إذا كان شهرُ شعبان شهرَ صعود عمل السنة كلِّه إلى الله، ولم يكن لك في سَنتك الفائتة طيباتٌ كثيرةٌ تُبيِّض وجهك عنده تعالى، وكنت على بلوغ مغفرة ربك الأكرم ورضوانه الأكبر حريصًا؛ فإني أدلُّك على اثنتين تجبران كسور صالحاتك، وتلُمَّان لك شَعَث ما تفرَّق؛ الصلاة على وقتها بخشوعٍ في جماعةٍ مع أذكارها والنوافل، وختمة قرآنٍ تستوهب الله ببركاتها -بين انكسارك وافتقارك- إنعاشَ روحك وإيقاظَ قلبك في رمضان، وثالثةٌ جليلةٌ جميلةٌ؛ لا حسنة عند الله بعد التوحيد كرحمة خلقه، ولا سيئة بعد الشرك كظُلمهم؛ بِرَّ والديك بعملٍ عظيم المعنى يملأ قلبيهما سرورًا ووجهيهما نضرةً، أو تحلَّل من مظلمةٍ عليك لا يعلمها إلا الخبير الحسيب، أو اعف عن ظالمٍ لك من المسلمين -ليس الكفرة الفجرة- وبالأقربين فابدأ، أو صِل مسلمًا قطعك من أهل بيتك أو أرحامك أو جيرانك أو أصدقائك، أو تصدق بصدقةٍ كبيرةٍ يُعجِب اللهَ في السماء نوعُها وكيفُها، أو صدقةٍ صغيرةٍ يُكبِّرها عند الله إملاقُك وأنها جُهد المُقِل، ومن جعل صدقته في الأسرى وأهليهم فطُوباه وطُوباه، أو ضع دَين ذي دَينٍ يحمل همَّه بين جنبيه يقظانَ نائمًا، أو أبهِج ذا كآبةٍ بشيءٍ تعلم أنه يُسرِّي عن نفسه وإنْ قليلًا مما تملك؛ تلك والله الجوابر، مِن تحتها خوفُك اللهَ أن يردَّها، ومِن فوقها رجاؤُك أن يقبلها؛ عسى -برأفته ورحمته- أن يطَّلع على عقلك حائرًا بينها أيَّها تفعل ليغفر فيغفر، وعلى قلبك راكضًا بها إليه لعله يرضى فيرضى.
إن الولد ليُسيء إلى والدَيه الإساءة العظيمة، ثم ينكسر عندهما بالشيء يُتحفهما، يتملَّقهما بفعله تملُّقًا؛ فينقلب سخطهما رضًا، ونفورهما إقبالًا؛ كيف بالرب البرِّ خير الراحمين! ألا نُعْمَى للقوم المتملِّقين.
يا معشر من جلَّت خطاياهم وجمَّت؛ الحمد لله الذي جعل قطْع الطُّرق إليه بالقلوب، وجعل الليل والنهار خِلْفَةً، وأبقانا إلى الساعة لنستدرك بصالحٍ يرضاه، ولم يعاجلنا بما نستحق؛ له الحمد وعليه الثناء.