يا حبيبي؛ رابحٌ رابحٌ أنت بالدعاء وإن رأيت أنه لم يُستجَب لك.
الدعاء العبادة التي ما خُلِقْت إلا لأجلها؛ بل هو خير العبادة وأوفاها.
الدعاء توحيد ربوبيةٍ؛ فلولا اعتقادك أحَدِيَّة الله في خلقه وحُكمه؛ ما دعوته.
الدعاء توحيد أسماءٍ وصفاتٍ؛ فلولا اعتقادك تفرُّد الله بالأسماء الحسنى والصفات العلا؛ ما دعوته، ولولا اعتقادك واحِدِيَّته في صفات الكمال وكمال الصفات؛ ما دعوته، ولولا اعتقادك في أسمائه وصفاته ما يليق بها وينبغي لها بغير تعطيلٍ ولا تجسيمٍ ربًّا ليس كمثله شيءٌ فيها؛ ما دعوته.
الدعاء الإيمان الجامع بالأسماء والصفات مجموعةً غير مفرَّقةٍ؛ فإنك لا تدعو الله بشيءٍ إلا وقلبك مُوثَقٌ مربوطٌ على الإيمان بحياة ربك وقيُّوميَّته، ورأفته ورحمته، وقوته وقدرته، وعلمه وخبرته، وسمعه وبصره، وعزته وحكمته، وقهره وغلبته، ومُلكه ومالكيته، وغناه وبرِّه، وحفظه وحسابه وإقاتته، وتوليه وولايته، ووده ولطفه وإحسانه، وكرمه وجوده ومجده، وفتحه وقبوله وإجابته، وعفوه وحلمه ومغفرته، وسعته وإحاطته، وما لا ينتهي من أسماء ربك وصفاته.
الدعاء توحيد ألوهيةٍ؛ فلولا اعتقادك استئثار الله باستحقاق التعبد؛ ما دعوته.
الدعاء اتباعٌ للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فلولا تعبدك في قضاء الحاجة بما شرع هو؛ ما عرفت من تدعو، ولا كيف تدعو، ولا بِمَ تدعو.
الدعاء إسلامٌ؛ فهو خضوع قلبك وانقياد جوارحك في اللجأ إلى ربك.
الدعاء إيمانٌ بالله؛ فلولا إقرارك بالله ربًّا؛ ما توجه قلبك ولسانك إليه بالطلب.
الدعاء إيمان بالملائكة؛ فلولا إقرارك بوجودهم وما يفعل الله بهم في استجابات الدعاء؛ ما دعوته، حضرك هذا في الدعاء أم لم يحضرك.
الدعاء إيمانٌ بالكتب؛ فلولا تصديقك ما أمر الله في كتابه من دعائه؛ ما دعوته.
الدعاء إيمانٌ بالرسل؛ فلولا تصديقك الباطن أن الرسل هم أولى العالمين بالدعاء استمساكًا به وحضًّا عليه؛ ما دعوت الله مثلهم، متأسِّيًا بهم.
الدعاء إيمانٌ باليوم الآخر؛ فإنك إذ تدعو الله تعتقد أن استجابة دعائك قد تؤخَّر إلى يوم القيامة، وقد يَعْظُم إيمانك فتؤثر ذلك، ومع هذا لا تكف عن الدعاء.
الدعاء إيمانٌ بالقدَر خيره وشره؛ فلولا أنك تؤمن بخلق الله كلَّ شيءٍ، وعلمه بكل شيءٍ، وكتابته كلَّ شيءٍ، ومشيئته لكل شيءٍ؛ ما دعوته.
الدعاء إحسانٌ؛ فلولا شهودك جلال الله وجماله الذَين ترجو بهما رأفته التي يُدْفع بها الضر ورحمته التي يُجْلب بها النفع (كأنك تراه)؛ ما دعوته.
الدعاء صدقٌ؛ فلولا اجتماع قلبك على مرادك من الله؛ ما دعوته.
الدعاء إخلاصٌ؛ فلولا إفرادك الله بقصد التوجه؛ ما دعوته.
الدعاء حبٌّ؛ فلولا محبتك الله ما دعوته، وهل يُقصد اختيارًا إلا المحبوب!
الدعاء خوفٌ؛ فلولا رهبتك حصول شيءٍ أو عدم حصوله (مما ليس بيد أحدٍ في الوجود كله إلا الله وحده)؛ ما دعوته.
الدعاء رجاءٌ؛ فلولا طمعك في استجابة الله تضرعك إليه؛ ما دعوته.
الدعاء ذكرٌ؛ بالقلب فلولا تذكُّر القلب ربه ما حمل اللسان على الدعاء، وإن أصل الذكر بالقلب، ولئن كان الدعاء باللسان مجرَّدًا؛ فكم يَجْتَرُّ هذا القلب!
الدعاء حمدٌ وشكرٌ ومدحٌ وثناءٌ؛ في نفسه بدلالة التضمن، وبما قد يشتمل عليه.
الدعاء إيثارٌ؛ فلولا اختيارك الله فوق كل مرجوٍّ من الخلائق؛ ما دعوته.
الدعاء تعظيمٌ وإجلالٌ وإكبارٌ؛ فلولا أنك ترى ربك الأعظم الأجلَّ الأكبر؛ ما دعوته.
الدعاء تسبيحٌ وتقديسٌ؛ فلولا اعتقادك تنزُّه الرب عن كل عيبٍ متصلٍ وشريكٍ منفصلٍ؛ ما دعوته، وهل يُخَصٌّ بالسؤال ذو نقصٍ في نفسه مفتقرٌ إلى غيره!
الدعاء تفويضٌ وتوكلٌ؛ فلولا أن قلبك غير معتمدٍ على الأسباب ولا راكنٍ إليها (مهما أخذَت الجوارح بها لا تفرِّط فيها)؛ ما دعوت مسبِّبها.
الدعاء ثقةٌ ويقينٌ؛ فلولا قيامهما بقلبك في ربك وما في يده؛ ما دعوته.
الدعاء هجرةٌ وفرارٌ؛ فلولا شهادتك على سكون الأسباب إلا أن يحركها بارئها؛ ما تركت الاستناد عليها بكُلِّيتك ودعوت الله.
الدعاء صبرٌ؛ فلولا منعك نفسك السخطَ على القدَر؛ ما دعوت المقدِّر.
الدعاء افتقارٌ؛ فلولا شهودك فقر نفسك وضعفها وجهلها وذلَّها؛ ما دعوت الله.
الدعاء ذلٌّ واستكانةٌ وإخباتٌ وانقيادٌ وتسليمٌ، وما حقيقة العبادة إلا هذا جميعًا.
الدعاء أنسٌ بالله؛ فلولا حاجتك إلى تحبُّبِه إليك وتقرُّبِه منك بما تريد؛ ما دعوته.
الدعاء إيقاظٌ للقلب؛ فلولا إنعاشه بإحواجه إلى الله واضطراره إليه؛ بقي جامدًا خامدًا هامدًا، وإنما انتفاع اللسان والجوارح بالقلب إذا كان حيًّا.
الدعاء تزكيةٌ وتربيةٌ؛ فإنه بنفسه -وإن لم تقصد ذلك منه- مطهِّرٌ للنفس من عُجْبها المحبِط للأعمال وكِبْرها المفسِد للأحوال، ومؤدِّبٌ لها بأضدادها.
الدعاء تشبهٌ بالملائكة والنبيين والصِّدِّيقين؛ فإن سبيلهم الباطنة والظاهرة على كل أحوالهم وجميع أحيانهم؛ هي دعاء الله والتوسل إليه.
الدعاء تعريفٌ بنفسك في السماء؛ فإنك لا تزال تدعو الله وتُلِحُّ في الدعاء؛ حتى يألف صوتَك أهلُ السماء، وإن لم يسمعك سامعٌ من أهل الأرض.
ألم أقل لك: رابحٌ رابحٌ أنت بالدعاء وإن رأيت أنه لم يُستجَب لك!