هَلُمُّوا أربابَ الخطايا؛ “السيف محَّاء الخطايا”؛ قاله الضَّحوك القتَّال ﷺ.
أخي يا شقيق الإسلام؛ اقرأ هذا الكلام لجَدِّك الحسن البصري.
اقرأه، ثم انظر الفرق بين منطق سلفك ومنطق كلام عامة دعاة اليوم.
اقرأه، ثم اقرأ حاشية الكلام عليه لأَشهد وإياك الحق وحقيقته.
قال: “إن لكل طريقٍ مختصَرًا، ومختصَر طريق الجنة الجهاد”، وكان الرجل إذا اشتكى إليه كثرة الذنوب؛ قال له: “اجعل بينك وبينها البحر”، يعني الغزو.
هذا منطق الفقهاء بالنفوس حقًّا، يرون الجهاد مَخرجًا للناس من ذنوبهم، وهو الذي أراد الله لهم منه قدَرًا وشرعًا.
اليوم يُعَوِّقك عن الجهاد دعاةٌ بل جماعاتٌ! يصدُّونك عنه بدعوى ذنوبك! وأنك لست أهلًا للجهاد ما دمت تعصي!
لعلك تحسب هذا رأيًا للحسن البصري رضي الله عنه، والحق أنه عقيدةٌ من عقائد القرآن والسنة لمن تدبرهما.
هاكُم هذه: “فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ”؛ يا من تريدون بيع الدنيا بالآخرة؛ جاهدوا.
إنها ليست آيةً واحدةً؛ إنه القرآن من أوله إلى آخره، يربط بين مغفرة الذنوب وبين الجهاد ربطًا وثيقًا؛ أما أوله فقوله ﷻ بسورة البقرة على لسان الرسول والمؤمنين: “وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”، وأما آخره فسورة النصر: “إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا”.
إنك لتقرأ حديث القرآن في سورة آل عمران عن الجهاد؛ فإذا آيةٌ فيه عن الغُلول في الجهاد، والغُلول: أخذُ الشيء من المغانم خِفيةً، سبحان الله! من يأخذ من مغانم الجهاد خِفيةً يا رب! إنهم بعض المجاهدين، المجاهدون القائمون بذروة سَنام الإسلام يا رب! المجاهدون الذين يهاجرون ويغتربون ويكابدون أنواع الأهوال يا رب! المجاهدون الذين يبذلون بالجهاد دماءهم وأرواحهم رخيصةً في سبيلك يا رب! أجَل هم المجاهدون؛ إنهم -وإن كانوا خير أهل الأرض قاطبةً- بشرٌ؛ يجاهدون حين يجاهدون بنفوسٍ بشريةٍ وقلوبٍ بشريةٍ وعقولٍ بشريةٍ لا ينفكُّون عنها، يزيد إيمانهم بالجهاد وينقص بنوازع النفوس، ثم تُبَدِّد أوهامك عن الذنوب وحيلولتها بينك وبين الجهاد آيةٌ أخرى في حديث آل عمران نفسِه، آيةٌ يقول الله فيها لأصحاب نبيه صلى عليه ورضي عنهم: “مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا”، سادة العالمين بعد أنبيائك منهم من يريد الدنيا يا رب! أجَل هم الذين أراد بعضُهم الدنيا وقد خرجوا مع رسول الله مقاتلين في سبيل الله.
هل أتاك أن في الفقه بابًا اسمه “حكم إقامة الحدود في دار الحرب”! وبقطع النظر عن تفصيل هذه المسألة؛ فإن حَسْبك العلم باختلاف الفقهاء في الحكم بعد تصورهم لوقوع موجبات الحدود من بعض الغزاة في سبيل الله.
فأما السنة؛ فحَسْبك منها العلم بخطأ أسامة بن زيدٍ (الحِبِّ ابنِ الحِبِّ) في قتل نفسٍ بعد إسلام صاحبها، وخطأ خالد بن الوليد (سيفِ الله المسلول) في قتل جماعةٍ من الناس بعد إسلامهم؛ فماذا صنع رسول الله ﷺ! تبرأ إلى الله مما فعلا ولم يتبرأ منهما، ولم يُشَنِّع الصحابةُ عليهما، ولم يقل قائلٌ قبل الجهاد: لا يقاتِل الذين لم يتأهَّلوا للجهاد بترك المعاصي، ولا قال قائلٌ بعده: أمَا وقد عصى من المجاهدين من عصى فلا جهاد لهم تارةً أخرى؛ رضيهم الله.
تلك حقيقة الحق التي أردت من حاشيتي هذه على كلام سيدنا الحسن البصري رضي الله عنه؛ الجهاد فريضةٌ على كل مسلمٍ، والمسلم لا ينفكُّ عن معصيةٍ من المعاصي جاهد أو لم يجاهد؛ بل قد يقارف المجاهد في سبيل الله كبيرةً من الكبائر، بل قد يكون ظالمًا لبعض الخلق، بل قد يكون على بدعةٍ من البدع، بل قد يَركب ناقضًا من نواقض الإسلام وهو جاهلٌ أو متأولٌ أو مخطئٌ، إنه مسلمٌ يعلم ويجهل ويصيب ويخطئ، وإن ظل مُنْمَازًا بشرف الجهاد الأمجد.
فمن قال لك: من أنت أيها المذنب -بتَركك واجبًا، أو بفِعلك محرَّمًا- لتجاهد! فقل له: أنا لأجل ذنوبي -ما ظهر منها وما بطن- أريد الجهاد؛ أريد الجهاد خلاصًا منها بمغفرة الله العامة التي وعد على الجهاد، أريد الجهاد فإما نصرٌ عسى ربي أن يجعل جزاءه توبةً منه علي، وإما شهادةٌ عسى ربي أن يغفر لي بها ما قدمت وما أخرت بأول قطرةٍ مهراقةٍ من دمي، أريد الجهاد ابتغاء رفعة ديني الذي فرَّطت في قدْره ما فرَّطت، أريد الجهاد ابتغاء عزِّ أمتي التي قصَّرت في حقوقها ما قصَّرت، أريد الجهاد جبرًا لمكسور ما بيني وبين الله.
رضي الله عن الحسن، وداوِ اللهم بالجهاد عِلَلَنا، واغفر به زَلَلَنا، وسُدَّ به خَلَلَنا.