#في_حياة_بيوت_المسلمين.
في حياتي كلها؛ كان حسبي لِأشهد عُرس القريب أو الصديق عِلمي أنه يحب شهودي، دعاني أو لم يدعني إليه سواءٌ هذا في قلبي بحمد الرحمن ربي.
اليوم أقول للشاب يأبى شهودَ عُرس صديقه بل ذي الرحم منه: لم لا تشهد عُرسه! يقول: لم يدعني دعوةً خاصةً، بل جعلني فيمن دعاهم دعوةً عامةً.
الآن آن أوانُ اعتذاري إلى سُمُوِّ جناب حضرة جلالة فخامة سيادة سعادة قداسة نيافة فضيلة نفسي؛ على سوابق مرمطتي معاليها في أربعين سنةً وزيادةً.
كيف كنت أرضى لنفسي شهود أعراس أحبتي؛ بلا دعوةٍ خاصةٍ أو عامةٍ! ألم يكن خليقًا بذاتي المشرَّفة أن أصونها عن مشابهة الدَّهماء السُّوقة الهَمَج الرِّعاع الغوغاء الأوباش النُّخالة الحُثالة الحُسالة العُفاشة الأنذال الأرذال الصَّعاليك!
اطَّرِحوا جِدِّي وهزلي جانبًا، واتَّخِذوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاحبًا.
لقي النبيُّ -صلى الله عليه- عبدَ الرحمن بن عوفٍ -رضي الله عنه- بعد الهجرة وعليه أثرُ صُفرةٍ، فسأله -بمعهود رأفته، ومألوف رحمته- عنها، فقال: إني تزوجت يا رسول الله، فقال له الرسول عليه السلام: “بارك الله لك، أوْلِم ولو بشاةٍ”.
هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعظمُ من صُحِب، وأولئك أصحابه -رضي الله عنهم- أوفى من صَحِبوا؛ لا يُعْلِمه صاحبه بموعد زواجه، وإنه لغريبٌ -معه- عن دياره؛ فإنه كان من المهاجرين.
ما انقضى قطُّ من هذا الحديث عجبي! وكم قلت لإخواني: لئن لم يحتجْ عبدُ الرحمن في زواجه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- رسولًا يُبَصِّره ويهديه؛ فإنه محتاجٌ إليه فيه إنسانًا يُعَلِّمه ويُرَقِّيه!
ذلك كله وسواه؛ ولم يُعْلِم عبدُ الرحمن ونفرٌ سواه من الصحابة كما في أحاديث أخرى؛ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بمواعيد زواجهم، وما عتب عليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- قطُّ، بل كان يدعو لهم بالبركة، ثم يُكْمل عطفه عليهم ويُتِم إحسانه إليهم بجليل الوصايا.
اليوم كم رحمٍ قُطِعت أوصالُها، وعلاقةٍ فُصِمت عُراها؛ بداء الكبْر الذي لا أَجْنى على أهله منه، أو بتشوُّهاتٍ دميمةٍ موروثةٍ من الآباء والأمهات يؤسِّسون لها في أبنية أبنائهم النفسية بقصدٍ أو بغير قصدٍ، أو بتنشئة المجتمع الإنسانَ على الدَّوران في فَلَك ذاته لا يبرحُها إلا لجَلْب منفعةٍ لها أو دَفْع مضرَّةٍ عنها، أو بعَوَر التصنيف وحَوَل التصريف! ومعنى عَوَر التصنيف: وضعُ الإنسان فلانًا من الناس في عقله أو قلبه موضعَ غيره، كأن يُصنِّف الصديقَ أو ذا الرحم زوجًا له عليها من الحقوق كذا وكذا، أو ولدًا له يجب عليه شديدُ الاعتناء به وعظيمُ الرعاية له، فإذا صُنِّف هؤلاء في عقله كذلك بغير وعيٍ منه كثيرًا أو بوعيٍ قليلًا؛ ترتَّب عليه حَوَل التصريف، ومعناه: تَسْيِيل العاطفة الخاصة بالزوج أو الولد في الصديق أو ذي الرحم، ثم الحُكم عليهما ومحاسبتهما على هذا الأساس، ولو كان أُولاء المبتلَون بعَوَر التصنيف وحَوَل التصريف صِحاح النفوس ثِقال العقول؛ ما طلبوا ما يفقدون من العواطف ممن يجدون من الناس لمجرَّد التوفُّر في الحياة.
ألا إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الإنسان القِياسِيُّ وحده؛ أي الذي يُقاس عليه كل أحدٍ في كل شيءٍ؛ في الاعتقاد وفي التنسُّك وفي المعاملة، فحقيقة صِلته أرحامَه وأُخوَّته أصحابَه ومُخالقته سائرَ الناس؛ هي الحقيقة المُلزمة وحدها للناس كلهم، لا تَزَيُّد عليها مثقالَ ذرةٍ طرفةَ عينٍ، وما لم يكن من معاملته أهلَه وأصحابَه وسواهم -يومئذٍ- شيئًا؛ فلا يكون إلى القيامة شيئًا.
إن الذين يتعبدون لربهم في جميع معاملاتهم؛ هم الذين يحرصون على قبول الله إياها منهم، وإن شَرْطَي قبول الله كل عبادةٍ من أهلها؛ إخلاصُها لوجهه الأعلى، واتباعُ رسوله -صلى الله عليه وسلم- فيها، ولا يكون ذلك إلا بحُسن التفقه في الدين، وتزكية النفس من شُحِّها وأدوائها، واستدبار كل عُرفٍ شائهٍ ذميمٍ.