هذا حرفٌ يهتف بإنسانٍ يعبد مع الله شيخه: تنحَّ عن حرارته يا بارد لا مرحبًا بك.
أحب الشيخ الرباني المحدث النبيل أبا إسحاق الحويني في الله حبًّا شديدًا، وأحسبه من أولياء الله الصالحين والله حسيبه، ولا أحصي كم نفعني الله بلحظه ولفظه منذ سمعت له أول مرةٍ سنة خمسةٍ وتسعين، وأشتهي له كمال الخير في دنياه وأخراه، ويوم قُطعت رجله لم تحملني رجلاي وقعدت على رصيف شارعٍ أبكي، ولو قلت: لا أعلم خطبةً للشيخ لم أسمعها رجوت ألا أكون مبالغًا، وكانت تطربني عناوين كتبه الفريدة أيما طربٍ، ولم أر قطُّ كتابًا له إلا اشتريته فمتعت بقراءته فؤادي، وكم أحسن الله إلي برؤيته في اليقظة والمنام، وما كنت أقبِّل يد أحدٍ من المشايخ إلا قليلًا منهم الشيخ، ولا أنسى قول شيخنا رفاعي سرور -رفعه الله درجاتٍ، وسرَّه يوم الحسرات- قبل الثورة في بيته لي وقد ذُكرت القنوات الإسلامية: “هي القنوات فيها حد يتسمع يا أخ حمزة غير الأخ ابو إسحاق والأخ حازم ابو اسماعيل!”، وحين وجدت عليه في نفسي إذ تخلف عن الثورة ثم قال في شأنها ما قال بمسجد العزيز بالله؛ قلت لها مواسيًا: لم تزل صفحة الرجل بيضاء من مداهنة رؤوس الجاهلية الطواغيت، بل فيها من ضربةٍ بسيفٍ وطعنةٍ برمحٍ ورميةٍ بسهمٍ في جسدها حظٌّ عظيمٌ، ولم يمنعني يومئذٍ حبه من الإنكار عليه في الميادين وفي مجالسي العامة في المساجد والخاصة في البيوت؛ فإن الشيخ حبيبٌ إلى قلبي لكن الحق أحب إلي منه، وهو أصلٌ علَّمتنيه أمي والشيخ وغيره من المُثلاء الذين شرفني ربي بالاستفادة بهم، ثبتني الله عليه حتى ألقاه غير فاتنٍ ولا مفتونٍ.
وكما أنكرت على الشيخ الجليل يومئذٍ قِيله في الثورة أنها فتنةٌ وأن الاستبداد خيرٌ من الفوضى وأن الحكمة كانت في سكوته عنها، وأنكرت عليه سكوته في بيته على ثناء بشار عواد معروف على صدام حسين خيرًا وهو يسمع؛ أنكر عليه اليوم احتفاءه بالعفاني -عليه من الله ما يستحق- وقد عُلم للقاصي والداني انتخابُه لطاغوت مصر ومؤازرتُه لحزب الزور، وما أظن هذا على الشيخ خافيًا، وإنما بضاعة الشيخ الأولى نقد رواة الأحاديث والآثار، فأي الرجال أولى بالنقد يا عباد الله وأقسطوا؛ رواة الأحاديث الأموات الذين أشبعهم أيمة الإسلام نقدًا، أم الرجال الذين اشتهرت تصرفاتهم في أمور المسلمين العظام!
وإذا احتفى الشيخ بالعفاني وقد عُلم ما اقترف؛ فلا غرو أن يصور ولده هيثم نفسه مع عبد الله رشدي -عليه من الله ما يستحق- وقد عُلم انتخابه للسيسي ومجاهرته بها كما عُلم تأييده لحسني مبارك وولده، وبالله الغوث.
اللهم ربنا الغفور الغفار خير الغافرين؛ اغفر لعبدك أبي إسحاق ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وتغمَّد سيئاته بواسع رحمتك حتى لا تجازيه بشيءٍ منها، وتب عليه مما لا يرضيك في دينك قبل لقائك، وقوِّه على الصدع بالحق وأقدِره، وزده هدًى إلى هداه، وابسط عليه شفاءك الأتم، وبارك دعوته أينما كان، وأطِل في الإسلام عمره ثم أحسن عليه خاتمته؛ إنك أنت البر الرحيم.