إِلَامَ الصبرُ يا أبتِ؛ فقد

إِلَامَ الصبرُ يا أبتِ؛ فقد أعياني الجَهد!

يا حِبَّ أبيك؛ الصبر ما دامت الدنيا، الصبر ما دمت عبدًا، الصبر إلى القبر.

الصبر (على وعن وفي)؛ على الطاعات، وعن المعاصي، وفي البلايا.

اصبر فاقِهًا حقيقة الصبر من أول الطريق، إنه ليس بالأمر الهَيِّن، إنه عَزْمَةٌ من عَزَمات الله، بهذا كاشَف لقمانُ -عليه السلام- ولدَه؛ “يَٰبُنَىَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أصابك إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ”.

اصبر لله؛ “وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ”، أقلُّ ما يستحق إلاهُك الأعظمُ صبرُك له، ولا يُحِيل مراراتِ الصبر في النفوس حلاوةً؛ إلا احتسابُ صبرك ابتغاء وجه ربك الأعلى.

اصبر بالله؛ “وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ”، مستعينًا به عليه، لا صبر بغير عونه؛ هو الذي يرزق الصبر، وهو الذي يُديمه، وهو الذي يُثَبِّت به، وحده لا شريك له.

اصبر فإن الصبر هو حكمة ابتلائك؛ “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ”، وإن ابتلاءك هو حكمة وجودك؛ “إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا”، فصبرك إذًا هو حكمة وجودك.

اصبر فإن جنةً عرضُها السماوات والأرض أغلى سلعةٍ لا خلود فيها بالمجَّان؛ “أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ”.

اصبر فإن الصبر مِعْوانُك على ما خُلقت لأجله؛ “وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ”.

اصبر تفُز بمَعِيَّة الله؛ “إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”، ومن كان الله معه فمَن عليه!

اصبر فأوَّلُ صفِّ الصابرين الأنبياء؛ “فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ”.

اصبر فإن بعد الصبر قضاء الله بما يشاء، وكله خيرٌ؛ “وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ”.

اصبر أوَّلَ البلاء فإن ربك الأوَّلُ لا شيء قبله؛ “إنما الصبر عند الصدمة الأُولى”، ليس من سبق إلى الله بالصبر ابتغاء رضوانه كمن أبطأ به، لا يستوون.

اصبر ولن تصبر بمَعزلٍ عن أهل الله؛ “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”.

اصبر مستفرِغًا الصبر من الله، لا ينفع الصبرُ إلا مفروغًا؛ “رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا”، من تصوَّر الطاعات على وجهها، والمعاصي على وجهها، والبلايا على وجهها؛ عرف أن الصبر لا ينفع بهن جميعًا إلا مسكوبًا من الرحمن سكبًا شديدًا.

اصبر صبرًا لا شكوى فيه ولا معه؛ “فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا”، إن ربًّا جَمُل في ذاته وأسمائه وصفاته وأقواله وأفعاله على الكمال؛ لا ينبغي له ولا يليق به إلا صبرٌ جميلٌ، إن الصبر ليس فعلًا يمنُّ به الصابر على الله فيجعله كما يشاء، بل الله يمنُّ عليه أن هداه إلى الصبر وأعانه عليه، فحقُّه حينئذٍ أن يُرفع إليه جميلًا.

اصبر على أعدائك كذلك؛ “يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا”.

اصبر كلما وصَّاك بالصبر حريصٌ عليك إنفاذَا لوصية الله؛ “وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ”.

اصبر تُضَأْ لك بالصبر مظلِمات نفسك والدنيا والناس؛ “والصبر ضياءُ”.

اصبر فالصبر خير عطاءٍ وأوفاه؛ “وما أُعطي أحدٌ عطاءَ خيرًا وأوسع من الصبر”.

اصبر على العبادة واصطبر لها؛ “وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ”، هذا الاصطبار هو المُعين على أنواع العبادات، وعلى درجاتها، وعلى ديمومتها، وعلى الصدق فيها.

اصبر على الأسقام مهما كان نوعها وآثارها، ومهما طالت أو كثُرت؛ فإن ثواب ربك عليها مدهِشٌ، قال تباركت رحمته: “إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا، فحمدني وصبر على ما ابتليته به؛ فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه”.

اصبر إذا أُوثر عليك غيرُك بغير حقٍّ؛ “ستلقَون بعدي أَثَرَةً؛ فاصبروا حتى تلقَوني على الحوض”، لِمَ الحوض! ما جزاء الصابرين على القِلَّة إلا الكوثر.

اصبر على الأذى من الخلق يصيبك فإن ربك لا يزال عليهم صبورًا؛ “لا أحد أصبر على أذًى يسمعه من الله عزَّ وجلَّ؛ إنه يُشْرَكُ به، ويُجْعَلُ له الولد، وهو يعافيهم ويرزقهم”، أفيصبر الله على الكافرين به والعصاة له ولا تصبر أنت!

اصبر فقابِلُ الأيام شرٌّ من فائِتها إلا ما شاء الله، فإن لم تتأهَّب لكلٍّ بالصبر كنت في الهلكى؛ “اصبروا؛ فإنه لا يأتي عليكم زمانٌ إلا الذي بعده شرٌّ منه حتى تلقَوا ربكم”، ألا إن لقاءك اللهمَّ بعد طول كَدْحِنا وشدته هو المُواسي حقًّا.

اصبر على النصر لا تستعجل له مهما بذلت له أعمالًا؛ فإن الله مُوَفٍّ وعدَه متى شاء لا يَعجل؛ “وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا”.

اصبر على الحق مستمسكًا به غير مبدِّلٍ تبديلًا، أنت بالصبر على الحق أولى من صبر الكافر على الباطل؛ “وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ”.

اصبر على مخالطة الناس وأذاهم في سبيل الله، أولست من أمةٍ ما أخرجها الله للناس إلا لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر مؤمنةً به وأناط بذلك خيريتها! فأنَّى لك هذا بغير عُدَّةٍ من الصبر وافيةٍ! “المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم؛ أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم”.

اصبر لكل بَلِيَّةٍ واسترجع، قد بشر الله الصابرين المسترجعين بواسطة أكرم خلقه عليه فقال: “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوآ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”.

اصبر واستكثر مدة الصبر من الخيرات، ليس الصبر عدمًا، انظر كم قرن الله بين الأمر بالصبر وبين فعل الطاعات! “إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ”،
“وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ”، “فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ”، “وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا”، “الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ”.

اصبر على تعذيب عدوك لك غير مستبطئٍ تعذيب ربك له، إنك إن استبطأت وعيد الله عدوك أشبهته؛ “فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا”.

اصبر على الضراء واشكر في السراء صبرًا وشكرًا شديدَين موصولَين؛ فإن الله ما جعل آياته في تنعيم أوليائه وتعذيب أعدائه إلا “لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ”.

اصبر محسنًا الظن بالله أنه يُصَبِّرُك؛ “سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ”.

اصبر، فإن لم تصبر فتصبَّر، تكلَّف الصبر حتى تصبر؛ “ومن يتصبَّر يُصَبِّره الله”.

اصبر مهما يكن صبرك مرًّا؛ كفى بربك رقيبًا؛ “وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا”.

اصبر وأيقن بمن جعل الصبر منهاجًا، لا تُنال الإمامة في الدين إلا بالصبر واليقين؛ “وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ ۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ”.

اصبر فكل موعودٍ به من الله ورسوله على فعل طاعةٍ وترك معصيةٍ إنما هو للصابرين وحدهم؛ “وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا”، “وَلَا يُلَقَّاهَآ إِلَّا الصَّابِرُونَ”.

اصبر إلى تحية الملائكة في الجِنان؛ “سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ”.

اصبر فإن الله يحب الصابرين، وكفى بحب الرب غايةً؛ “وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ”.

اصبر فأجر الصابرين لا حدَّ له ولا عدَّ؛ “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسابٍ”، كالماء المنهمر في يومٍ أنت به أفقر شيءٍ إلى مثاقيل الذر من الأجر.

اصبر يكن جزاؤك يوم القيامة وعود ربك هذه؛ “إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوآ أَنَّهُمْ هُمُ الْفَآئِزُونَ”، “أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا”، “أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا”، “وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا”.

ربَّاه أفرِغ علينا الصبر الجميل جزيلًا؛ على طاعتك، وعن معصيتك، وفي بلائك.

أضف تعليق