قال: يا أبت؛ كنت وصاحبٌ

قال: يا أبت؛ كنت وصاحبٌ لي نتصل كل يومٍ، ثم قل هذا؛ فامنن على ولدك بموعظةٍ من قلبك.

قال: يرحم الله قلبك بني؛ ما كان وصلُ صادقي الحب في الله من سلفنا الصالح -رضي الله عنهم- “كمًّا” كوصل عامة المتحابين اليوم؛ بل كان “كيفًا”؛ أرواحٌ صفاؤها ممنوحٌ، وقلوبٌ وِرْدُها مصبوحٌ، وألسنةٌ تغدو بالجمال وتروح، وجوارح فعَّالةٌ لوجه القدُّوس السُّبوح، يا بني؛ ليست الأخوَّة في الله ذلك الحب الذي تلهو بها قلوبنا، ولا الصورة التي تلعب بها أقوالنا وأعمالنا؛ الأخوَّة في الله عبادةٌ قائمةٌ بنفسها كالصلاة والزكاة والجهاد، وحقيقةٌ من حقائق الوجود كالإيمان والإنسان والحياة، وجنة الدنيا التي من دخلها لم يبرح لذائذها حتى تبرحه روحُه، ونعيمٌ خالصٌ في الآخرة وعد الله به سكَّان جنات المأوى “إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ”، يا بني؛ لم يبق للموحدين -اليوم- مسرَّةٌ بشيءٍ بعد توحيدهم ربَّهم مثل الأخوَّة عليه؛ فويح موحدٍ مفرِّطٍ! يا بني؛ أخوَّتنا اليوم فؤادها مقروحٌ، ووجهها مجروحٌ، ودمعها مسفوحٌ، يا بني؛ ما ظفرت بنبيلٍ يعبدُ اللهَ قلبُه في قلبك؛ فاشدد على إخائه يديك، وعُضَّ على صحبته بناجذيك، يا بني؛ طالت ‍أظافر أيدي وأرجل أحبةٍ لنا في السجن طولًا فاحشًا، فحلف عليهم أخٌ لنا ليُقلِّمنَّها لهم بأسنانه، وفعل، إي والله فعل، في أيديهم وأرجلهم فعل، يا بني؛ ذاك شيءٌ عن “كيف” الحب لا من “كمِّه”، يا بني؛ من حَصَرَ في أعداء الله شدته؛ نَشَرَ له في أوليائه رحمته، يا بني؛ اعبد الله بحبك.

أضف تعليق