#في_حياة_بيوت_المسلمين.
قالت منهن قائلةٌ: لا أجحد فريضة الخمار؛ أنَّى أجحدها شريعةً وقد رضيتُ بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ -صلَّى الإله عليه- نبيًّا ورسولًا! بَيْدَ أني أكره صورتي به، وحسبي ما أُعانيه من دَمَامَة وجهي؛ لكن متى رضيني زوجٌ لبسته هرولةً.
يا أَمَة الله؛ شكر الله لكِ إيمانكِ به والتصديق، وألحق به إسلامكِ له والتحقيق.
يا بنت التوحيد ولطف بكِ اللطيف الخبير؛ لستِ على نفسكِ في جمالكِ بقاضيةٍ منصفةٍ، وليس جمالكِ محصورًا في جسدكِ، وليس جمال جسدكِ محصورًا في وجهكِ، وليس جمال وجهكِ محصورًا في جوارحه.
لستِ على نفسكِ في جمالكِ بقاضيةٍ منصفةٍ؛ فإنكِ إذ تنظرين إلى وجهكِ تُدقِّقين فيه ما لا يُدقِّق غيرُكِ فيه فتُبصرين به ما لا يُبصره سواكِ، ثم إنكِ لا تنظرين إليه بمَعْزِلٍ عن نفسكِ التي تكرهين منها فوق ما تكرهين منه، ثم إنكِ إذ تنظرين إليه كل يومٍ مراتٍ، فيرجع بصرُكِ بسخطكِ على وجهكِ ماقتًا وهو كظيمٌ؛ تتراكم هذه العوائد في نفسكِ عددَ ما تنظرين إليه، ثم إنكِ وقد فرَغ لهذا الجزء اليسير منكِ كلُّ ما أودع الله فيكِ من قُوَى التفكير والتقدير؛ ستتعاظم في عينيكِ الباغيتين عيوبُه، سواءٌ منها الحقيقيُّ والموهوم.
وليس جمالكِ محصورًا في جسدكِ؛ فإنما أنتِ نفسٌ وقلبٌ وعقلٌ وجسدٌ، ولكل ركنٍ من هذه الأركان فيكِ جانبٌ ربانيٌّ وجانبٌ بشريٌّ، وبين يديها وخلفها من بدائع روائع تصوير الله ما لا طاقة به لميزانكِ القاصر، وإن خُلُقًا واحدًا من أخلاق الإسلام (كالحياء والأدب والحِلم والرَّزانة وغيرها)، لو كان يملأ طبيعتكِ؛ فأنت جبلٌ من جبال الجمال التي يحفظ الله بأوتادها الأرض أن تميد بأهلها، وإن عبادةً يتيمةً من عبادات قلبكِ التي كشفتْ شكواكِ عنها وهي الرضا بالله والإسلام والرسول؛ لجديرةٌ بإدخالكِ جنةً عرضُها السماء والأرض، قد حاز سُكَّانُها رضوانَ الله الأكبر؛ كيف عجزتِ أن تدخلي بها جنة الرضا عن نفسكِ!
وليس جمالكِ محصورًا في جسدكِ؛ إنما تتخايَلِين هذا لأن وجهكِ محِلُّ نظركِ المَكْرور ومقصِد اعتنائكِ الموصول، وسبحان الخلَّاق العليم الذي نثر جمال الأجساد فيما ظهر منها وما بطن! سبحانه وتبارك!
وليس جمال وجهكِ محصورًا في جوارحه؛ إلا أن تكون مقاييسُكِ الحاكمةُ كلُّها حسيةً، لا موضع للمعاني فيها؛ فأين أنتِ من البِشْر إذا علا وجهكِ راضيةً فبسط مقبوضَه وأضاء أجزاءه! وكيف وجهكِ لو أنه أحسن الوجوه حسًّا إذا كَسَتْه غَبَرَةُ السخط وقَتَرَةُ النفور! وما جَدْوَى بهاء وجه صَبُوحَةٍ حسناءَ إذا عَدِمَتْ نَدَاوة الرُّوح وسَمَاحة النفس ولَطَافةَ الفؤاد ورَطَابةَ الكبِد!
صدِّقيني أيتها الصادقة في نفسها؛ لقد أعلم أن الله جبلكِ على التماس جلائل الجمال الحسي والاحتفاء بدقائقه النفسية؛ لكن الناس الذين تتغَيَّيْن رضاهم عن صورتكِ ليسوا أهلًا -مهما كانت أنواعهم، وسَمَقَتْ مراتبهم- أن ترْهنَي رضاكِ بما قسَم الله لكِ في جسدكِ أو نفسكِ برضاهم عنكِ، ليسوا أهلًا لذلك بمُجَرَّد بشريتهم الجاهلةِ الجائرةِ؛ كيف إذا كانوا في شغلٍ بهمومهم شاغلٍ؛ لا يكادون يرونكِ أصلًا.. حتى يروا منكِ شيئًا.. حتى يعتنوا بما رأوه منكِ كثيرًا.. حتى يقفوا عنده مَلِيًّا! فتعزَّزي وترفَّعي، صانكِ الربُّ وزانكِ.
يا بُنيتي؛ قد ضارَّني حرفٌ وقع بين أحرُفكِ البيضاء في شكايتكِ الأليمة غيرَ ذي بياضٍ فآذاني، تقولين: لكن متى رضيني زوجٌ لبسته هرولةً! أي مخلوقٍ في الوجود ذاك الذي تؤخرين لأجله ما حقُّه عند ربكِ الأكبر التقديم! أهو الرجل الذي قد يرضاكِ زوجًا له ثم يفارقكِ بموتٍ أو طلاقٍ أو اختلاعٍ منه فتَرجعين سِيرَتكِ الأولى! أم هو الرجل الذي قد تكون به من العيوب النفسية أو الحسية بَلْهَ القوادحِ في دينه عقيدةً ونُسُكًا وأخلاقًا أضعافُ ما تشْكِين في وجهكِ! أم هو الرجل الكامل نفسًا ودينًا وعقلًا وأخلاقًا ثم هو لا ينفعكِ عند الله رضاه عنكِ كما لا يضرُّه عنده سخطه عليكِ إذا أنتِ أغضبتِ الرحمن عليكِ بخلع الخمار! من هذا الكائن الخليق بإيثار نظره إليك على نظر الإله!
يا أخت ديني؛ هَبِي أن الله لم يَقسم لكِ في صورتكِ كلها من المَلَاحَة ما تُماثلين به الغِيد وتُسابقين به الغانيات، هبي أن ذلك كذلك؛ فإنما هي صورةٌ دون صورةٍ، وإنما الصورة الحقَّة صورتكِ في عين الله اليومَ طائعةً في القانتات، ويومَ القيامة في جنات خالص النعيم؛ هل أتاكِ أن داخلي الجنة من المسلمين الذين دخلوا النار قبلها يُغمسون في نهر بُعَيْدَ أبوابها يقال له “نهر الحياة”، تنبت فيه جُسُومُهم نباتًا جديدًا لائقًا بالجنة! كيف بجُسُوم أهلها الذين لم يدخلوا النار قبلها! خلَّدكِ المنَّانُ فيها غيرَ داخلةٍ قبلها النار.