عن موازين الناس وميزان الله؛ حرفٌ من القلب عابرٌ، إذا فرغت فاقرأ:
ليس العجب من الدنيا إذ ترفع مَن حقُّه الخفض وتخفض مَن حقُّه الرفع؛ إنما العجب منك إذا تعجبت منها لذلك؛ فإن الله ما كتمنا في قبحها حديثًا.
بِئست من دارٍ لا تَفرُق بين الناس بميزانٍ مقسطٍ، ولا تَميز بين درجاتهم بمقياسٍ صحيحٍ، كم أعزت ذليلًا وأذلت عزيزًا! وكم أكرمت لئيمًا وأهانت كريمًا!
أما الله الحكم الحق فميزانه الميزان، بمثاقيل الذر من الحسنات ومثاقيل الذر من السيئات، ومهما حل في الدنيا الكافر محل المؤمن والفاجر محل البَر والجاهل محل العالم والسافل محل الماجد؛ فعزاء المؤمنين أن العِندية عِندية الله؛ من كان عنده مرفوعًا لم يضره خفضٌ ولا خافضون، ومن كان عنده مخفوضًا لم ينفعه رفعٌ ولا رافعون، وكل عِنديةٍ لغيره سفلى وإن بلغ ضجيجُها أقطار السماوات، مُعْتِمَةٌ وإن بهرت أضواؤها أبصار واهِني البصائر.
العِندية عِندية الله فوق العرش؛ تأمل قوله عن نبيه إسماعيل عليه صلاتُه: “وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا”، وقوله عن رسوله موسى عليه سلامُه: “وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا”؛ هل تضر إسماعيل وموسى عِنديةٌ أخرى يكون الأول فيها غير مرضيٍّ والثاني غير وجيهٍ! ثم تأمل قوله في الكفار: “إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ”؛ هل تنفعهم عِنديةٌ أخرى يكونون فيها خير الناس!
ولقد يكابد المسلم في حياته الدنيا قليلًا أو كثيرًا ليحل في الأرض محله اللائق به المُنْبَغِي له، في وطنه أو أهله أو قومه أو دراسته أو عمله أو غير ذلك، لكنه يعلم علم اليقين إذ يكابد أن هذه الدار مجبولةٌ على النقوص، طافحةٌ بالعكوس؛ فأما الدار الآخرة التي ينتظرها فإنها الواقعة، خافضةٌ رافعةٌ؛ خافضةٌ من كان حقُّه الخفض، رافعةٌ من كان حقُّه الرفع؛ سبحان دَيَّانِها وتعالى!
يا حبيبي؛ الآن أدعك تتدبر هذه الآي من فرقان ربك في ظلال هذه الحقيقة:
“لَيْسُوا سَوَآءً”.
“إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى”.
“قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ”.
“وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا”.
“وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ”.
“وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ”.
“قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ”.
“وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ”.
“أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ”.
“وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَآءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ”.
“لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ”.
“أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ”.
“أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ”.
“أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى”.
“وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ”.
“وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ”.
“أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا”.
“أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”.
“انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا”.
“أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ”.
“أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ”.
“أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ”.
“أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ”.
“لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا”.
“أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ”.
“أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ”.
“قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ”.
“أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.
“لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”.
“مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا”.
“وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ”.
“هُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ ٱللَّهِۗ”.
“وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ”.
“فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ”.
“مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِندَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ”.
“سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ”.
“إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ”.
“وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”.