مراتب الساكتين عن الباطل، والمتكلمين به:
الساكت عن الباطل قولًا وفعلًا لا ينصره بشيءٍ منهما؛ هو الساكت على الحقيقة، لا يُتَّهم بموالاته للباطل بمُجرَّد سكوته، وقد يُلام بما يُرجى للإسلام وأهله مِن مِثله.
الساكت عن الباطل قولًا (الناطق به فعلًا)؛ ليس ساكتًا؛ لأن السكوت عند الله حقيقةٌ لا صورةٌ؛ بل فاعل الباطل أشد في كثيرٍ من الأحيان من المتكلم به.
المتكلم بشيءٍ من الباطل (وقد عُرف جهادُه إيَّاه بفعله)؛ ليس من أهل الباطل جَزْمًا؛ بل يجب التأوُّل له بحُسبانٍ، ويُردُّ عليه باطلُه -مع ذلك- كائنًا من كان، ومن ثبتت نصرته للحق بيقينٍ لم تَزُل عنه بالظنون؛ كيف بالأوهام!
الساكتون عن الباطل ثلاثةٌ: دائمًا، وكثيرًا، وقليلًا؛ فلا يساوى بينهم في ضعف الخيرية، بعضهم خيرٌ من بعضٍ، حُسن الظن بهم مقدَّمٌ وهو الحق فيهم.
المتكلمون بالباطل ثلاثةٌ: دائمًا، وكثيرًا، وقليلًا؛ فلا يساوى بينهم في دركة الشَرِّية، بعضهم شرٌّ من بعضٍ، سوء الظن بهم مقدَّمٌ وهو الحق فيهم.
يجب التفريق بين المتكلم بالباطل طوعًا وبين المتكلم به كرهًا، وبين المتكلم به بجهلٍ بسيطٍ وبين المتكلم به بجهلٍ مركَّبٍ، وبين المتكلم به مضيَّقًا عليه وبين المتكلم به موسَّعًا عليه، وبين المتكلم به في قلةٍ وبين المتكلم به في كثرةٍ، وعمدة التمييز بين هؤلاء جميعًا قرائن الأحوال؛ لا زَوَغان ولا طغيان.
يجب التمييز -في معاداة الطواغيت وسائر الأعداء- بين الدراويش، وبين الخائنين.
الدراويش: الذين لا يتخذون الأعداء أعداءً كما يتعيَّن، ويعتزلون جهادهم بالسِّنان واللسان. أولئك لا تُخوِّنوهم فتظلموهم، ولا تُمكِّنوهم فتظلموا الإسلام.
الخائنون: الذين يوالون الطواغيت أو غيرهم بأقوالهم أو أفعالهم. أولئك قاتلوهم بألسنتكم حتى يُقدِركم الله على قتالهم بأسِنَّتكم؛ ذلك أقوم للدين ولكم.
موالاة الطواغيت وسائر الأعداء نوعان: سالبةٌ، وموجبةٌ.
فأما السالبة فهي الموالاة المنهجية، لا يوالي صاحبُها الأعداء في عامة أقواله وأفعاله بنفسه؛ لكن في منهجه الذي يلتزمه ويدعو إليه ويذود عنه ويصد عمَّا سواه -من (تبعيض الإسلام وتَعْضِيته، وخذلان المجاهدين ببعض القول والفعل)- ما يُقِرُّ أعين الأعداء.
وأما الموالاة الموجبة فهي الموالاة الذاتية، فيها يوالي صاحبُها الطواغيت أو غيرهم من الأعداء بنفسه، بما هو قطعي الدلالة على السوء قطعي الثبوت إليه.
نعوذ بك اللهم من الوَكْس والشطط جميعًا، ومن الفتن ما ظهر منها وما بطن.