ليس الرياء إشراكًا مع الله الواحد الأحد فحسب؛ الرياء جهلٌ مضاعفٌ، وظلمٌ عظيمٌ، وفقرٌ شديدٌ.
جهلٌ مضاعفٌ؛ بصفات الله وما عنده من حظوةٍ وكرامةٍ هما أجزل وأبقى، وجهلٌ بصفات الخلق الذين يقصدهم المرائي بعمله، وقد يُجهد المسكين نفسه في ريائهم فلا يرون عمله أصلًا، أو لا يرونه شيئًا، أو يرونه -جزاءً من الله بنقيض قصده- على غير وجهه، أو يرونه على وجهه -فتنةً من الله يستحقها- لكن يفوتهم الإعجاب به والثناء عليه، ثم إنهم إذا رأوه على ما يريد المرائي كمالًا وأثنوا عليه به تمامًا؛ ذهب كل ذلك بذهابهم، ولم يكن له عند الله -في الآجلة- شيءٌ؛ فياللَّهِ الحسرةُ البالغة!
وهو ظلمٌ عظيمٌ؛ إذ يضع العبد عمله في غير موضعه؛ فإن الله -جلَّ جلاله- هو الذي هداه إليه نظرًا، ويسره له عملًا، شارحًا به صدره، مطمئنًا فيه قلبَه، ثم المسكين يقصد بعمله غير وجه ربه الأكرم، وهو ظلمٌ للنفس أيضًا؛ إذ يُفوِّت العبد عليها حظها من العبودية، ويورِّطها فيما يجرح توحيدها، ويُضيِّع عليها ثواب الآخرة الأبقى، ومن قبلُ ما يلحقها من الهُون في نفسها وعند مولاها تعالى.
وهو فقرٌ شديدٌ؛ فلولا فقر نفس المرائي وإملاق ذاته؛ ما غدا وراح يتسوَّل عبادًا محاويجَ معاويزَ لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، وإن من النفوس نفوسًا غنيةً مستغنيةً؛ بما أولاها الرحمن من صفات الكمال؛ لا ترجو من ضعيفٍ قوةً، ولا تنشد من مفلسٍ غنىً، ولا تبتغي من معدومٍ وجودًا.
يا أولئك القاصدون بأعمالهم وجوه الموتى؛ لو عرفتم جمال الله الحي؛ ما بغيتم عن وجهه حِوَلًا.