حسناتُ السيئات!
هل طرَق سمعَك هذا العنوانُ قطُّ حبيبي!
هذا حرفٌ لا يغريك بالمعصية قبلها؛ لكنه ينقذك من القنوط بعدها.
من اتَّبع أحسنه؛ فقد استحق بشارة الله، وكان مهديًّا من أولي الألباب.
لعل ذنبًا فعلته مغلوبًا من نفسك والشيطان، فأفقت من بعده نادمًا، على صادق التوب عازمًا؛ فَلان بالانكسار لله قلبك، ولهج بذكره لسانك، وخضعت لطاعاته جوارحك، لعل هذا الذنب أن يكون أرجى حسناتك عند الله.
إن للعبادة التي خُلِقْت لأجلها صورةً: هي امتثال الأمر واجتناب النهي، وحقيقةً: هي ذلُّ قلبك وإخبات نفسك، وقد يبلغ عبدٌ -بفعل المعصية، أو ترك الطاعة- من حقيقة العبادة ما لا يبلغه بصورتها؛ إذا هو صدَق الإلهَ المتاب.
إن العبد إذا أذنب، فأعقب ذنبه توبةً نصوحًا؛ صار ذنبه قدَرًا مقدورًا كسائر المصائب، وصحَّ له تأمُّل حكمة الله فيه؛ فالحمد لله بمُدْهِش رحمته.
يقول هذا التائب وقد بدَّل حُسْنًا بعد سوءٍ: أذنبت فخشع قلبي وانقادت أركاني، أذنبت فذهب كبري وانقشع غروري، أذنبت ففهمت من أسماء الله وصفاته ما فهمت، أذنبت فوعيت من سُنن الله ما وعيت، أذنبت ففقهت من أسرار الخلق والأمر ما فقهت، أذنبت فعرفت من نفسي ما عرفت، أذنبت فأشفقت على الخلق ما أشفقت، أذنبت فكرَّه الله إلي من عصيانه ما كرَّه، أذنبت فحبَّب الله إلي من رضوانه ما حبَّب، أذنبت فبعُد عني من الدنيا ما بعُد، أذنبت فدنا إلي من الآخرة ما دنا، أذنبت فأشهد الله قلبي من أنواع عبودياته ما أشهد، أذنبت فبصَّر الله عقلي من حِكَم شرائعه ما بصَّر، أذنبت فعُلِّمت من طرائق النفوذ إلى النفوس ما عُلِّمت، أذنبت فازددت لربي في قدَره وشرعه تسليمًا، أذنبت فعاديت الجاهلية والشيطان زيادةً، أذنبت فأحببت ربي حبًّا جديدًا.
هذي حسنات السيئات: حُظوظ من عصى ثم عقل، قد أفلح التوابون.
اللهم قِنا السيئات جميعًا، فإن كانت -ونعوذ بك- فلا تعدمنا حسناتها.
لو أن ربي نفع بحرفي عبدًا؛ لقد أتم المِنَّة.
للسيئات حسناتٌ.