حروفٌ عن حتوفٍ؛ رابعة والنهضة

حروفٌ عن حتوفٍ؛ رابعة والنهضة وما إليهما من ميادين القاهرة أهلَها.

ظللتُ حينًا من الدهر لا أمرُّ البتة بأرض رابعة ولا بما قرَّب إليها من أرضٍ؛ حتى مررت بها يومًا -غيرَ قاصدٍ- فذكرت قول ملك الملوك: “يَوْمَئِذٍ تُحِدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا”؛ فواساني حديث ربي كثيرًا.

أيها المسلمون؛ إنكم تخوضون معركتكم مع عدوكم في الحياة الدنيا؛ لكنكم توقنون أن ميقات فصلها في الآخرة، “ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ”؛ فابذلوا أسبابكم كافةً وأنتم مؤمنون.

العنوا الدولة الحديثة قبل لعن طواغيتها؛ إنْ هي إلا ربُّ القوم الأكبر وإلهُهُم الأعظم؛ الذي يدْعون الشعوب إلى شرائعه، ويُعَبِّدونهم لسلطانه، ويقاتلون في سبيله، وهي التي مهما سفكت من دماءٍ واستبدَّت بثرواتٍ واستذلت من أحرار؛ لم يجد أكثر الناس -بفرط تَغَوُّل سلطانها في القلوب- حرجًا من ذلك كله؛ بل يقول قائلهم دُبُرَ كل جريمةٍ لها: إن الذي يفعل ذلك كله هو الدولة، يراه -وقد طمسوا بطُول الذلة بصيرته وخسفوا بهوان المَسكنة فطرته- حقًّا لها، بما أوتيت من أسحار المُلك واسترهاب النظام.

العنوا جنود الطواغيت قبل الرؤوس؛ لولاهم ما تحرك من كيدهم ساكنٌ.

العنوا خِرَقَ الطواغيت كُهَّانَ الفراعين شيوخَ السوء لِحَى الرِّجس عمائمَ الزور؛ قبل أن تلعنوا سائر الجنود؛ فإن سلطانهم على القلوب، والقلوب الملوك، من استرقَّها استرقَّ سائر أصحابها؛ كيف بمن يسترقُّها باسم الله والرسول!

اكفروا برموز الجماعات الإسلامية كلها؛ أن يَبقوا للناس رؤوسًا وقد أظهر الله لكم عِلَلَهم أنواعًا وكمًّا وكيفًا، أولئك الذين يعلم الله وأولو النهى -لا الجهلاء والضالون- أن لكل امرئٍ منهم كِفلًا من الدم، بما اقترفوا قبلُ وبعدُ من المخازي في الدين وأهله، فمن استبقى ريادتهم فقد رضي خذلان الملة.

أقول هذا وأنا ممن شهد رابعة؛ لكن ما خطرت لنا شرعيةٌ ببالٍ، ولا طافت لنا بخيالٍ، فلله الحمد على القصد والاعتدال، والعَوْذ به من وكسٍ وشططٍ.

فرَّج ربُّ الأرباب عن أسرى الإخوان وكل أسيرٍ، وشوى بجهنم من آذاهم قليلًا أو كثيرًا؛ لكنَّ الحق أحق أن يُتَّبع؛ فأما عامتهم فمساكين طيبون رأف الله بهم ولطف، وأما رموزهم فما رجاؤنا الله فِكاكَ أَسرهم ليحكموا البلاد والعباد! بل ليخرجوا من قبضة الكفر، وليعيشوا أحرارًا كما ولدتهم أمهاتهم، وليَنعموا وأهلوهم بالعافية سالمين، ثم يكون حسابهم على المؤمنين.

علِّموا أبناءكم أن الحاكمية (التي هي حقُّ الحكم)؛ لله أحكم الحاكمين وحده لا شريك له؛ لا لنظامٍ عالميٍّ أو محليٍّ، ولا لعامة الناس أو خاصتهم، وأن التوحيد الذي خُلِقوا لأجله؛ إفراد الله الأحد بالطاعة والحكم في الباطن والظاهر، وألا يشركوا بالله أهل القصور كما لا يشركون به أهل القبور، وأن قبائح أمراض الرؤوس والنفوس تهزم ما لا يهزم غيرُها من أسباب الفشل، وأن اعتصامهم بدين الله -مجتمعين عليه لا متفرقين فيه- هو الحبل المتين الذي يُوثِق الله به أمرهم، وأنه لا وحي بغير سيفٍ ولا سيف بدون وحيٍ، وأن المُلك عقيمٌ، وأن سُنن الله جارياتٌ بأمره في خلقه لا تحابي أحدًا من العالمين.

اللهم ما أفسحت في عمري بقيةً؛ فاجعلها للثأر لدينك والمستضعفين.

أضف تعليق