ما أسهل النياحة، ما أشق العمل!
يُخدِّر لطمُ الخدود وشقُّ الجيوب؛ لكنه لا يُداوِي.
لو يعلم الذين لا يبرحون ذمَّ أنفسهم ما استُهلِكوا فيه؛ لاقتصدوا.
ما يفعل الله بمقتك نفسَك بعد عصيانك مقتًا بعيدًا! ما تبلغ عنده من درجاتٍ بسبِّك إياها بعد الخطيئة سبًّا شديدًا! ويحك! إنْ تُهلِك إلا نفسك وما تشعر.
تلك الطاقة العظيمة التي تُذهِبها نفسُك من قلبك -بعون الشيطان- في الندم على ذنبك؛ لو بذلت شطرها في حسنةٍ تقترفها بعده؛ لكان أمحى لذنبك وأهدى لقلبك وأرضى لربك؛ “إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ” قالها ربٌّ خبيرٌ.
لا توبة بغير ندمٍ؛ لكنْ قد جعل الله للندم قدْرًا، إن يكن يسيرًا كشف عن قلبٍ لمَّا يَقدُر الله حقَّ قدره، وإن بُولِغ فيه أقعد صاحبه عن فعل الخير بعد الشر بما بدَّد من طاقةٍ، ثم إن بعده عزمًا على عدم العَود لا بد له في قلبك من قوةٍ.
ذلك؛ وإن الذي يُرسِّخه طول الحطِّ على النفس وشدة الإزراء بها؛ لغايةٌ للشيطان قصوى؛ فإن العبد إذا كره نفسه لم ينشط في جلب منافع المعاش والمعاد إليها، ولا دفع مضارِّهما عنها، وكفى بذلك عند الله موتًا وبوارًا.
استغفارك من ذنبك مئة مرةٍ في دقائق -نادمًا عليه، عازمًا ألا تعود- خيرٌ لك من ساعاتٍ تشكو فيهن قسوة قلبك إلى من لا ينفعك إلا كلامًا، ولقد شكا جماعةٌ من الناس إلى المسيح ابن مريم -عليه صلاة الله- ذنوبَهم يبكون منها، فقال لهم: “اتركوها؛ تُغفَر لكم”؛ ذلك فِقه أنبياء الله كيف يُختصر الطريق.
يا حبيبي؛ كن أسرع العباد إفاقةً بعد غفلةٍ، وأنشطهم بالإحسان بعد إساءةٍ؛ ذلك شأن أولي الألباب، فأما ضعفاء العقول فتُرضِيهم النياحة؛ عوَّذتك بالله.