لا تُكَلِّفوا من تحبون كلَّ ما تحبون.
عامتنا يحب بعد جوعٍ قلبيٍّ شديدٍ، وصبرٍ على ظمئه مديدٍ، فإذا أحب أسرف في الإقبال، وأسرف في الرغبة، وأسرف في الرجاء، فيُكَلِّف محبوبه كل مشتهَيات الحب؛ عاجلةً غيرَ آجلةٍ، مجموعةً غيرَ مفرَّقةٍ، تامةً غيرَ منقوصةٍ، بلسان مقاله حينًا، وبلسان حاله أحيانًا، وهو بلاءٌ خفيٌّ واسعٌ مكينٌ.
يُعَظِّم هذا البلاء المبين أمران؛ وقوعه من صاحبه -أكثرَ الأحوال- بغير وعيٍ به وقصدٍ له؛ فأنَّى يعافى منه! الثاني: أن المسرف يُغَلِّف سَرَفَه بغلاف الحب (تفسيرًا وتبريرًا)، والاحتيال بالحب آسِرٌ أخَّاذٌ.
يزيد داءَ المحبوب عِلَّةً قبولُه السرفَ بل استمتاعه به أولَ الأمر؛ لحاجته إلى الحب وافتقاره إلى آثاره، ويزداد طينُ المحب بِلَّةً إذا كان خفيف الديانة والعقل والمروءة جميعًا، ولو ثقُل لكان خفيفًا لطيفًا.
يا رِقاق الأفئدة والأكباد؛ إن الحب قوتٌ؛ يشبه سائر الأقوات في مَعانٍ، ويُبَايِنُها في أخرى، وإن له فقهًا؛ منكم من يكتسبه، ومنكم من يُلْهَمُه إلهامًا، “نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم”، “وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا”.