كتبت هذا المنشور سنة 2016، ذاتَ خصومةٍ بين أحبةٍ في الله هنا، وكانت صورة المنشور عبارة أديب الجمال محمود توفيق التي ليس كمثلها في معناها عبارةٌ: “الألواح التي تبقَّت من حطام سفينتنا؛ تشاجرنا بها”؛ قلت:
“اخلع هدومك كلها ياض يا ابن الـ….، ونام عالأرض”.
كنا نتفق على خلعها؛ لكن منا خالعها بنفسه، ومنا من يُخلَّعُها.
لا تبتئس؛ هذا الاتفاق -على كآبته- يوجب الحمد، ما عدنا نتفق على شيءٍ.
كانوا يلقِّبون بعضنا إذ يعذبونهم بألقابٍ للعاهرات، يقول لنفسه: أنا كذا.
لا تبتئس؛ قارئٌ أنت هنا تنابزًا بالألقاب، هي بألسنتنا أوقحُ وأقبحُ.
كنا نعلَّق على الأبواب عراةً، كنا نُرْعَب في دامس الظلام إرعابًا، كانوا يعبثون بصواعق الكهرباء في أجسادنا؛ فنتقافز من لسعها بين أيديهم.
لا تبتئس؛ نحن هنا -وقد انتصرنا على كل عدوٍّ- ينهش بعضنا بعضًا.
كان نصيب السوآت بالسوية في تعذيبنا؛ للأقبال لفُّ أسلاك الكهرباء حولها، وللأدبار الضرب بالعِصِي، أو إدخالها فيها، أو إطفاء السجائر عليها.
لا تبتئس؛ هنا هتك السوءات في الخصومات أبشعُ وأشنعُ.
كانت صرخات المعذبين في دياجير الليالي؛ تكوي أفئدتنا كيًّا.
كان جُؤار الشاكين إلى الله المُرَّ سُجَّدًا؛ يخلع قلب الميت من نِيَاطِه.
كان بكاء الوالد ولدَه، وذِكر الولد والدَيه؛ كافٍ لإبئاسك يقظان نائمًا.
لا تبتئس؛ قد خلَّصنا كل أُسارانا، وفرغنا من القصاص للحرية السليبة.
صفع قفاي كافرٌ منهم أحد عشر مرةً عددتها عدًّا؛ وأنا مكبَّل اليدين من الخلف، معصوب العينين، عارٍ لا يسترني شيءٌ من ثياب الناس، ما كانت جريمتي وقتئذٍ غير سقوط عصابة عينيَّ عنهما شيئًا يسيرًا، وبغير اختيارٍ مني.
لا أذكر أني حركت من قهرٍ ساكنًا؛ أما هنا فليجرب مسلمٌ المساس بي.
كانوا يسبون لنا الله والدين، والسادة النبيين، وآباءنا وأمهاتنا أحياءً وميتين.
لا أذكر أني سمعت شجاعًا من أحبتي؛ يُظهر لهم ضجره بهذه اللعنات.
أما هنا؛ فكيف نتغافل عن إيذاء أخٍ! وأنَّى نتغافر بغي صديقٍ!
سأل أخٌ لنا الملاعين قضاء حاجته؛ فلم يجيبوه حتى بال في ثوبه وتغوَّط.
وبكي الكريمُ منَ الهوانِ فدَيتهُ ** واشتدَّ فيهِ لِمَا اعتراهُ منَ الخجلْ
قلبي الآن وجِعٌ، وعبراتي من تذكار ذلك الذل تكاد تحرق لحم وجهي.
ذكرت هذا السواد بليلتي السوداء هذه؛ ما سوَّدها إلا تباغض الأحباء.
هو ليس بغيًا لأنا نحق الحق، وليس فجورًا فإنا نبطل الباطل، وربك الخبير البصير لا ينطلي عليه زيفٌ ولا بهرجٌ؛ ليس إلا إِحَنُ النفوس وأوضارها.
تعس حُداء أبي البقاء في أيامٍ تشبه أيامكم هذه حين قال:
ماذا التقاطعُ في الإسلامِ بينكمُ ** وأنتمُ يا عبادَ اللهِ إخوانُ
أما أنا فلا أحدو فيكم بمِثله؛ بل أقول:
ادأبوا في تناحركم، واكدحوا في تدابركم.
ما أغنى وليكم عنكم! وما أفقر عدوكم إليكم!
اتفقوا على ألا تتفقوا، واجتمعوا على ألا تجتمعوا.
لا تختلفوا بغير مُهَارَشَةٍ، ولا تناصحوا بغير مُفَاحَشَةٍ.
تفنَّنوا في الخصومات ألوانًا، ولا تكونوا عباد الله إخوانًا.
صدِّقوا أنفسكم في أوسع كذباتها الخفية: “لا بد من المفاصَلة”.
لا إله إلا الله الرقيب؛ إليه تصعد شِكايات الإسلام، وظُلَاماتُ أهله يرفعها.
أيها الإخوة؛ إن بالعراء لاجئين، ومن الحرائر ثكالى، وبالزنازين شيوخًا وأطفالًا.