#في_حياة_بيوت_المسلمين.
سأل سائلٌ: صار غضب والدتي علينا كثيرًا شديدًا طويلًا، لا يكاد شيءٌ منا يرضيها عنا، أمَّا تطييب نفسها بعد سخطها فإلى المحال أدنى؛ ما الحيلة!
يا حبيبي؛ صباح والدتك إسلامٌ وعافيةٌ، حفظ الله روحها، ووكَل السلامة بنفسها، وعصَب كل خيرٍ بحالها، وحشَد كل فضلٍ ببابها، وأنالها من العيشة أخضرها، ومن السعادة أحضرها، ومن النعمة أنضرها، وأصلح بالها وحالها ومآلها.
يا حبيبي؛ إن كان ذلك كذلك والله أعلم بما هنالك؛ فلله وبالله تذاكروا فضائلها وفواضلها، واشكروا سوالف رأفتها بكم وسوابق رحمتها لكم، وما أخبر الله بنفسه عنها مُذ كنتم في بطنها إلى أن أصبحتم كبارًا تعرفون من أفكارها وتنكرون، وتُصوِّبون من أفعالها وتُخطِّئون، بهذا فتواصَوا إن كنتم مؤمنين.
يا حبيبي؛ كما كانت لكم طفولةٌ ومراهقةٌ وفتوةٌ وشبابٌ أَحدثتْ فيكم ما أحدثت؛ كان لأمكم مِثلُ ذلك، ولعل ذلك أحدث فيها ما لا طاقة لكم بحَمله.
يا حبيبي؛ تخايلوا أنفسكم وقد صرتم إلى ما صارت إليه الوالدة من وهن النفس والعقل والجسد جميعًا؛ احلموا عنها، وارفقوا بها، وأقلُّوا لومها على خاطئ تصوراتها، واجتنبوا الاستدراك على سيء تصرفاتها، ولا تجادلوها إلا في قطعيات الأحكام وبأحسن الإحسان وتحيَّنوا لهذا ساعة رضاها، فإن لم تقدروا على هذا فلا جناح عليكم، وتحببوا إليها بترك ما تكره وفعل ما تحب مما أباح الله وأقدركم عليه، واذكروا وصاة الله ورسوله بها، وأنها اليوم -ذاتَ ضعفٍ وشيبةٍ- أحوج إليكم من الأمس، وأحسن إحسانك إلى حبيبٍ حين لا يحسن.
يا حبيبي؛ واذكروا إذ كنتم صغارًا فأحسنت إليكم الوالدة بالسلب والإيجاب كثيرًا، وأن الجنة التي سقفها عرش الله عند قدميها، وأنكم غدًا إذا ضعفتم من بعد قوةٍ في نفوسكم وعقولكم وأجسادكم؛ أحوج إلى تجاوز الناس عن سيئاتكم، ورفقِهم بكم، وعطفِهم عليكم، وأن نبلاء الناس وأوفياءهم هم البررة بآبائهم، وأن الأيام دُوَلٌ والليالي حُبالى، وأن الجزاء في الخير والشر من جنس العمل، وأن الرب شكورٌ لا يَكفُر عبدًا عملَه مثقال ذرةٍ، وأنه ديانٌ حسيبٌ.
يا حبيبي؛ كم إنسانٍ تطلع عليه شمسٌ لم يجعل الله له من دونها سِترًا! ما كان الستر من هجيرها إلا أمه التي فقد، توهَّم ذلك اليوم البائس بغير أمٍّ يٌشكى منها، لعلك تستحلي بذا الخيال القاسي ما كان مرًّا وتستعذب العذاب.
يا حبيبي؛ هذا حرفٌ لا يقلب باطل الآباء حقًّا وجَورهم عدلًا، كما أنه لا يكلفك فِعل معجوزٍ عنه، لكنه يزكي خليقتك ويُجوِّد طريقتك؛ فكن له أهلًا، ولوجه ربك فاصبر مستعينًا بربك، وأبشر يوم تصير والدًا لولدٍ بما يسرك لا يضرك.