يكاد يقتلك الإحساس بالعجز أخا ديني!
تالله ليس بعاجزٍ من ربُّه على كل شيءٍ قادرٌ قديرٌ مقتدرٌ.
القادر في نفسه، القدير على ما فعل، المقتدر على ما فعل وما لم يفعل.
يقينٌ ليس يشبهه يقينٌ أن باطن النازلة خيرٌ من ظاهرها.
إن أولى من انقشاع الغُمَّة أن نعتبر بها.
لعلك حين قرأت قولي: تالله ليس بعاجزٍ من ربُّه على كل شيءٍ قادرٌ قديرٌ مقتدرٌ؛ ظننته -وبعضُ الظن إثمٌ- قولًا خطابيًّا غايته المواساة المجرَّدة، وإنها والله لعقيدةٌ من عقائد الإسلام، نرتاب في وجودنا ولا نرتاب فيها.
يا أمة محمدٍ؛ هذا حديثٌ عظيمٌ يقرِّر لكم هذه العقيدة تقريرًا فتدبروه؛ جاء جبريل -عليه السلام- ذات يومٍ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو جالسٌ حزينٌ قد خُضِّب بالدماء ضربه بعض أهل مكة، فقال: ما لك! فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: “فعل بي هؤلاء وفعلوا”، قال: أتحب أن أريك آيةً! قال: “نعم أرني”، فنظر إلى شجرةٍ من وراء الوادي، قال: ادع تلك الشجرة، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، قال: قل لها فلترجع، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم، فرجعت حتى عادت إلى مكانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حسبي”.
ما حمل رسول السماء إلى رسول الأرض -صلى الله عليهما وسلم- إلا هذه الرسالة المقصودة من هذه الآية البليغة من آيات الله -تعالى- تقول: يا محمد؛ إن الله قادرٌ على إبهاج نفسك بأوليائك بحصول مشتهاك، يا محمد؛ إن الله قادرٌ على إقرار عينك في أعدائك بوقوع مبتغاك، واعتبر بشجرةٍ خاطبتَها فسمعت منك وعقلت عنك وفعلت ما أمرتها به؛ لذلك لم يسأل رسولُ الله جبريلَ عن حكمة ما أرسله الله به إليه؛ بل قال من فوره: “حسبي”؛ أي اكتفيت بالله قادرًا قديرًا مقتدرًا؛ فليفعل ربي ما شاء متى شاء أين شاء كيف شاء.
يا أمة محمدٍ؛ إن كان نبيكم قد اكتفى بما أراه الله من طلاقة قدرته على كل شيءٍ في أحلك ساعة شدائده، وهل بعد ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يُخَضَّب بالدم من شدةٍ في الوجود! إن كان نبيكم قد اكتفى بما أراه الله من آيةٍ كبرى؛ فهل أنتم بما اكتفى به مكتفون! هل أنتم قائلون ودماؤكم تنزف ما قال رسولكم ودمه -أقدسُ الدماء- ينزف: “حسبي”!
اللهم إنا قائلون الساعة بقلوبنا وألسنتنا: حسبنا؛ حسبنا أنت كافينا والكافُّ عنا، حسبنا أنت لك مقاليد السماوات والأرض، حسبنا أنت ونعم الوكيل، حسبنا أنت المولى وبنا والمستضعفين أولى، حسبنا أنت رحيمٌ وحكيمٌ؛ فافعل بنا اللهم ما تشاء، محمودًا بما قدمت وأخرت، مشكورًا بما قبضت وبسطت، ما ينبغي لقلوبنا مهما بلغت الحناجرَ أن تسيء بك الظنون؛ سبحانك!
أظنك الآن حبيبي أصلحَ بالًا؛ فتعال أَصْدقك الحديث تعال؛ إن الأمر دينٌ:
المحتلون بلاد المسلمين: المغضوب عليهم والصليبيون ونُظَراؤهم من أقطاب الدول العظمى. الطواغيت: حكام العرب المرتدون وكلاء المحتلين. أوتاد الطواغيت: الجيوش والشُّرَط والسياسيون والاقتصاديون والإعلاميون. كهان الطواغيت: شيوخ الرجس المُوالون لهم (رسميون وغيرهم).
يا معشر من آمن بالله ورسوله؛ من كان لديه عشرة أَسْهُمٍ فليَرْم المغضوب عليهم بسهمٍ وليَرْم الطواغيت بتسعةٍ، ومن كان عنده عشر قنابل فليُضْرِم في الطواغيت قنبلةً وليُضْرِم في الأوتاد اثنتين وليُضْرِم في الكهان سبعةً؛ إن سلطان الأوتاد على الجسوم وسلطان الكهان على القلوب.
ما الفرق بين دماء المسلمين الزاكية في غزة، وبينها في سورية، وبينها في الصومال، وبينها في مالي، وبينها في مصر، وبينها أينما كانت! أليس رسول الله -صلى الإله عليه- القائل: “تتكافأ دماؤهم”! هل في الإسلام دم مسلمٍ أولى بالعناية والرعاية من دمٍ مثلِه! هل يفاضل الطواغيت بين دماءٍ ودماءٍ فتتبعها الجماهير في الإحساس وعدمه حيارى وهم سُكارى!
إن المعركة الأولى ليست مع المغضوب عليهم في العالم كله بقيادة طفلة النظام العالمي المُدَلَّلة (الدُّويلة اللقيطة)، ولا مع الصليبية العالمية بقيادة أمريكا؛ معركتنا الحقيقية مع الطواغيت وأوتادهم وكهانهم؛ الطواغيت وكلاء كل عدوٍّ خارجيٍّ للأمة في حرب دينها ودنياها، النائبون عنهم في كل مبتغًى من بلادنا ومرادٍ، المحققون لهم من مقاصد الاحتلال القديم فوق ما يخطر لهم على بالٍ ويطوف لهم بخيالٍ ويدور لهم في مجالٍ؛ فإنه لا نفاذ للمغضوب عليهم إلينا ولا سلطان للصليبية العالمية علينا إلا بالطواغيت، ولا نفاذ للطواغيت إلينا ولا سلطان لهم علينا إلا بالأوتاد والكهان.
لعلك الآن تفقه لماذا كنا ولا نزال نعادي الطواغيت ما لا نعادي سواهم من قوى الجاهلية، ولا نقبل وصفهم بالحكام المتغلبين كما يقول سَقْطُ المتاع من أنجاس طلاب العلم! لماذا كنا ولا نزال نعادي المؤسسات الدينية الرسمية التي وظيفتها الأولى (التوتيد والتوطيد لأنظمة الطواغيت)، مهما أُذِن لهذه المؤسسات من نشر بعض الإسلام العلمي والعملي، وإن رأس هذه المؤسسات الكهنوتية لَلأزهر، لعن الله ثالوثه (الشيخ والمفتي ووزير الأوقاف)، لماذا كنا ولا نزال نعادي مناهج الإخوان وعامة السلفيين في التغيير (زعموا)، وإنْ هم إلا بعض أدوات الطواغيت السياسية والدينية في ترسيخ دعائم حكمهم جماهيريًّا، لماذا كنا ولا نزال نعادي القبوريين والقصوريين من الأزهريين والسلفيين، لماذا كنا ولا نزال نعادي من طلاب العلم ودُعَاته الذين يصفون جهاد الطواغيت بالألسنة والأَسِنَّة (بالصراع السلطوي)، الطاعنين كل ما قرَّب إلى جهاد الطواغيت من قولٍ وعملٍ.
إن عامة الذين تقرؤون لهم اليوم وتسمعون في لعن المغضوب عليهم؛ هم الذين يرقِّعون للطواغيت بالسلب والإيجاب آناء الليل وأطراف النهار؛ لذلك لا تنطلي علينا أقوالهم في نصرة المستضعفين بفلسطين وأنَّى ذا!
إن الله في عليائه فوق عرشه وسمائه لعليمٌ خبيرٌ شهيدٌ محيطٌ؛ أن هؤلاء أجمعين سبب ما الأمةُ فيه اليوم مما يفتِّت الأكباد ويُذيب المرائر، وما لم تفقهوا هذا أيها الأحرار فسيبقون رؤوسًا تفعل بالأجساد ما تفعل.
يا معشر من أَدْمَت النازلة أفئدتهم؛ لا ترجعوا بعد وضع الحرب أوزارها مهادنين الطواغيت وأوتادهم وكهانهم، قاتلوا بألسنتكم كل طالب علمٍ وداعيةٍ إلى الله (زعما) يرقِّعان لشيوخ القبور من الأزهريين أو لشيوخ القصور من السلفيين، قولوا لهم بألسنة أحوالكم قبل أقوالكم: “قد أفقنا؛ فما كان لكم بعد اليوم إذا خادعتمونا أن تخدعونا”. لعن الله المغضوب عليهم ومن تولاهم.
اللهم قد بلغت؛ اللهم فاشهد، اللهم قد بلغت؛ اللهم فاشهد؛ واغوثاه رباه.