يا شيخ؛ ادع الله لي فقد تغير قلبي عمَّا كان عليه من هدًى وصلاحٍ.
يا حبيبي؛ أما قولك: يا شيخ؛ فإنك أخي وإني أخوك لا مشيخة ولا شيء، وأما قولك: ادع الله لي؛ فأفعل برحمة الله وأرجوه بأنه السميع المجيب أن يسمع مني فيك ويستجيب، لكن دعاءك لنفسك أولى فأولى؛ فإنك ذو الفاقة الصادق المضطر، وإن أحب أمرَيك إلى ربك أن تدعوه بنفسك لنفسك فيصعد إليه منك كَلِمٌ طيبٌ كما صعد إليه منك عمل السوء، وأما قولك: تغير قلبي عمَّا كان عليه من هدًى وصلاحٍ؛ فما سُمِّى القلب قلبًا إلا من تقلُّبه، ثم إني أبشرك بأن الله لم يتغير عما كان عليه من نعوت الرحمة وصفات الجمال، فكما كان بجميع صفاته أزليًّا كذلك لا يزال عليها أبديًّا؛ فهو التواب لم يزل، وهو الغفار لم يزل، وهو الهادي لم يزل، وهو الودود لم يزل، وهو البر لم يزل، وهو الرحيم لم يزل، وهو الكريم لم يزل؛ فمهما تغير قلبك وجدت ربك كما هو.
يا حبيبي؛ خيرٌ لقلبك من شكاية حاله إلى عبيدٍ قلوبهم أشد افتقارًا إلى الله في هداها وصلاحها منه؛ أن تشكوه إلى ربه؛ الرب الذي لا أخبر منه بأسقامه ولا أبصر، الرب الذي لا أقوى منه على تطبيبه ولا أقدر، الرب الذي لا أدنى منه في تثبيته ولا أقرب، الرب الذي ما تقلَّب القلب مذ خُلق إلا على عينه وكفى.
يا حبيبي؛ ادع الله بما يشكوه قلبك جميعًا مما تحس وتجد؛ ما ظهر من أدرانه وما بطن، ما دقَّ من أمراضه وما جلَّ، كلِّمه بلسان عبوديتك الذي هو أفصح في سمع الله من كل لسانٍ، ما أبلغ دعاء عامِّيٍّ سمعته يقول -صادقَ الذل مُتَّقِدَ الفؤاد أحسبه-: يا رب انا في قلبي بلاوي انت اللي عالم بيها، ولو معافتنيش منها هضيع في الدنيا والآخرة! سبقت ضراعته والله ضراعة متفاصحٍ يتقعر في ابتهاله بارد القلب يتغنى، وإلهِ قلبك ما له سوى الله.