هل يجتمع الحب والأذى؟
ما بقينا أَنَاسِيَّ وفي هذه الحياة الدنيا فنعم؛ لا بد من حبٍّ ولا مناص من أذًى، إنما الحب الذي لا أذى بين يديه ولا خلفه؛ فالذي هو كائنٌ في دار السلام جوارَ الله، تلك الجنة التي قدَّس الربُّ فيها كل شيءٍ عن كل شرٍّ أن يُمازِجه.
بَيْدَ أن صادق الحب لا يقصد إلى إيذاء محبوبه بسببٍ من الأسباب على حالٍ من الأحوال، بل لو قصد أذاه طرفة عينٍ فما دونها أخطأه، أَنَّى يروم أذاه وما حبُّه إلا اشتهاءُ قلبه أن يُنْعِم بالحب ويَنْعَم! فهما ضدَّان لا يجتمعان.
فإذا هو غُلِب ساعةَ وَهَنٍ في الحب أو غفلةٍ من العقل فآذى محبوبه نفسًا؛ لم يؤذه حِسًّا، وإذا آذاه حِسًّا لم يؤذه نفسًا، هو في ذلك كالعبد الصالح في جَنب الله؛ إذا غُلِب على معصيةٍ لم يجتمع عليها بكُلِّيته، إن يَغِب شطرُ قلبه عن شهود جلال الرب حالَ الذنب؛ يَحضر شطرُه الآخر في شهود الجمال.
ثم إنه مهما نأى يؤوب من قريبٍ، لا قِبل لقلبه بالجفاء ولا طاقة لروحه على البِعاد، يرى مجرَّد صدور الأذى عنه أعسر حسابٍ جُوزيت به نفسُه من نفسه، فيُقبل على محبوبه معتذرًا إلى ذاته فيه ثم إليه في ذاته، فليس ثَمَّ إلا نفسُ واحدةٌ ذاتُ شِقَّيْن، قد شاء الجبَّار لهما من بعد عارض البُعد التئامًا.
ومن كانت تلك رُتبة محبته؛ لم يسع محبوبه إلا الهرولة بقبول اعتذاره، والخضوع عند استغفاره، ومبادلة استعفائه بانكساره، إلا قدَرًا مقدورًا.