم يُمرِّرها ثم يُقرِّرها وذلك كفرٌ، يفرُّ من صحبة المؤمنين لئلا يُدَنِّسَهم بنفسه فيصحب الفجرة ثم الكفرة ثم يواليهم وذلك كفرٌ؛ لقد شرح الشيطان بالكفر صدره ابتغاءَ مرضاة الله!

أضف تعليق