إنا لله وإنا إليه راجعون؛ فصلواتٍ علينا منك ربَّنا ورحمةً واكتبنا المهتدين.
ما نفضت الإسكندرية بأمسها الداني عاصف أحزانها، بموت إمام الصادعين بالحق بأرضها، سيدِ المسلمين المعمَّرِ الشيخِ أحمدَ المحلاويِّ؛ حتى فجعها اليوم موتُ نظيفِها الكبير الكريم؛ مولانا الشيخِ سعيدِ بنِ عبد العظيم، الفذُّ الذي عصم الله ثوبه من أدناس (عبيد الطواغيت، أشباه الذكران، شياطين الزور)، واليوم يصلي عليه المؤمنون في حرم سيد الثقلين صلى الله عليه وسلم، ثم يُدفن جوارَ أصحابه رضي الله عنهم ورضُوا عنه، وبين وفاة مصلحَي الثغر النبيلَين ذَيْنِ؛ كان موتُ رجل التاريخ الإسلامي المحبِّب إلى أفئدة أجيالٍ وأجيالٍ بيتَ المقدس ومرابطيه بصادق همِّه وسامق حرفِه؛ الشيخِ الجليل جمال عبد الهادي، وعمَّا قليلٍ تمامُ سنةٍ من وفاة مجاهد الطواغيت بلسانه وماله، بُعَيْدَ عشر سنين حُبِسَها في سبيل ربه، الحبيبِ الجميل حقيقةً وصورةً؛ شيخِنا خالد صقر، ولقد رثيت الشيخ يوم دهمني خبرُه بتسجيلٍ صوتيٍّ أربى على الساعة، ثم أتلفه -وقتئذٍ- متلفٌ، فلم يُنشر، فيا أسفى! ولئن بسط ربي لي في بالٍ وحالٍ؛ فلأرثينه بما يليق به وينبغي له داعيًا إلى الله بقوله وعمله بالحكمة والموعظة الحسنة، صبَّارًا شكورًا، قد شرَّفني ربي بمجاورته في حلوان ثماني عشرة سنةً، ثم بسط لي الكرامة فزارني في بيتي غير مرةٍ، وهو من عقد نكاح أختي الصغرى منذ عشرين سنةً، وكنت رثيت في التسجيل نفسِه شيخَنا المهاجر المجاهد، الذي أعلى الله نفسه الفريدة خُلقًا بديعًا أشهده وليَّه وعدوَّه، الشيخَ مديَن بن حسنين، وكان الله الحكيم أخلَصه بقبض روحه في سجون كفرة مصر الفجرة اجتباءً له نحسبه، بعد سِنِيِّ سَجْنٍ عجافٍ في ظلماتها، وكان طواغيت السودان أسلموه إلى طواغيت مصر؛ فلُعِنوا أجمعون.
اللهم ارحم أولياءك أولئك بأوسع رحمتك في برازخهم ويوم تحشرهم إليك في المتقين وفدًا، واجمع لهم بين غفرانك ورضوانك أوفى ما جمعت لمحبوبيك، واخلفهم في أهليهم وإيانا بخير ما خلفت المطيَّبين، واجبر دينك في عظيم مصابه بهم قد أحطت وحدك بهَوْلِه خُبْرًا، واحفظنا شاهدين فضلهم ونظرائِهم العاضِّين على الملَّة بنواجذهم، وألحقنا بهم -من بعد تيسيرنا لليسرى بآثارٍ لا تزول إلى يوم القيامة- غير مبدِّلين تبديلًا؛ إنه ليس في صحائفنا بعد مقدَّس توحيدك ما نرجو به نوالك؛ سوى مودة أهله، وإنه لا إله إلا أنت.