قالتْ حبيبي ما الذي جابْنا وَرَهْ ** قبَّلْتُ وجنتَها وقلتُ الأَفْوَرَهْ
حمزة أبو زهرة
معاذ الله أن ينقضي عجبي؛
معاذ الله أن ينقضي عجبي؛ كلما أدخلني مسجدًا له!
رب كيف تتركني أدخل بيتك؛ وأنت المحيط بسيئاتي خُبْرًا!
ألم تنهني ربي أن أُدخل بيتي غير تقيٍّ؛ غيرةً منك عليَّ مسلمًا!
كيف لم تمنعني شرعًا ولا قدَرًا من دخول بيتك أنت وكثيرًا؛ وأنا من أنا!
فمهما كثُر دخولي بيتك سأظل أعجب، لن آلَف هذا خجَلًا ووجَلًا.
لو لم تكن البَرَّ -والبَرُّ: من عَمَّ جُودُه البَرَّ والفاجر- لم تفعل.
رب فلا تحرمني دخول بيوتك غيرةً عليها، وزكِّني لها.
اللهم إنا نسألك لذَّة النظر
اللهم إنا نسألك لذَّة النظر إلى وجهك الأكرم في فردوسك الأعلى خالدين في رضوانك الأكبر أبدًا، فإن قلت لنا: بأي شيءٍ من أعمالكم تسألوني هذا كلَّه وقد علمتم أني أعددته لأنبيائي وأوليائي! فجوابنا إن أذنت لنا بالجواب: لا بشيءٍ من أعمالنا نسألك ذا، وهل أعمالنا إلا ما أحصيت من الخطايا موجِبات الخرَس والخجل! إنما نسألك ذا بعقيدةٍ أرسخَ من الرواسي الشامخات في ثلاثٍ؛ رحمتِك بنا وقدرتِك علينا وغناك عنا، ثم أنَّا نحب أنبياءك وأولياءك هؤلاء ونحب أحبابهم ونعادي أعداءهم، لولا ذاك ما خطر لنا على قلوبٍ سؤالُ شيءٍ من شيءٍ، وكيف لفقراء البواطن والظواهر أن يفعلوا! فإن لم تستجب لنا ربَّنا؛ فهو بعض ما نستحق من عدلك المقدَّس غيرَ ظالمٍ لنا ولك الحمد؛ لكن ستحرق النار جسومنا الواهنة ونذلُّ ونخزى، وإن استجبت لنا ربَّنا؛ فلا جديد منك، إنْ هو إلا كمالُ ما عوَّدتناه من فضلك ورأفتك ورحمتك ومَنِّك وبِرِّك وإحسانك وجبرك وكرمك وتمامُه ولك الحمد، ولنُحَدِّثن عنك أنبياءك وأولياءك يومئذٍ حديث المحروم عن سيده الذي أغناه، وحديث الكسير عن مولاه الذي جبره، وحديث الذليل عن ربه الذي أعزه، نثني عليك في دارٍ ليس كمثلها دارٌ بمحامد ليس كمثلها محامد؛ أنك أنت الله الذي ليس كمثلك شيءٌ، تسكب الثناء على ألسنتنا ماءً منهمرًا.
يا حبيبي؛ لو تعلم علم
يا حبيبي؛ لو تعلم علم اليقين ما لك عند ربك (في قلبك وقبرك ويوم تلقاه)، إذا أنت تركت معصيةً (قد جرَّبت لذتها، وأنت قادرٌ عليها) ابتغاء رضوانه الأكبر، لو تعلم ذلك؛ لكان التذاذُك بتركها أشدَّ منه بفعلها.
إن في الترك لذةً ذاق طعمها الكبار؛ فإن إرادة الترك أعصى على الإنسان من إرادة الفعل، وإنما السبق سبق التاركين، الذين قهروا بقاهرية الله أهواءهم؛ كيف إذا كان المتروك حرامًا، وكان المتروك له الله!
ليس كل فرحٍ منك بالطاعة
ليس كل فرحٍ منك بالطاعة عُجبًا بنفسك ممنوعًا يكرهه الله.
بعض الفرح بالطاعة ضروريٌّ مشروعٌ يحبه الله؛ فرحُك بربك أن أوجدك من العدم فلولا هذا الوجود ما عرفت ربك ولا عبدته، فرحُك بربك أن بسط لك في الحياة فلولا بسطة الله فيها ما أطعته، فرحُك بربك أن ألهم عقلك فِعل الطاعة، فرحُك بربك أن شرح لها صدرك، فرحُك بربك أن يسر لك أسبابها، فرحُك بربك أن أعانك عليها فأحدثتها، فرحُك بربك أن أفاض عليك فيها وفتح لك، فرحُك بربك أن لم يجعل عقوبتك على سوالف الخطايا حرمانك منها، فرحُك بربك أن هداك إلى إحداث طاعةٍ مكان معصيةٍ، فرحُك بربك أن أظفرك على نفسك والشيطان والدنيا، فرحُك بربك أن عرَّضك بالطاعة لبركاتها التي وعد عليها في الدارين، فرحُك بربك أن أظهر لك من نفسك محبةً للخير وقوةً عليه وقد كنت تظن بها السوء لكثرة آثامها، فرحُك بربك أن قوَّاك على ضعفك وأقدرك على عجزك، فرحُك بربك أن أذاقك طعم حبه وقربه وكفى بها منةً.
هو فرحٌ لا تُحصى مظاهره؛ إذ هو فرحٌ بالله لا عُجبٌ بالنفس.
أعجب ما رأيت من ربي
أعجب ما رأيت من ربي في معاملتي: الإمهال والإلهام!
إمهاله إياي بعد معصيتي، ولو شاء عاجلَني بما أستحق من عقابٍ غيرَ ظالمٍ لي، ثم إلهامه إياي بعدها طاعةً من الطاعات أتوب بها إليه، ولو شاء ألا يلهمني إياها فعل؛ لكنه في كل معصيةٍ يمهلني ثم يلهمني، ولو لم يكن ربي غنيًّا لم يفعل، ولو لم يكن ربي كبيرًا لم يفعل، ولو لم يكن ربي ودودًا لم يفعل، ولو لم يكن ربي جميلًا لم يفعل، ولو لم يكن ربي رؤوفًا لم يفعل، ولو لم يكن ربي رحيمًا لم يفعل، ولو لم يكن ربي كريمًا لم يفعل، ولو لم يكن ربي برًّا لم يفعل، ولو لم يكن ربي توابًا لم يفعل، ولو لم يكن ربي غفورًا لم يفعل؛ فتبارك ربي غنيًّا كبيرًا ودودًا جميلًا رؤوفًا رحيمًا كريمًا برًّا توابًا غفورًا وتعاظم! هو الله.
حدِّثوني عن أعاجيب ما أشهدكم الله في معاملته إياكم.
المتحرش بالنساء ظالمٌ لنفسه ولهن،
المتحرش بالنساء ظالمٌ لنفسه ولهن، لا يعذره تبرُّج متبرجةٍ مهما فحُش، ومنهم فجرةٌ يتحرشون بمحجباتٍ، لا دين يَزجر ولا مروءة تَردع؛ هدى الله الشارد، وغفر للمنيب، ومن أصرَّ فويلٌ له وثبورٌ.
المتحرش في المواقع كالمتحرش في الواقع، والهائم بامرأةٍ يظن نفسه -بفرَط الحب- ذا حقٍّ فيها ككُل أجنبيٍّ سواه، وغير الناكح الذي لا يجد من يستعف بها كالناكح أربعًا وله جَوارٍ.
حتى المُتَسَمِّحة بالتحرش التي تُغوي بنفسها وتُغري؛ لا يحل التحرش بها، وإن عدِمت من يغار عليها من أهلها؛ فإن لها ربًّا يغار عليها ونبيًّا كذلك، ولأن الناهي الأعلى ﷻ لم يفرق بين امرأةٍ وامرأةٍ.
لكنَّ الخاشية ربها تتصوَّن لنفسها بحجابها معنًى ومبنًى؛ فأما تصوُّنها به مبنًى فإدناؤها على بدنها الجلباب كما أمرها ربها، وأما تصوُّنها به معنًى فاجتنابها مخالطة الرجال في الواقع والمواقع.
إن الفجور في الباطن -وفي الإشارة كفايةٌ- قد طوى مسافاتٍ شاسعةً بين الناس وبين الفجور في الظاهر؛ فاليوم ما إنْ يخالط رجلٌ امرأةً -مع ضعف الديانة- حتى تنهشهما الفتنة نهشًا.
الفتنَ فاجتنِبوها، والسلامةَ فاجتلِبوها، فأما مستهبِلات النساء فلا عُتبى لهن، وأما المُقِلُّون من الدياثة والمستكثرون -من أوليائهم- فأركسَهم الله، وللغرباء قبضًا على الجمر طُوبى وحُسن مآبٍ.
أطعِموا الودادَ قلوبًا ذاتَ مسغبةٍ،
أطعِموا الودادَ قلوبًا ذاتَ مسغبةٍ، وأغنُوا بالوصالِ نفوسًا ذاتَ متربةٍ.
“هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ”. يا حبيبي؛
“هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ”.
يا حبيبي؛ إن فاتك أن تجعل الله أول أمرك -عوَّذتك بالله-؛ فاجعله آخره.
قد يفوت العبدَ حقُّ ربه أولَ أمره، وحقُّ الله في الطاعة: الفعل، وفي المعصية: الترك، وفي النعمة: الشكر، وفي البلاء: الصبر؛ لكنَّ محب ربه الذي يستدرك من قريبٍ؛ فيقضي الطاعة التي فاتته ويُجَوِّدها، ويتوب من المعصية التي قارفها توبةً نصوحًا، ويُحْدِث لله في آخر النعمة عبادةً حَسنةً تجبر مكسور شكره في أولها، ويُحْدِث له في آخر البلاء صبرًا جميلًا يصل مقطوع صبره عند بدايته، فهو يقول لربه بلسان قلبه: رب إن فاتني أن أجعلك أول أمري؛ فهأنذا أجعلك آخره.
نحن نريد من البلاء العافية،
نحن نريد من البلاء العافية، والله يريد منه العفو.
العفو من البلاء: تكفير الرحمن سيئات أهله إذا هم صبروا.
مَرْضِيُّون نحن رُفِع البلاء أو لا، إن لم تكن عافيةٌ فعفوٌ، يا بختنا بربنا.