#في_حياة_بيوت_المسلمين.
سمعته يقول -ضاحكًا يتلهَّى-: بكرة نتجوِّز ونبطَّل شقاوة!
هل اتخذت عند الله عهدًا فلن يُخلف الله عهده؛ أن يُبقيك إلى الزواج، وأن يُذكِّرك التوبة منها بعده، وأن يشرح لها صدرك، وأن يُيسِّر لك أسبابها الجَوَّانِيَّة والبَرَّانِيَّة، وأن يتقبلها منك، وألا يجعل جزاءك من جنس عملك؛ فيُكدِّر عليك من عِيشتك ما احْلَوْلَى؛ كما كدَّرتَ قلبك الذي هو مَحِلُّ نظره الأعلى!
ويحك! تحسب أن لك اختيار المعاصي واختيار العقوبات!
إن للعبد اختيار الذنب وإن للربِّ اختيار الجزاء؛ يختار العبد -ظالمًا- في الذنب خمسًا؛ نوعَه، وقدْرَه، وزمانَه، ومكانَه، وأسبابَه، ويختار الإله -مقسِطًا- في الجزاء خمسًا؛ نوعَه، وقدْرَه، وزمانَه، ومكانَه، وأسبابَه؛ فما يُؤمِّنك أن يؤخر الله عقابك حيث تكره؛ كما أخرت التوبة حيث يحب؛ جزاءً وِفاقَا!
قال لي آخر: تُصدِّق أني ما فُتنت بالنساء إلا بعد الزواج!
قلت: أصدِّق بلا ترددٍ؛ لقد كان هذا المسكين يظن ظنَّ ملايينَ سواه؛ أن الزواج هو العاصم من فتنة النساء، وإنما العاصم من فتنة النساء وكلِّ فتنةٍ بين الأرض والسماء تقوى الله، وما الزواج إلا سببٌ ربانيٌّ بشريٌّ يستقطع به الإنسان على نفسه وجسده طُرُقَ التعلُّل بحاجاتهما الباطنة والظاهرة.
عصيان الله غباءٌ؛ لكنَّ أغبى الغباء إصرار صاحبه عليه.
ألم تقض وطرَك من خطيئتك يا هذا! ألم يَعِدك ربك وعدًا حَسنًا -ومن وعده الله شيئًا فهو لاقيه- أنك إذا تركتها، ندمانَ، تعزم ألا ترجع إليها، ثم بدَّلت إصلاحًا بعد إفسادٍ؛ أنه يغفر لك ويتوب عليك؛ بل يبدِّل سيئاتك حسناتٍ! ما إصرارك على الآثام -بعدئذٍ- إلا إصرارٌ على العقاب؛ وذلك أغبى الغباء.
يتوب إلى الله العقلاء؛ فأما المهرول بالتوبة فأعقل العقلاء.
بالورقة والقلم يحسب الذكي معادلة “الذنب والعقاب” حسابًا دقيقًا؛ يقول: إذا ذهبتْ عني فِطنتي إذ عصيت ربي بما غلب عليَّ من شهوةٍ وهوًى، وكنت بوعيد الله عليها بعاجل العقوبات وآجلها موقنًا؛ فما يمنعني من التوبة! فأما الذي هو أذكى فيقول: بل أستعجل رضوان الله فأهرول الآن بالمتاب.
بيتك الذي غاليت في إعداده؛ كيف لم تَصُنه عما يَنقُضه!
بالَّتي والَّتَيَّا اشترى شقةً أو استأجرها، وبالمنهِكات المرهِقات ابتاع أثاثها، وبما أضناه وأعياه -في نفسه وجسمه ووقته- أعدَّها للرَّوْح والراحة، صابرًا يؤمِّل مودةً ورحمةً سمع قرآنَ الله يبشِّر بهما المتزوجين؛ غيرَ أنه غفل عما دخل به دارَه كامنًا في قلبه من أسباب الخراب؛ الخطايا التي تمنع العطايا.
ما أحوجك إلى مَدًى طويلٍ أو كثيفٍ بين جُناحك ونكاحك!
أفمن تاب قبل زواجه بزمانٍ كافٍ للتعافي من آثار الذنوب النفسية والقلبية والدِّماغية والجسدية والعملية؛ كمن تاب قُبَيْلَه فصحِب عامة آثارها البالغة بين جَنبيه، وكان يظنها في زحام الشواغل نسيًا منسيًّا! إن للزمان -والفاعلُ الله- قوةً شديدةً في عزل النفس عما أصابته وأصيبت به في الحياة.
التوبة حق سيِّدك منك عبدًا؛ لا للزواج ابتغاءَ ما ترجو منه.
لجَلْب منافع الزواج ودَفْع مضارِّه لا تتوبوا؛ إنما التوبة الخالصة لله خالقًا آمرًا، وإن كان من آثارها حُصولُ ما وعد عليها -بفضله- من بركات الدنيا والآخرة؛ لكنْ إذا تنازعتْ نِيَّتَاك عند مولاك فأَولاهما أُولاههما، وتعبُّدك لله باسمه “الأوَّل” يوجب أن يكون هو مرادَك الأوَّل فيها؛ ألا توبوا وتزوجوا.