لا غنى للمرء عن محبوبٍ مستأهلٍ لقلبه يفضفض إليه بخاصَّة شأنه؛ لكن لو أنَّا نفضفض إلى الله بعُشر عشير معشار ما نفضفض به إلى الناس في ذنوبنا وعيوبنا وكروبنا؛ لأغاثنا فكفانا وأرضانا، على أنَّ ربَّنا المحيطُ ببواطننا خُبرًا والناس جُهَّالٌ بظواهرنا الجليَّة السافرة، وربُّنا القادر القدير المقتدر على جلْب منافعنا ودفْع مضارِّنا والناس عجزةٌ لا يملكون لأنفسهم شيئًا ولا يستطيعون، وربُّنا السِّتِّير الذي لا يواري القبائح فحسْب، بل يُبدينا في أعين الناس جُمَلَاءَ أَبْهِيَاءَ، والناس إلا قليلًا لا يكادون يكتمون حديثًا، وربُّنا الغني الواجد الواسع البر الوارث، والناس فقراء مفاليس، وربُّنا المنَّان الذي يعطي على غير استحقاقٍ عطاءً غير مجذوذٍ، والناس إن أعطوا فللمستحق وعطاؤهم ممنونٌ، والفضفضة إلى الله دعاءٌ ورجاءٌ وابتهالٌ وضراعةٌ، وللناس شكايةٌ واستجداءٌ واستعطافٌ ومناشدةٌ. الفضفضة أينما كانت تضعُّفٌ وافتقارٌ؛ فأنْ يكونا من قلبك لربك أصْوَن وأكرم.
يا أحبَّتاه؛ إنكم لن تفضفضوا إلى ربكم في خيرٍ من سجودكم بين يديه، فأطيلوا السجود، أطيلوه وإنْ شيئًا فشيئًا، لا بد من تعود المؤمن على السجود الطويل، إنما السجود الذي يؤتي روحَ المؤمن أُكُلَها السجود الطويل، السجود عزُّك واستغناؤك واقترابك، فكلما أطلته زاد حظُّك من هذا جميعًا، السجود دخول الفردوس الأعلى قبل دخوله، السجود حُلول الرضوان الأكبر قبل حُلوله، صورة السجود جسدٌ جاثٍ على الأرض، وحقيقته قلبٌ طائفٌ حول العرش، السجود مشافي السماء في الأرض من عِلَل الأرواح ما ظهر منها وما بطن، السجود محطة تموين قلبك من أقوات ربك كل مرحلةٍ من مراحل الطريق، السجود الجامع ما تفرَّق منك، السجود الجابر ما انكسر فيك، السجود سكونك الضروري عقب كل مكابدةٍ، السجود الملجأ، السجود المَنجى، السجود الإيناس، السجود المعتصَم، السجود الملاذ، السجود المستراح، السجود التثبيت، السجود المآب.