أشهد ألا إله إلا الله،

أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، أما بعد:

قد أتى علي حينٌ من الدهر لم أكن شيئًا مذكورًا، كنت ميتًا فأحياني الله، خلقني في بطن أمي من ماءٍ دافقٍ مَهينٍ خرج من بين صُلب أبي والترائب، فجعلني به في قرارٍ مكينٍ، خلقًا من بعد خلقٍ في ظلماتٍ ثلاثٍ أطوارًا، أمشاجًا من سُلالةٍ من طينٍ، ثم خلق النطفة علقةً، فخلق العلقة مضغةً، فخلق المضغة عظامًا، فكسا العظام لحمًا، ثم أنشأني خلقًا آخر، ثم أخرجني من بطن أمي لا أعلم شيئًا، وجعل لي سمعًا وبصرًا وفؤادًا، خلقني فسوَّاني فعدَلني، في صورةٍ شاءها ركَّبني، صوَّرني فأحسن صورتي، في أحسن تقويمٍ، وكرَّمني، فجعل لي عينين، ولسانًا وشفتين، وهداني النجدين إما شاكرًا وإما كفورًا مُلهِمًا نفسي فجورها وتقواها، وفطرني على الإسلام حنيفًا، وعلَّمني البيان، وأركبني طبقًا عن طبقٍ رضيعًا ففطيمًا فغلامًا فشابًّا فكهلًا، وهو -تبارك- الأعلمُ بما أستقبل من أمري في عُمُري، وأخبرني -فيمن أخبر من إنسٍ وجِنٍّ- أنه ما خلقني إلا لعبادته.

اللهم أنت خلقتني لعبادتك، وإنما عبادتك عقائد يجب تصديقها، وشرائع يجب تحقيقها، وإني لا أدَع عقيدةً أوجبت علي تصديقها بطريق كتابك أو سُنة نبيك؛ إلا أعتقدها وعلى ما تحب فيها وترضى من الثقة واليقين، فأما شرائعك التي أوجبت علي تحقيقها -وإنها لأوامرُ شرعت فِعلها، ونواهٍ شرعت ترْكها- فاللهم لا، كم فرَّطت فيها؛ فتركت مأموراتٍ وفعلت محظوراتٍ! لكني -يا ربُّ- ذاك العبد المقرُّ بها شريعةً شريعةً، الرابط قلبَه على الثقة بها واليقين فيها، الراضي بك شارعًا لها حكيمًا، لك الحاكمية والحُكم وإليك التحاكم، لا شريك لك في شرعك كما لا شريك لك في كونك، الحالف بين الرُّكن والمقام باسمك الأعظم أنك ما فرَّطت في هُداي من شيءٍ؛ بل واليتني بكلماتك القدَرية وكلماتك الشرعية ما تهدي بمِثله أُمَّةً من الناس، إنما الجهول الظلوم أنا، الضال الشارد أنا، أبوء لك بأنعُمك علي باطنةً وظاهرةً، وأبوء بحِلمك علي؛ فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله؛ أعشقها.

أضف تعليق