قال: ما نحن فيه بسبب ذنوبنا.
قلت: صدقت؛ ومن أعظمها التفريط في خمسٍ؛ العلم على وجهه، والجهاد بأنواعه، والحِسْبة على شرطها، والدعوة إلى الإسلام كله، والإحسان إلى الناس.
قال: هو قدرٌ يجب أن نسلِّم به.
قلت: صدقت؛ نسلِّم لله به، ونتبصَّر حكمته فيه، وندفعه بكل مشروعٍ مستطاعٍ.
قال: نحن أضعف من مدافعته.
قلت: قد يضعف بعضنا على حالٍ أو في حينٍ، ويكون واجبًا عليه التقوِّي بما يسر الله له من أسبابٍ. أما أن يُعمَّم هذا في الناس؛ ففتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبيرٌ.
قال: انظر الشام وما حلَّ بها.
قلت: كذلك الجهاد بأهله مُذ كان؛ دماءٌ وأشلاءٌ، أسرٌ وجرحٌ، دفعٌ وطلبٌ، نقضٌ وبناءٌ، تفريطٌ وغلوٌّ، نورٌ وعَمَايةٌ، كرٌّ وفرٌّ، حقٌّ وباطلٌ ومحتمَلٌ بينهما، غالبٌ ومغلوبٌ، حيث يتداخل الدينيُّ والسياسيُّ والاقتصاديُّ والاجتماعيُّ والعسكريُّ؛ فتكون سننُ الله بأهله. كيف به في زمنٍ عمَّ فيه الجهل وطمَّ فيه الظلم؟! فالواجب تسديد أهله؛ بإعانتهم على البر والتقوى، والنكيرِ عليهم في الإثم والعدوان، من المجاهدين والقاعدين سواءً، ومدِّهم بكل مشروعٍ مقدورٍ، والدعاءِ لهم على كل حالٍ، وعطفِ قلوب الناس عليهم، واللحاقِ بهم لمن استطاعه وكان أحبَّ إلى الله موقعُه. لا أن يُخذَّل عن سبيلهم، ويُفسَد ذات بينهم، فيعان الكفر عليهم، وتخرب ديار الإسلام فوق خرابها، وتُنقض عرى الإسلام فوق نقضها.
قال: فوحدَه القتال ما يُدفع به؟
قلت: من زعم أن شدائد الأمة لا تُدفع إلا بالقتال؛ فقد ضل وأضل، والجهاد أعم من القتال، وأعظمه البيان، وهو المُوَطِّئ للقتال ابتداءً والمُظِلُّ لحركته أثناءً والحافظ لثمراته انتهاءً، وكل عبادةٍ أمر الله -علا وتعالى- عباده بها؛ فتحقيقها سببٌ في دفعها عظيمٌ، وأجلُّ العبادة إقامة فرائض الله، وأولى الفرائض ما تعيَّن منها، وأكرمها حفظ الحدود، وأبلغها الإحسان إلى الناس.
قال: فما نصنع له وحالنا حالٌ؟
قلت: الإعداد ذاتيٌّ، ودعويٌّ، ووظيفيٌّ، وجماهيريٌّ، وهو إيمانيٌّ، ونفسيٌّ، وبدنيٌّ، وعقليٌّ، واجتماعيٌّ، وحركيٌّ، وماليٌّ، ومن لم يستطع شيئًا فليُعِدَّ له، وليتحقق بغيره حتى يفتح الله له به، وغير المستطاع لا يحاسِب عليه الله، وفي بقية الله خيرٌ، وفي أرضه سعةٌ، ومن لقي الله سائرًا إليه نجا.
قال: شكر الله لك ما بينت لي.
قلت: المنة لله؛ لولاه ما تبصَّرنا، نعوذ به من الفتن، ونسأله مغفرته والثبات.