“ادع الله لي بالمغفرة والتوبة والهدى والثبات؛ فإني مفتقرٌ إلى ذلك”.
وحده لا شريك له الخبير -جلَّ جلاله- ربي؛ يعلم ما يفعله هذا الرجاء الكريم بقلبي.
أسمعه صوتًا ممن أعرف، أو أقرؤه حرفًا ممن لا أعرف؛ فيأخذ بجوانحي وجوارحي أخذًا شديدًا.
كيف يقع في سمع الله وإنه لَربك، وإنه للَأولى بك من نفسك، وإنه لَلرحمن الرحيم؟
تعالت رحمة الله أن يحيط بعلمها أحدٌ؛ وإنْ ملكٌ مقرَّبٌ، أو نبيٌّ مرسلٌ.
أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- شيخٌ كبيرٌ هرمٌ، قد سقط حاجباه على عينيه، وهو مدَّعِمٌ على عصًا (متكئٌ عليها)؛ حتى قام بين يديه، فقال: أرأيت رجلًا عمل الذنوب كلها؛ لم يترك داجة ولا حاجة إلا أتاها، لو قُسِمت خطيئته على أهل الأرض لأوبقتهم؛ أله توبةٌ؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “هل أسلمت؟” قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال: “تفعل الخيرات، وتترك السيئات؛ فيجعلهن الله لك كلهن خيراتٍ”، قال: وغدراتي وفجراتي يا رسول الله؟ قال: “نعم؛ وغدراتك وفجراتك”، فقال: الله أكبر، الله أكبر، ثم ادَّعم على عصاه، فلم يزل يردد: الله أكبر؛ حتى توارى عن الأنظار.
اللهم إن كبَّر هذا الشيخ الفاني بين يدي نبيك فرحًا برحمتك؛ فإنا نكبِّر بين يديك أنت -وقد شيبتنا آثامنا- أشدَّ فرحةً منه؛ فإن غدراتنا وفجراتنا أجلُّ، وضعفنا وعجزنا أوفى، ولسنا موصولين بباب رسولك رحمة العالمين كما كان ذلك الشيخ به موصولًا؛ يا ذا الباب المنَّاح الذي لا يوصد أبدًا.
الله أكبر فرحين برحمتك ربنا التي وسعت كل شيءٍ، الله أكبر مستبشرين بقدرتك إلهنا على مغفرة كل شيءٍ، الله أكبر مبتهجين بعظم رجائنا فيك حبيبنا وإنا لا شيء، الله أكبر نرى اليوم -بحسن الظن بك- أنك رحمتنا غدًا حتى لم تحاسبنا في شيءٍ، الله أكبر الله أكبر عدد ذنوبنا حتى تغفر.
“وَإِذَا جَآءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ”؛ هذا ما أمر الله نبيه أن يقوله لمن جاء بابه؛ ما هو قائلٌ لنا ربنا إذا جئنا رحابه؟ الآن نسمعك ربنا بآذان اليقين.
“فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ”؛ آهٍ وآهًا وأوَّه وأوَّاه وأوَّتاه وواهًا! تتعرَّض ربنا للجاحدين برحمتك قبل عذابك! فنحن المصدقون ياربُّ وإن عصينا.
نحن ياربُّ عبادك الذين ناديتهم: “لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ”؛ نحن أولئك المسرفون على أنفسهم، نحن ياربُّ بنو آدم الذي عصاك فرحمته بالتوبة منه ثم رحمته بقبولها عنه، نحن ياربُّ من إذا نظرنا إلى أنفسنا يئسنا حتى لكأن النار لم تخلق إلا لنا؛ فإذا نظرنا إلى رحمتك طمعنا حتى لكأن جنتك لم تخلق إلا لنا، نحن ياربُّ من تعلم ما اقترفنا وحدك، وتقدر على العفو عنها جميعًا وحدك، نحن ياربُّ من شاكلتُنا الخطايا وأنت الذي شاكلتُك الرحمة؛ فإذا عملنا على شاكلتنا فعصينا؛ فرجاؤنا أن تعمل على شاكلتك فترحمنا، نحبك ولا نستطيع، ونريدك ولا نقدر، إما رحمتك وإما النار، نحن عبادك أنت.
يا عباد أرحم الراحمين؛ رحمة الله رحبةٌ، رحمة الله مدهشةٌ، رحمة الله مبتداكم، رحمة الله منتهاكم؛ وسِّعوا أطماعكم في ربكم، وروِّحوا أرواحكم بنسائم رجائكم، وابعثوا قلوبكم بها بعثًا جديدًا.
ستُّ منشوراتٍ بالتعليقات متمِّماتٌ المعنى؛ قرأ كتابه باليمين عبدٌ قرأها؛ إن ربنا قريبٌ مجيبٌ.