هل شعرتم معي أن الأرض مادَت! الليلةَ دُكَّ جبلٌ من جبال الصبر فزال عن الأرض راسخٌ من رواسخها، وما تثبت إلا بجبالٍ من عبادٍ لله شامخين، أولئك يحفظ الله بهم الأرض أن تميد بأهلها ما لا يفعل بجبالٍ من ترابٍ وحصًى.
ماتت والدة أسيرٍ يعرفها كثيرٌ منكم، ظلت تكتب هنا سنواتٍ بمِدادٍ من وجعٍ كلَّ يومٍ عن ولدها المخطوف، كلَّ يومٍ كلَّ يومٍ، لم ينقطع في ربها رجاؤها أن تراه وإنْ مرةً واحدةً؛ لكن حال الكفرة بينهما حتى لحقت الليلة بالحَكم الدَّيَّان.
لم تكن الدكتورة منال الخياط -روَّح الله رُوحها، ونوَّر ضريحها- أمًّا لمحمدٍ الشاب المخطوف وحده؛ بل كانت أمًّا لزُمَرٍ من المساكين تبرُّهم بفؤادها وتصِلهم بيمينها، بذلك عرَّفها الله إلى عباده في الأرض، ولعله عرَّفها إلى ملائكته في النَّدِيِّ الأعلى بما هو أقدس وأبقى، سُنَّتَه الجاريةَ في رُحماء هذا العالَم.
من قال إنا المسلمين ننتظر جزاء صبرنا في هذه الحياة انتظارًا! إنما حسْبنا فيها الثقة بعلم الله المحيط واليقين في قدرة الله المطلقة، هو بما ظهر من مصائبنا وما بطن أعلم وأخبر، وعلى كشفها أقوى وأقدر، وهذا يكفينا.
ها قد وصلتك اللهم رُوحُ أَمَتك التي عاشت بائسةً سنين عددًا، قانطةً كانت من أسباب الدنيا إلا من فضلك الكبير لم تقنط، يائسةً من أبواب الناس إلا من رَوحك الرَّحْب لم تيأس؛ فأذِقها اللهم من برد العيش عندك ما تُنسي حلاوتُه مرارة الزمن الكئيب، وأنعِشها برحمتك الجابرة، وتَبَشْبَشْ إليها ببرِّك الوفير، واجعل محلَّ روحها عندك بين الغفران والرضوان، أنت المولى بها أولى.
يوم القيامة ضرورةٌ عدليةٌ من ضرورات القدَر والشرع جميعًا، وإنا به مؤمنون وله مرتقبون، وبالحياة الدنيا وإن طالت أيامها الكالحات كافرون، وإن لنا موعدًا فيه بيننا وبين خصمائنا في الله كافةً؛ الطواغيتِ وكُهَّانهم من الشيوخ وجنودهم أجمعين. يرحمكِ الإله أمَّ محمدٍ، وتُحْبرين به في جنات الخلود.