“بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ”.
تحسب أن لك اختيار الذنب، ثم اختيار العقاب عليه؟! ويحك!
كثيرةٌ هي صور إرادة فجور الإنسان أمامه؛ لكنَّ من أشدها إنكاره عقابَ الله الذي يشاء -عليمًا حكيمًا- على خطاياه؛ وهو من اختار فعلها -ظلومًا جهولًا- فأوبق بها نفسه.
أوليس لك -عبدًا مربوبًا- اختيارُ ذنبك؛ نوعًا، وقدْرًا، وزمانًا، ومكانًا، وأسبابًا؟ كيف لا يكون لله -سيِّدًا ربًّا- اختيارُ العقوبة؛ نوعها، وقدْرها، وزمانها، ومكانها، وأسبابها؟!
واعجبًا لك! تختار نوع معصيتك من بين أنواع المعاصي، بالقدْر الذي تشاء منها، في الزمان الذي تريد، والمكان الذي تحب، بالأسباب التي تشتهي؛ حتى إذا عاقبك الرحمن -علا وتعالى- بعد إنذارٍ وإنظارٍ؛ فاختار عقوبتك من جنس خطيئتك، بقدْرٍ هو له أحكم، في زمانٍ هو به أعلم، ومكانٍ هو به أخبر، بأسبابٍ شاءها سميعًا بصيرًا؛ قلت: أنى هذا؟ هو من عند نفسك؛ ما يفعل الله بعذابك؟!
إذا شقَّت عليك العقوبة وأنت مستحقٌّ لها؛ فلتشقَّ عليك معصيتك والله غير مستحقٍّ لها.
لم تسؤك جنايتك وأنت ضعيفٌ فقيرٌ ذليلٌ؛ كيف ساءتك مكافأتها من ربٍّ قويٍّ غنيٍّ عزيزٍ؟!
أولى من إنكارك جزاءَ الله ديَّانًا حقًّا لا يظلمك شيئًا؛ إنكارك على نفسك آثمًا آبقًا كنودًا.
فأما المؤدب مع ربه المنصف من نفسه؛ فيقول: هذا الله ربي العفوُّ الحليم الغفور الرحيم البرُّ الكريم؛ يؤاخذني بهذه المؤاخذة؛ وإن التجاوز أحب إليه، والرحمة أوسع لديه، والغفران أكرم عليه؛ أيَّ شيءٍ جنيتُ أنا حتى يفعل الله بي ذلك؟ أيَّ إصرارٍ اقترفت أنا حتى أوردت نفسي المهالك؟ أيُّ إبطاءٍ بالأوبة مني جُوزيت به من سريع الحساب؟ لعلي إذ ذكرت رحمة ربي أُنسيت أنه شديد العقاب.
يا مسكين؛ إذا فاتك الأدب مع ربك قبل ذنبك؛ فلا يفتك بعده؛ إن هُدى الله قريبٌ من المؤدبين.