سألتني سائلةٌ يومًا: معلومٌ ما للرجل من الحور العين في الجنة مما وعد به الله ورسوله ﷺ؛ فهل للمرأة فيها مِثْل هذا؟
أقول مستعينًا بالرحمن وحده، مصلِّيًا على نبيه وآله:
ليس هذا بنعيمٍ في الدنيا للمرأة الحرة العفيفة المستأهِلة دخولَ الجنة؛ حتى يكون لها نعيمًا في الآخرة؛ بل هو شقاءٌ لها من وجوهٍ كبيرةٍ كثيرةٍ لمن كان له عقلٌ أو ألقى البصر وهو صحيحٌ؛ فإنها فُطِرت نفسًا على التوحيد العاطفي كما جُبِلت حِسًّا على التفريد الغريزي، فليس لقلبها في حجرة المنكح من حجرات وِداده غيرُ مهادٍ واحدٍ يضيق عن غير محبوبٍ واحدٍ؛ بل إن البغايا الفاجرات في الدنيا إن تنعمن بشيءٍ من ذلك في بعض الوجوه لارتكاسهن وانتكاسهن؛ فلا أتعس منهن ولا أبأس في سائر الوجوه.
لكن اليقين الأكمل أن المؤمنة في الجنة (دار السلام)؛ سالمةٌ مما دون مثقال الذرة وطرفة العين من الافتقار في هذا وذاك، وفي كل شيءٍ كان يَعْتَوِرُها الافتقار به في الحياة الدنيا، والثقة المطلقة أنها في جنات (النعيم) منعَّمةٌ على تمام التمام؛ فيما ظهر من حاجاتها وما بطن، وفيما جلَّ من فاقاتها وما دقَّ، وأنها راضيةٌ في دار الرضوان الأكبر مرضيةٌ، خالدةٌ نفسًا وحِسًّا في حُبور دارٍ سقفها عرش الرحمن إلى ما لا سقف له.
إن منتهى المشتهى للرجل والمرأة في الدارين هو الرضا النفسي والحِسِّي؛ لكن الأسباب المحققة لهذا فيهما تتفق لهما فيما تشابها فيه لاتحاد الطبيعة كلذة المأكل والمشرب ونحوهما، وتختلف بينهما فيما اختلفا فيه لاختلاف الطبيعة كلذة المنكح.
إن من أَنْسَنَة الإله الخفية أن يُظَن أنه -علا وتعالى- لا يفعل في كونه كذا وكذا من المشتهَيات؛ إلا بكذا وكذا من أسبابها المعلومات، ولولا ظن إنسان الزمان بنفسه -علوًّا وغرورًا- أنه المقياس النظري والمعيار العملي في أموره كافةً؛ ما ولج هذا بعقله فضلًا عن اللجِّ فيه؛ قُتِل الإنسان.
إن الله الواسع في نفسه وفي صفاته وفي أفعاله؛ ليفعل الشيء يريده بالسبب وغيره، وبالسبب وضده، وبما عُلِم من أسبابه في خلقه وما لم يُعْلم، وإن الشيء هنا هو تحقق المتمنَّى وحصول المشتهى في جنات عدنٍ، قال جلَّ ثناؤه: “وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ”: تتمنون، وقال: “لَهُم مَّا يَشَآؤُونَ فِيهَا”، وإنه إذا أراد شيئًا هيَّأ له أسبابه وقيَّض له دواعيه؛ أنَّى يَتحكَّمه سببٌ في فعل ما شاء وهو رب كل سببٍ وغالبُه!
فلئن بلغ الرجال في الجنة نهاية مرادهم في هذه اللذة بالحور العين وسواهن كمًّا؛ فإن الله مبلِّغٌ إماءه فيها نهاية مرادهن في ذلك بما هو عليه هيِّنٌ مما شاء كيفًا، وهو اللطيف الخبير.
إن الله إذا أراد بامرأةٍ في الحياة الدنيا لطفًا في هذا الشأن؛ متعها بزوجها فكفاها، حتى لَتعتقد أنها أرضى بنات حواء في ذلك نفسًا وحِسًّا؛ كيف إذا كان قضاؤه -سبحانه- في كل نساء أهل الجنة النعيم الأوفى؛ فيما بدا منهن وما خفي!
إن جناتٍ تجري تحتها الأنهار جِوَارَ السُّبُّوح القدُّوس؛ لتتقدَّس عن خيالات الناكصين نفوسًا وعقولًا من مسترجلات النساء وعبيدهن أشباه الذكران، فأما المستحفِظون فطرة الله بقلوبهم وجسومهم من المسلمين نفوسهم لمليكهم الأعظم؛ فيعلمون أن الجنة دار النعيم الذي لا يخطر بعضه على كل قلوب أهلها، وهم عن ربهم كيف فعل بهم هنا وهناك راضون، إنه ودودهم الحَفِيُّ المولى، وهو بهم من أنفسهم أولى.