كما تحدثون الناس عن عذاب القبر؛ حدثوهم عن نعيمه؛ حدثوهم عن تثبيت الله المؤمنين في قبورهم حين يُقعَدون للسؤال، عن نور القبر، عن فُرشٍ لهم من الجنة فيه، عن لباسٍ لهم من الجنة فيه، عن فسحةٍ لهم فيه، عن تبشير الله لهم فيه بجنةٍ ورضوانٍ أكبر، عن سرورهم برؤية مقاعدهم من النار ثم إغلاقها عليهم وفتح أبواب الجِنان لهم، عن قول الملائكة لأحدهم: نوم نومة العروس.
حدثوهم عن أخبار المنعَّمين في قبورهم من سلفهم الصالح، ممن رُؤوا في المنام بعد موتهم فقصُّوا على الرائين من عجائب النعيم شيئًا عجبًا، وما أكثرها في كتب السِّير! ثم قولوا لهم: إن منازل السلف التي بلَغت بهم هذا النعيم مستطاعةٌ لمن استعان بالله عليها؛ “ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ”.
إن من النفوس نفوسًا يحدوها إلى الله الرجاء فيه ما لا يحدوها الخوف منه، يفعل فيها التبشير ما لا يفعل الإنذار، فإذا هي عظُم رجاؤها في الله واستبشرت برحمته؛ خفَّ عليها فعل الطاعات وهان عليها ترك المعاصي؛ أولئك المحسنون بكرم حبيبهم الظنون، المستروحة أرواحُهم برَوْحِه رحمانًا رحيمًا.
يا حبيبي؛ ما بينك وبين نعيم القبر إلا أن تكون موحدًا (لا قبوريٌّ يشرك بالله الموتى، ولا قصوريٌّ يشرك بالله الطواغيت)، وأن تكون على الصلاة وسائر أركان الإسلام محافظًا، وأن تجدَّ في فعل ما أُمرت به، وأن تترك ما نُهيت عنه، فإن أنت فرطت في مأمورٍ أو وقعت في محظورٍ، فاستغفرت وتبت وأصلحت، ثم جاءك أجلك؛ فأنت من السادة المنعَّمين في أجداثهم، لا خذلان في قبرك عند السؤال، ولا ظلمة، ولا ضيق، ولا بابًا مفتوحًا إلى النار، ولا ضربًا بمطرقةٍ من حديدٍ، ولا خسف، ولا تبشير بالنار، ولا شيئًا من العذاب الشديد؛ بل أنت في أضداد ذلك من ألوان النعيم؛ فاستبشر بآثار رحمة الله في قبرك خيرًا.
فأما من مات شهيدًا في سبيل الله؛ فروحه في جوف طيرٍ أخضر تسرح في رياض الجنة حيث تشاء، لها قناديل معلقةٌ بالعرش، يطَّلع ربهم عليهم في الجنة فيقول لهم: هل تشتهون شيئًا؟ فيقولون له: أي شيءٍ نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا! فيفعل بهم هذا ثلاث مراتٍ، حتى إذا رأوا أنهم لن يُتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب؛ نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نُقتل في سبيلك مرةً أخرى. أسأل الله لي ولك يا قارئ حرفي هذا خير الشهادة.