شكت إلي والدة أسيرٍ نقلَ

شكت إلي والدة أسيرٍ نقلَ الكفار له من زنزانته العامة إلى حبسٍ انفراديٍّ!

يا أم الأسير؛ لا جَرَمَ أنكِ أرحم أهل الأرض به؛ لكنَّ في السماء ربًّا لولاه لم ترحميه، في السماء خالق الرحمة في قلبكِ وفي قلب كل والدةٍ لولدٍ في الإنس والجن والحيوان والطير والعالمين، في السماء أرحم الراحمين.

يا أم الأسير؛ قولي كلما وجع فؤادكِ لا وجع: ربُّه المولى وهو به أولى، هو به أولى منكِ وأنت يقظى كيف حين تنامين! هو به أولى منكِ وأنت صحيحةٌ كيف حين تسقمين! هو به أولى منكِ وأنت ذاكرةٌ كيف حين تنسين! هو به أولى منكِ وأنت حيةٌ كيف حين تموتين! هو المولى وبه أولى على كل حالٍ وحينٍ.

يا أم الأسير؛ قد كنت يومًا من الأيام مثل ولدكِ المبارك أسيرًا، وقد أراني الله في نفسي والأحبة هناك عجبًا، قدرة عامة الأسرى على التكيُّف مع بلائهم المبين هذا لا حد لها، فإذا حصل هذا ضعُفت عبادات كثيرٍ منهم، في نوعها أو كمِّها أو كيفها، وليس بعد نقص الطاعة إلا تدسُّسُ المعاصي إلى ظاهرهم وباطنهم شيئًا فشيئًا، فإذا أراد اللطيف الخبير بأحدهم خيرًا ضيَّق عليه ببلاءٍ عارضٍ كهذا يردُّه به إلى خير ما كان عليه، وقد مضت سنة الله في القلوب بضد ما هي عليه في الجسوم، فصحة الجسوم في عافيتها وصحة القلوب في ابتلائها؛ أفيَسُرُّكِ -أماه- أن يصح جسد الغالي ويمرض قلبه! لا إِخال.

يا أم ‍الأسير؛ قولي كلَّ لَسْعَة فؤادٍ: ربِّ إنك أسكنت ولدي سجنًا غير ذي أمٍّ، وإن حنانًا من لدنك خيرٌ له من حناني وأبقى؛ فاجعل أفئدةً من إخوانه تحنو عليه، لئن زال عني أُمًّا فقد بقيتَ له ربًّا، أنت به مني أولى، ما رحمتي له إلا أثرٌ من آثار رحمتك، هوِّن عليه وأمثالِه حتى تنجِّيهم؛ إنك أنت الرحيم الحكيم.

أضف تعليق