#في_حياة_بيوت_المسلمين. قال: أنقذني -يا أبتِ-

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

قال: أنقذني -يا أبتِ- أنقذك الله وأنقذ بك؛ أنْجَى ربي قلبي من عشق امرأةٍ لا تحل لي مدةً من الزمان، وإني أبتغي اليوم الإحسان إليها بعد عظيم الجناية عليها؛ فدُلَّني على خيرٍ آتيه إليها لا أُفرِّط فيه.

قلت: يا بني؛ إياك والصِّياعة الإسلاموية فإنها أدهى وأمرُّ! يا بني؛ إن صلحتَ لها وصلحتْ لك -في نكاحٍ ربانيٍّ تستأنفان بجَوابره وصالًا على رضوانٍ من الله- فبِها ونِعمتْ، وإلا فدعها؛ “معها حِذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر .. حتى يأتياها ربُّها”، يا بني؛ تلك حيلةٌ للشيطان جديدةٌ يريد بها نكوصك مسافةً جديدةً؛ لكنه وقد يئس -بتوبة الله عليك- أن يأتيك عن شمالك؛ أتاك عن يمينك، يا بني؛ تقول العرب: “لا أريد ثوابك؛ اكفني عذابك”، ويحكون أن فأرةً سقطت من سقفٍ، فظفرت هِرَّةٌ بحَملها تقول: بسم الله عليكِ، فقالت الفأرة -بلَّغكَ الله رُشدَها وسامح أباكَ-: يدَكِ عني وأنا في عافيةٍ؛ ما يريد هِرٌّ من فأرةٍ يا لئيم! يا بني؛ يدَك عمَّن خنتَ الله والرسول والإسلام وأهلها ونفسك ونفسها فيها .. وهي في عافيةٍ، يا بني؛ أما كفى قلبك سوالف الاستهبال! يا بني؛ من أين لك ثقةٌ بقلبك وما أضلَّك سواه عن سواء السبيل! يا بني؛ إن مِن أشد ما يُرهب أفئدة المؤمنين قولُ ربهم: “وَهُوَ خَادِعُهُمْ”؛ فاخشَه واتَّقِه محيطًا شهيدًا، يا بني؛ لا تذكرها وإنْ بدعاءٍ في سجودٍ بسَحَرٍ؛ فإن ذكْر عقلك لها اليوم يجرُّ ذكْر قلبك إياها غدًا، يا بني؛ يفشل الذين يواجهون استراتيجيات إبليس تكتيكيًّا، يا بني؛ إن الناجي من العشق لا يَبرحه عشقُه أولَ نجاته؛ بل يُجحد في زاويةٍ من زوايا قلبه ساكنًا ساكتًا مُعَلَّبًا، فإن هو زاحَمَه بزاكيات النفس والدين والحياة مزاحمةً باطنةً وظاهرةً؛ أذهبه الله إذهابًا، وإلا هاج عليه وإنْ في امرأةٍ حديثةٍ يلوذ بها لياذًا حديثًا، يا بني؛ أما شأنك فاستصلحه من الله، وأما شأنها فله ربٌّ يُصلحه؛ ذلك حقُّ المتاب.

بأول تعليقٍ منشوراتٌ في الحرف نفسِه؛ نفعني الله بها ومن بلَغتْ، وأحْرَزَنا من الفتن أجمعين.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. يُزيِّن الشيطان لأحدكم ترك

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

يُزيِّن الشيطان لأحدكم ترك الزواج شغلًا بطلب العلم أو الدعوة أو تحصيل الشيء من محابِّ الله ومراضيه، ولو أنه عقل ما يحب الله حقًّا ويرضى؛ لأتى الزواج -متى استطاعه- هرولةً؛ فإن ما يَذهب من القلب في عبادة الرب من شُعَب السكينة والطمأنينة -بتوقُّده جوعًا إلى قُرب محبوبٍ، واشتعاله ظمأً إلى وصل مودودٍ- شيءٌ كثيرٌ، وإن الله لا يريد في طاعته رقابًا خاضعةً؛ بل يريد قلوبًا خاشعةً.

كم رأيت من هؤلاء الذين صدَّهم الشيطان بهذه الحيلة الأنيقة عن الزواج؛ يحسبون أنهم يحسنون ورعًا! يجيئون يشكون شَعَثَ قلوبهم بما يتفجر في مخابئ نفوسهم من الحاجة الجِبلِّية المُلِحَّة إلى محبوبٍ، ولو كان في إرجاء النكاح لمثل هذه الدَّعاوى والمزاعم خيرٌ؛ لكان أسبقَ الناس إلى تركه أنبياء الله وأولياؤه؛ إن الذين يخشون الفتنة في الدين بشواغل الزواج؛ في الفتنة سقطوا وهم لا يشعرون.

يا حبيبي؛ اتق مداخل الشيطان اليمينية الخفية أشدَّ مما تحاذر مداخله الشمالية الجَلية، المداخل ‍اليمينية هي التي قال فيها -لعنه الله- أولَ أمره: “وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ”؛ أي من جهة الحق والخير والإحسان، وهي أضرُّ على العبد -لخداع فتنتها- من مداخله الشمالية الصريحة، وما يسر الله لك أسباب النكاح فبادر إليه، لا يفتننك عنه شيءٌ من الخير أو الشر؛ ذلك أغضُّ لبصرك وأحفظُ لفرجك وأهدى لقلبك.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. لم أعجب من إبطاء

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

لم أعجب من إبطاء شيءٍ عليَّ رجوت حصولَه من الله أو من الناس؛ ذلك أن بين عينيَّ ذنوبًا ثلاثةً قارفتُها قديمًا أوجبته، ولو أن ربي آخذني فيهن بما أستحق ما عجَّل لي خيرًا؛ لكنه يعفو عن كثيرٍ.

كانت أمي تسألني قضاء الحاجة أيام الثانوية العامة؛ فكنت أؤخرها حياءً من أصحابي لا رغبةً فيهم عنها، وكنت أؤخر طلاب القرآن أحيانًا شغلًا بالشيء من أمري -وحالهم بعد قدومهم من مدارسهم إليَّ حالٌ لا تحتمل تأخيرًا- وأنا يومئذٍ غافلٌ سافلٌ لا أسامح نفسي في هذا حتى ألقى الله، وكنت أتأخر عن صلاة الجماعة شغلًا بأمرٍ من الأمور وأتأوَّل -في استهبالٍ واستعباطٍ- لنفسي؛ لبئس ما كنت أفعل.

فأما حق الله فإني استغفرته وأستغفره مستبشرًا برحمته، لا ليُعجِّل لي ما أحب تعجيله؛ بل لاستحقاقه ربًّا جميلَ الربوبية إلهًا جليلَ الألوهية، وأما حق أمي فقد عفت عنه لكنْ واسوءتاه وإنْ عفت وصفحت، وأما حق الأطفال الذين كنت أؤخرهم عندي؛ فهو أشقُّ الثلاثة على قلبي، يرى الله دموعًا تُسْفَحُ علي وجهي تُلهبه؛ قيَّض الله لي أسباب تجاوزهم عن هذه السيئة الكبرى؛ إن ربي قديرٌ غفورٌ رحيمٌ.

يا حبيبي؛ إذا أشار من كفِّك أُصبعٌ إلى شرٍّ تعجب كيف أصابك! فلتُشِر كفُّك الأخرى جميعًا إلى نفسك تُذكِّرها ما أصابت؛ الجزاء من جنس العمل، وما بين ذنبك وبين جزائه إلا توبةٌ من قلبك نصوحٌ.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. قال: هلَّا واسيتَ أخي

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

قال: هلَّا واسيتَ أخي في موت زوجه؛ فقد كان عظيم التعلق بها! هرولت إلى أخيه برأفةٍ من الله فواسيته بما أصابني من رحمة الله، ثم قلت في نفسي: لن يعدم الحيُّ في مصيبة الموت مواسيًا يواسيه؛ فأما الميت فلا يواسيه إلى يوم يُبعث غيرُ ما قدَّم؛ حتى بكاء الباكين عليه لا يناله منه شيءٌ، وما يبكي أكثرهم للميت وما يستقبل من أهوال البرزخ؛ بل لفوات حظوظ أفئدتهم من وداده ووصاله.

يا أيها الذين آمنوا؛ واسوا أولياء الموتى حق المواساة؛ فإنها عبادةٌ نبويةٌ أنصاريةٌ نبيلةٌ؛ قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: “رحم الله الأنصار؛ فإن المواساة منهم ما عتمت لقديمةٌ”؛ لكنِ ارجعوا إلى سكان القبور فابذلوا لهم روائع المواساة وبدائعها؛ استغفارًا ودعاءً وقضاءَ ما شُرع قضاؤه من العبادات وصدقةً وذكرًا بالخير وبرَّ من كانوا يبرُّون، ومن قبل هذا فاقطعوا كل مادةٍ مسخطةٍ لله تركها الميت لأحدٍ يتنعم بها وذهب إلى الله يُسأل عنها وحده؛ واغوثاه رباه لمن صاروا إليك عُطُلًا إلا من رحمتك.

أوصيته بالمحافظة على الصلاة، فقال:

أوصيته بالمحافظة على الصلاة، فقال: أَكْلُ العيش، ثم إني لا أتنبه لمواقيتها؛ فادع لي.

يا حبيبي؛ المأكل والمشرب والمنكح والملبس والمسكن والمركب للعيشة، والعيشة نفسُها لعبادة الله.

يا حبيبي؛ الحقَّ أقول لك: لقد أفدتَ فؤادي بجوابك هذا -قبل أن أفيدك- علمًا لم يستفده من قبل؛ الآن أفقه لم جعل الله قوله سبحانه: “إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ”، بعد قوله تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”؛ لقد علم ربي أن أكثر ما يتعلل به عبيده في ترك عبادته اكتسابُهم الرزق؛ فذكَّرهم بأن الذي ينصرفون عن عبادته شغلًا بأرزاقهم هو الذي بيده أرزاقهم، قويًّا إذ يرزقهم متينًا، وإذا كانت العبادة على الحقيقة أعظم أسباب الرزق؛ فإن الصلاة من بينها أطيبُ وأوفى؛ “وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ”؛ الناس في مساجدهم والله في قضاء حوائجهم.

يا حبيبي؛ قال الله -جلَّ ثناؤه- في حديثه الإلهيِّ: “إنا أنزلنا المال لإقامة الصلاة”؛ فلا تقلب الوسيلة غايةً فيَقلب الله حياتك ويُقلِّب قلبك جزاءً وفاقًا، أَخْدِم مالَك الصلاةَ تهنأ لا تُخْدِم الصلاةَ مالَك فتشقى.

يا حبيبي؛ لتعلَمن إذا هجم ملك الموت عليك ليقبض روحك، وإذا قَبرَك أهلُك فخلوتَ في قبرك للحساب، وإذا بُعثر ما في القبور، وإذا نُشرتَ للقيام لرب العالمين، وإذا تطايرت الكتب، وإذا نُصب الميزان، وإذا ضُرب الصراط على متن جهنم؛ لتعلَمن في كل ذلك شُؤم رزقٍ شغلك عن إلهك طرفة عينٍ.

يا حبيبي؛ إنما الرزق الحق قوت روحك من السكينة، وقلبك من الطمأنينة، وبالك من الصلاح، وحالك من الفلاح، ورضوانٌ من الله أكبر تعمل له أعمالًا، وفردوسٌ أعلى تخلد في حبورها أبدًا، ولم يجعل الله شيئًا من ذلك في غير محبته وحسن عبادته؛ فقل: عجلت إليك ربِّ لترضى، واسجد واقترب.

يا حبيبي؛ إنما جُعل الأذان لتنبيه الغافل عن مواقيت مواعيد محبوبه، أما المحب فينبهه فؤاده لا طاقة له بالكسل ولا قِبَل، أحدُ سبعةِ ظِلِّ الله يوم الحَرِّ الأشدِّ هو بقلبٍ أودعه المساجد؛ فأنَّى يتوانى!

يا حبيبي؛ لو أن إنسانًا يعمل في كشك سجائرَ -وساء عملًا- ما قبل منه صاحبه أن يعمل يومًا ويقعد يومًا؛ فكيف رضيت لله منك بذلك! تُلبِّي نداءه صلاةً، ولا تُلبِّيه صلاةً؛ إنْ هذا إلا خُلق اللاعبين.

يا حبيبي؛ إن عبدًا يركض في إصلاح معاشه ركضًا حثيثًا، ثم هو عن إصلاح معاده يتلهَّى؛ لمُشابهٌ الكفارَ في خَصلةٍ منعهتم الماء في محلِّ الظمأ الأكبر (جهنم)؛ “وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوآ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا”؛ وقد أبان ما بين اعتنائك بأمر دنياك وإهمالك أمر آخرتك عن لعبك، فأغنى عن الكلام.

يا حبيبي؛ السيد ينادى عبده والعبد لا يجيب! الملك ينادي مملوكه والمملوك لا يجيب! الحي ينادي الميت والميت لا يجيب! القيوم ينادي المفتقر والمفتقر لا يجيب! يا له معنًى يخلع أفئدة الأحياء.

يا حبيبي؛ من فرَّط في السجود اليوم طوعًا؛ عجز عنه غدًا كَرْهًا؛ “يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ”، وتأمل قول ربك: “خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ”؛ إن الخشوع حظ الصلاة من ظاهرك، والذل حظها من باطنك، فإذا لم يكونا منك في الحياة عبودية اختيارٍ؛ كانا منك يوم القيامة عبودية اضطرارٍ.

يا حبيبي؛ تدبر هذه الأربعَ مجتمعةً؛ “أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ”، “أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ”، “وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ”، “وَمَا نَقَمُوآ إِلَّآ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ”؛ هل لاح لك مُوجِعُ المعنى بينهن!

أنالكَ رزقَهُ لتقومَ فيهِ ** بطاعتهِ وتشكرَ بعضَ حقِّهْ

فلمْ تشكرْ لنعمتهِ ولكنْ ** قوَيتَ على معاصيهِ برزقهْ

يا حبيبي؛ إن ضابط شرطةٍ ممن يغدون ويروحون في سخط الجبار؛ إذا ناداك فلم تجبه؛ جعل نهارك ليلًا؛ أفتحسب أن مليك السماوات والأرض إذا ناداك فلم تجب نداءه؛ لم يؤاخذك بهذا وله العزة!

يا حبيبي؛ بطيءٌ إذا ناداك عبدًا وهو يحلُم عليك ويعرِّضك للهدى آناء الليل وأطراف النهار، متعجلٌ إذا دعوته ربًّا وتشكوه إلى قريب الناس وبعيدهم أن دعوته فلم يجبك! ويحك والله! ما أقسى جفاك!

يا حبيبي؛ إن من تترك الصلاة لإصلاح معاشهم من أهلك وعيالك؛ لا ينفعونك كثيرًا في مصائب الحياة الدنيا على ظهر الأرض؛ فأنَّى ينفعونك شيئًا في دواهي الآخرة تحت الأرض ثم يوم العرض!

يا حبيبي؛ شَغل جدَّك أبا طلحة الأنصاري -وهو يصلي في بستانه- طائرٌ لم ير مثلَه، فلما فرغ من صلاته أتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال له: “أشهد يا رسول الله أني جعلت هذا البستان صدقةً لله تعالى، فضعه حيث يحب الله ورسوله”؛ بالله ما يصنع مشغولٌ عن الصلاة لا فيها عامة حياته!

يا حبيبي؛ إن قبلت أن تقعد عن دراستك وأدعو الله لك بالنجاح، أو بالقعود عن كسبك وأدعو الله لك بالرزق؛ فسأقبل أن تقعد عن الصلاة ثم أدعو الله لك أن تصلي؛ لم لا أراك درويشًا في دنياك كما أراك في دينك! أجدك تعقل أنه لا يكون مالٌ إلا بسببٍ؛ فهل جعل الله هدايتك بغير سببٍ؛ “وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ”، “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ”؛ أولئك الذين يأخذون بأسباب الهدى يهديهم وحدهم الله.

يا حبيبي؛ انظر أول تعليقٍ نظر الله إليك يوم لا ينظر إلى الظالمين، واقرأ ما به من منشوراتٍ قرأتَ كتابك باليمين، وأبشر بتوبة الله عليك بشرك الله برحمته يوم لا بشرى للمجرمين، وإني أخوك.

أيها الداخلون في الإسلام كافةً؛

أيها الداخلون في الإسلام كافةً؛ صباحكم وحيٌ وسيفٌ، لا يفرِّق بينهما إلا منافقٌ.

“بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ”؛ كذلك مضت سنة الله في الحق ألا يفعل في الباطل أفعاله إلا مقذوفًا به، ولا يزهق الباطل إلا مرميًّا بالحق في دماغه؛ لا تبديل لكلمات الله.

“وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا * وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ”؛ قالت طائفةٌ: الحق القرآن، وقالت أخرى: الحق الجهاد؛ لأنهم كانوا أهل قرآنٍ وجهادٍ جميعًا فلم يفرقوا بينهما، وكما جمع الله بين إزهاق الباطل وتنزيل القرآن علمًا؛ جمعوا هم بينهما عملًا.

إن الذين يدعونكم اليوم إلى دينٍ لا سيف له؛ كالذين تمنوا بالأمس قرآنًا لا يحضُّ على قتالٍ؛ “وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ۖ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ۙ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ”؛ هؤلاء أبناء أولئك البررة؛ لُعنوا أجمعون.

تالله ما كانت عقيدة (الوحي والسيف) إلا فطرةً يُستدلُّ بها لا يُستدلُّ لها؛ حتى خَسفتْ خلائق الجُبن بحُثالةٍ من عبيد الأرض فباتوا يتطلبون لها البراهين العقلية والآيات الشرعية؛ أُفٍّ وتُفٍّ.

ليس بين الإيمان بالوحي والكفر بالسيف إلا النفاق، واقرؤوا -مأمورين- قول ربكم: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ”؛ جعل -تعالى- بين إيمانهم وبين جهادهم هذه الصفة السالبة ” ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا”؛ لأن الشك في الوحي هو المُقعد عن الجهاد، كما حكى الله عن المنافقين الأوائل؛ “إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ”، فلا ينفي الشك عن الإيمان ويُثْبت اليقين فيه إلا الجهاد.

“وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا”؛ قال ابن تيمية رحمه الله: “قِوام الدين كتابٌ يهدي، وسيفٌ ينصر”.

“لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ”؛ قال الغزالي رحمه الله: “إن الله لما علم أن في الناس من لا ينفعه الكتاب الذي أنزله الله هدًى للناس؛ أنزل مع الكتاب الحديد فيه بأسٌ شديدٌ؛ لعلمه أنه لا يُخرج المِراء من أدمغة أهل اللِّجاج إلا الحديد”؛ التوحيد والحديد؛ عقيدةٌ أطبق السالفون عليها، ثم خلَفتْ من بعدهم خُلوفٌ عِزِينَ.

“وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ”؛ لما جمع الله لنبيه داود -عليه صلاتُه- بينهما؛ كان من شأنه ما كان.

“هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ”؛ فإن تسَل عن ذلك الظهور الذي هو غاية إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن جوابه سُوَر هذه الآية الثلاثة؛ التوبة والفتح والصف؛ فأما التوبة فقد نزلت في الذين خانوا الوحي والسيف، وأما الفتح والصف فحسبك من اسمَيهما ما أراد الله بالوحي والسيف شرعًا، وما حقَّت به سننه الكونية فيهما قدَرًا.

نبيٌّ أتانا بعدَ يأسٍ وفترةٍ ** منَ الرسلِ والأوثانُ في الأرضِ تُعبدُ

فأمسى سراجًا مستنيرًا وهاديًا ** يلوحُ كما لاحَ الصَّقيلُ المهندُ

يُشبِّهه شاعره الأجلُّ حسان بن ثابتٍ -رضي الله عنه- بالسيف؛ إذ يحمده بالهدى ويمدحه.

“وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ “؛ تحسبون إحقاق حقكم وقطع دابر عدوكم؛ يكون بوحي ربكم في غير أسباب عزكم! فلقد أراد الله شريعةً تُصان بالسيف، وسيفًا يُزان بالشريعة، لا تفريق بينهما -بلا مساواةٍ- في الأذهان ولا في العِيان.

“إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ”؛ ما كان تثبيت المؤمنين في الجهاد إلا وحيًا يُوحى، وما كان وحي الله ليذَر المؤمنين يقاتَلون بلا تأسيسٍ لعقائد القتال وشرائعه وأخلاقه.

قال الرافعي رحمه الله: “إن للسيوف في الإسلام أخلاقًا”؛ قلت: مبصرةٌ سيوفُنا لا تَخبط عشواء، صارمةٌ تحسم العلل والأدواء، حكيمةٌ هي في الابتداء والانتهاء.

يا صاحبَ الحقِّ الكبيرِ عرفتَهُ ** وبسطتَهُ في حكمةٍ وأناةِ

وضربتَهُ مثلًا لكلِّ مكابرٍ ** لا يستوي حقٌّ بغيرِ حُماةِ

“وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ”؛ قضى الله ألا تقوم (لا إله إلا الله) في الأرض تامةً؛ إلا بجهاد أهلها في سبيلها كاملًا غيرَ منقوصٍ.

والرأيُ لمْ يُنْضَ المهندُ دونهُ ** كالسيفِ لمْ تضربْ بهِ الآراءُ

الحربُ في حقٍّ لديكَ شريعةٌ ** ومنَ السمومِ الناقعاتِ دواءُ

قد جمع الله لرسله بين القوتين النظرية والعملية، فقال فيهم: “أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ”.

قال سيد قطب رحمه الله: “والشر جامحٌ والباطل مسلحٌ، وهو يبطش غير متحرجٍ، ويضرب غير متورعٍ، ويملك أن يفتن الناس عن الخير إن اهتدوا إليه، وعن الحق إن تفتحت قلوبهم له؛ فلا بد للإيمان والخير والحق من قوةٍ تحميها من البطش، وتقيها من الفتنة، وتحرسها من الأشواك والسموم، ولم يشأ الله أن يترك الإيمان والخير والحق عزلًا تكافح قوى الطغيان والشر والباطل؛ اعتمادًا على قوة الإيمان في النفوس وتغلغل الحق في الفِطَر وعمق الخير في القلوب؛ فالقوة المادية التي يملكها الباطل قد تزلزل القلوب وتفتن النفوس وتُزيغ الفِطَر، وللصبر حدٌّ وللاحتمال أمدٌ، وللطاقة البشرية مدًى تنتهي إليه، والله أعلم بقلوب الناس ونفوسهم، ومن ثَم لم يشأ أن يترك المؤمنين للفتنة؛ إلا ريثما يستعدون للمقاومة، ويتهيؤون للدفاع، ويتمكنون من وسائل الجهاد؛ وعندئذٍ أذن لهم في القتال لرد العدوان”.

قالوا غزوتَ ورسلُ اللهِ ما بُعثوا ** لقتلِ نفسٍ ولا جاؤوا لسفكِ دمِ

جهلٌ وتضليلُ أحلامٍ وسفسطةٌ ** فتحتَ بالسيفِ بعدَ الفتحِ بالقلمِ

قال رفاعي سرور رحمه الله: “اعتبار القوة وسيلةً؛ ليس فيه تجاوزٌ على وسيلة الإقناع بالكلمة”.

قال محمد رشيد رضا رحمه الله: “كن قويًّا بالحق؛ يعرف لك حقَّك كلُّ أحدٍ”.

إن الذين قالوا لموسى وقعدوا: “فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَآ”؛ خيرٌ ممن جاء بعدهم فقعد قعودهم وضل عن القتال سبيلًا؛ إنهم -على سوء أدبهم مع الله ورسوله- كانوا بُصراء بالمخرج، لم يُلبسوا جبنهم فلسفةً.

ما كان دواء داء طغيان الجبارين في الأرض قطُّ؛ إلا الجهاد، ولا يكون إلى يوم القيامة إلا كذلك، سنة الله في الحرب التي لا تتبدل ولا تتحول، ألا من عجز عن الجهاد عملًا؛ فلا يَضل ويُضل عنه نظرًا.

والحقُّ ليسَ وإنْ علا بمؤيَّدٍ ** حتى يُحوِّطَ جانبَيهِ حسامُ

“وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا”؛ قال قتادة رحمه الله: “إن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- علم ألا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطانٍ؛ فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب الله، ولحدود الله، ولفرائض الله، ولإقامة دين الله؛ فإن السلطان رحمةٌ من الله جعله بين أظهُر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعضٍ؛ فأكل شديدُهم ضعيفَهم”.

والبيتُ لا يُبتنى إلا لهُ عُمُدٌ ** ولا عمادَ إذا لمْ تُرْسَ أوتادُ

فإنْ تجمَّعَ أوتادٌ وأعمدةٌ ** وساكنٌ بلغوا الأمرَ الذي كادوا

لا يصلحُ الناسُ فوضى لا سَرَاةَ لهمْ ** ولا سَرَاةَ إذا جُهَّالُهمْ سادوا

إن سورة “اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ”؛ هي سورة “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ”؛ فمن دعا إلى هذه وصد عن تلك؛ لم يكُ إلا كافرًا بهما جميعًا، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلمٌ.

قال الغزالي رحمه الله: “والمُلك والدين توأمان؛ فالدين أصلٌ، والسلطان حارسٌ، وما لا أصل له فمهدومٌ، وما لا حارس له فضائعٌ”.

وما هوَ إلا الوحيُ أوْ حدُّ مُرْهَفٍ ** تُميلُ ظُباهُ أَخْدَعَيْ كلِّ مائلِ

فهذا دواءُ الداءِ منْ كلِّ عالمٍ ** وهذا دواءُ الداءِ منْ كلِّ جاهلِ

قال علي الطنطاوي رحمه الله: “سنة الله في هذه الدنيا أن الحق إن لم تكن معه القوة؛ سطا عليه الباطل حينًا، وللباطل جولةٌ ثم يضمحل، ونحن لما تركنا سنة الله ولم نَحْمِ حقنا بقوتنا؛ كان ما كان”.

والحقُّ والسيفُ منْ طبعٍ ومنْ نسبٍ ** كلاهما يتلقَّى الخَطْبَ عُريانا

قال عبد العزيز الطريفي فك الله أسره وأمكن من الكفرة آسريه: “الحق بلا قوةٍ ضعفٌ، والقوة بلا حقٍّ ظلمٌ، وإذا اجتمع الحق والقوة تحقق العدل”.

سُقنا الأدلةَ كالصباحِ لهمْ فما ** أغنتْ عنِ الحقِّ الصُّراحِ فتيلا

منْ يستدلَّ على الحقوقِ فلنْ يرى ** مثلَ الحُسام على الحقوقِ دليلا

إِنْ صُمَّتِ الآذانُ لنْ تسمعْ سوى ** قصفِ المدافعِ منطقًا معقولا

لغةُ الخصومِ منَ الرُّجومِ حروفُها ** فليقرؤوا منها الغَداةَ فصولا

لما أبَوا أنْ يفهموا إلا بها ** رُحْنَا نرتلها لهمْ ترتيلا

أدَّتْ رسالتَها المنابرُ وانبرى ** حدُّ السلاحِ بدَورهِ ليقولا

قال عتبة بن أبي سفيان رحمه الله: “اعرفوا الحق تعرفوا السيف؛ فإنكم الحاملون له حيث وضعُه أفضل، والواصفون له حيث عملُه أعدل”.

قديمًا؛ قبل أن يفترق القرطاس والسيف؛ كانا على الحق أخوَين حميمَين، متساندَين لا متعاندَين، كان القرطاسُ صفحةَ السيف، وكان السيفُ ريشةَ القرطاس، لا يضرب السيفُ إلا بنور القرطاس، ولا يُسْطَرُ القرطاسُ إلا بظل السيف، أجلْ لم يقلِّد رسولُ الله أبا هريرة سيفَ خالدٍ، ولم يناول خالدًا قرطاسَ أبي هريرة؛ لكنه علَّم الشيخ صَفَّ قدميه في الجُند؛ حين يَثني القائدُ ركبتيه في الحلَقة.

قال: فأنت كالذي يقول: لا يُدفع عن الإسلام وأهله ضرٌّ ولا يُجلب إليهما نفعٌ؛ إلا بالسيف! قلت: من زعم أن مجد الأمة موقوفٌ على القتال؛ فقد ضل وأضل، والجهاد أعمُّ من القتال، وأعظمُه البيان بالوحي؛ وهو المُوَطِّئ للقتال ابتداءً، والمُظِلُّ لحركته أثناءً، والحافظ لثمراته انتهاءً، وإنما السيف خادم الوحي وغلامه، لا يُسَكِّن متحركًا ولا يحرِّك ساكنًا إلا بإذن سيده ومولاه، وكلٌّ من عند الله.

“فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا”، “يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ”، بالقرآن وبالسيف أمر الله رسوله بجهاد الكافرين؛ لا يفرق بينهما إلا أصَمُّ عن القرآن أعمى.

التمكين درجتان؛ درجةٌ دنيا ودرجةٌ قُصْوى؛ تمكين مِنَّةٍ وإزاحةٍ واختبارٍ هو الذي في الأعراف والقَصص، وتمكين غلبةٍ وإحلالٍ واقتدارٍ هو الذي في الحج والنور، الأول يكون من الله مَنًّا على عباده المستضعفين -كلَّ انسدادٍ تامٍّ في شرايين الحياة- يبتليهم بسعته بعد ضيقهم لينظر كيف يعملون، والثاني جعل الله له جُملتين من الأسباب عرَّفها أُولي العلم والنُّهى؛ جُملة أسبابٍ كَسْبيةٍ بشريةٍ، وجُملة أسبابٍ وَهْبيةٍ ربانيةٍ، وقد يستوفي المؤمنون الجُملة الأولى بتوفيق الله ثم لا تصيبهم الثانية بحكمة الله فلا يُمكَّن لهم، وقد يستوفونها -أو يقاربون- فتصيبهم برحمة الله فيُمكَّن لهم، ولا يكون ‍التمكين الأعلى حتى يكون الأدنى، وبين الأدنى والأعلى ما شاء الله من درجاتٍ في أزمانٍ على أحوالٍ بأسبابٍ شَتَّى.

قال: يرحمك الله؛ فهل التمكين غايةٌ أم وسيلةٌ؟ أعني العمل لإقامة حاكمية الإسلام وحكمه.

قلت: ورحمك ورحم بك حبيبي؛ التمكين غايةٌ لما قبله، ووسيلةٌ إلى ما بعده؛ ألم تر إلى ربك كيف قال: “الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ”! فجعله وسيلةً لإقامة الإسلام بأقصى درجةٍ في أعمِّ مساحةٍ، وما كان كذلك فهو غايةٌ لما قبله؛ فتبصَّر.

يا حبيبي؛ قد ضل في هذه المسألة -من الإسلاميين- طائفتان؛ طائفةٌ جعلت قصدها وأقوالها وأعمالها في سبيل ذلك وحده؛ حتى فرَّطت في عقائدَ وشرائعَ ومعاملاتٍ تفريطًا شنيعًا، وإنما جُعل التمكين لإقامة الدين؛ فكيف يُتوصَّل إليه بما يُحادُّه ويُشاقُّه! وطائفةٌ عصف بنفوسها متواتر الهزائم؛ حتى انفسخ في قلوبها ماضي العزائم، فباتوا لمعنى التمكين الدعوي الجهادي السياسي منكرين، ويقرِّرون في ذلك تقريرات العلمانيين نفسَها في تبعيض الإسلام وتَعْضِيَة عقائده وشرائعه؛ غير أن هؤلاء أشد جنايةً على الإسلام وأهله؛ لما يُعرَفون به في الناس من الانتساب إلى الحق؛ فالقصدَ بين الطائفتين تُهدَى.

يا حبيبي؛ إياك وصراط المقتسمين؛ “الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ”، فقالوا: “نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍٍ”، ولقد ورث هؤلاء اليوم طائفةٌ أقلُّ منهم شرفًا بانتسابهم إلى الإسلام ودعوتهم إليه وقد جعلوه أحاديثَ ومزقوه كلَّ ممزقٍ؛ ففرَّقوا -جهلًا- بين جوانب الإسلام في النظر، وعارضوا -ظلمًا- بين نواحيه في العمل، جعلوا لله مما أنزل من الشرائع والأحكام نصيبًا؛ فقالوا: “الصراع السلطوي” للجاهلين الحماسيين الفارغين بزعمهم، وتبيين الوحي شرائعَ ومقاصدَ لأمثالنا؛ فما كان لغيرهم شنَّعوه بتصريحاتٍ وتلميحاتٍ وبشَّعوه، وما كان لهم فحِمًى عزيزٌ حَرِيزٌ مصونٌ، لأشباههم وما ملكتْ شمائلُهم كهنوتٌ مكنونٌ، وعمَّن خالفهم محظورٌ مجذوذٌ ممنونٌ؛ ألا ساء ما يحكمون.

يا حبيبي؛ إن العلم بالوحي هو العلم؛ بصائرُ الله الحافظاتُ عبادَه؛ لكنَّ طالب علمٍ لا ينازل الجاهلية ولدٌ لها وإن ادَّعى لغيرها، وغاية علمه أن يُعَمَّمَ جاهلًا بالله، مهما فاق في فنونه طُولًا ومَهَرَ عَرضًا، وإن النسك هو النسك؛ حكمة الحق من الخلق، لكنَّ استدبار العابدين مقارعة الكافرين صلواتٌ في محاريب الشياطين، وشيوخه دجالون، وإن طالت لحاهم إلى السُّرر، وقصُرت قُمُصُهم إلى الرُّكب، وإن الإصلاح هو الإصلاح؛ قِبلة رسالات السماء؛ لكنه بإذنٍ من فرعون خرابُ الأرض، وكلُّ ناقةٍ لا تكيد الجاهلية لعقرها فليست بناقة “صالحٍ”، وإن نعق في الناس: إني رسولٌ من رب العالمين.

وقالَ اللهُ قدْ أرسلتُ عبدًا ** يقولُ الحقَّ إنْ نفعَ البلاءُ

وقالَ اللهُ قدْ سيَّرتُ جندًا ** همُ الأنصارُ عُرضَتُها اللقاءُ

“وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ ۖ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا”؛ لولا قراءة أصحاب محمدٍ -صلى الله عليه ورضي عنهم- وحي الله بيِّنًا تامًّا على أعدائهم؛ ما سعوا في البطش بهم، ولو كتموا ونقصوا -يومئذٍ- لتركوهم، فأما اليوم فقد رضي الطواغيت بجماعاتٍ من المسلمين! تقرأ القرآن على الناس .. لكنْ غير بيٍّن وغير تامٍّ؛ فلتقرؤنَّ القرآن كله على طواغيت الزمان جميعهم لا تستثنون منه ما يغيظهم؛ أو لتدخلنَّ في دين الطواغيت وأنتم لا تشعرون.

يا معشر من أسند ظهره إلى الإسلام جميعًا يبتغي به عز الدنيا ونجاة الآخرة؛ لا تُزَيِّلوا بين قوة حقه وحق قوته مثقال ذرةٍ فما دونها، سلفيين وأشاعرة وصوفيةً وسواكم؛ إلا تأخذوا الكتاب بقوةٍ جميعًا يعاقبكم الله بما عاقب به أسلافكم المفرِّقة؛ “فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ”؛ الجزاء من جنس العمل؛ فرق أولئك بين آيات الله ففرق بينهم، وعطل أكثركم الجهاد نظرًا أو عملًا؛ فجعل الله شقاقكم بينكم وقاتل بعضكم بعضًا؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ومتى جاهدت الأمة عدوها؛ ألَّف الله بين قلوبها، وإن تركت الجهاد شَغل بعضَها ببعضٍ”.

بالتعليقات بضعة عشر منشورًا أرجو الله بهن تمام المرام؛ واغوثاه رباه من التفريق بين كتابك؛ أن نستقبل ما يريحنا ونستدبر ما يتعبنا؛ فتحقَّ علينا كلمتك في المفرقين، واغفر لنا وثبتنا أجمعين.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. أعجبتني امرأةٌ نصرانيةٌ وأريد

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

أعجبتني امرأةٌ نصرانيةٌ وأريد الزواج بها؛ بيِّن لي الذي هو أولى في أمري.

يا حبيبي؛ نكاحك المسلمة خيرٌ لك ألف مرةٍ من نكاح الكافرة، فإن كنت ولا بد فاعلًا فدونك هذا:

يجوز (مع الكراهة) لك الزواج من كتابيةٍ دون غيرها من المشركات؛ بهذه الشروط:

– أن تكون كتابيةً حقًّا؛ لا ملحدةً إلحادًا نظريًّا أو عمليًّا كما هو شائعٌ في كثيرٍ منهم.

– أن تكون محصَنةً عفيفةً.

– ألا تكون محاربةً؛ وتثبت الحربية بالقول وبالفعل وبالمناصرة.

– أن تنكحها على شروط النكاح الشرعية وأركانه.

– أن يغلب على ظنك الأمان من الفتنة بها في الدين، والضرر بها في النفس والمعاش.

– أن تتيقن قدرتك على تربية أبنائك منها على عقائد التوحيد وشرائعه وآدابه.

– ألا تأتي شيئًا من أعمال الكفر في بيتك وأنت شاهدٌ.

– ألا يكون زواجك بها في ظل قوانين تُلحق أبناءكما بها من دونك.

– ألا تمنعك قوانين بلادها من مباحٍ كالتعدد وغيره، أو تفرض عليك في شأنها حرامًا.

ذلك؛ وقد ذهب بعض الصحابة إلى المنع منه، وجمهورهم على جوازه مع الكراهية، والله أعلم.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. ادع الله أن تكون

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

ادع الله أن تكون فلانةٌ زوجًا لي؛ قد بِتُّ لا أتصور عيشتي بدونها، إني أذوق الموت.

يا حبيبي؛ الله أعلم بسَعدك أين يكون؛ أسأله -علا وتعالى- بأسمائه الحسنى كلِّها وصفاته المُثلى جميعِها؛ إن علم نكاحَكما خيرًا لكما في عاجل الأمر وآجله؛ أن ييسِّر لكما عسيرَه، وأن يقرِّب إليكما بعيدَه، وأن يفتح عليكما مُغَلَّقَه، وأن يجمع عندكما مُفَرَّقَه؛ إن ربنا أحَنُّ الجامعين وأمَنُّ الواصلين.

يا حبيبي؛ أشتهي لروحك السكينة بالسكن إلى من تحب، ولعينك القُرَّة بوصل من تهوى؛ لكني أُكْبرك رجلًا مسلمًا بسط الله له في تكاليف الإيمان والنفس والناس والحياة؛ أن تشد خيوط نفسك كلَّها إلى شيءٍ واحدٍ أو معنًى واحدٍ أو إنسانٍ واحدٍ؛ فتقعد دون معالي معاشك ومعادك ملومًا محسورًا؛ سلَّمك الله.

يا حبيبي؛ لقد أراك دلَّلت قلبك حتى دال من رِيَاشِ الحب وأفراحه إلى إملاق العشق وأتراحه؛ وغشَّيت بصيرته بتراكُب خيالاتٍ وإراداتٍ وتراكُم أقوالٍ وأفعالٍ؛ فأثابك كلالةً في بصرك حتى بِتَّ لا تتصور عيشتك بدون امرأةٍ! وتلك مصارع الرجال؛ زوَّجك الله بالتي تهوى؛ غيرَ مفتتحٍ حياتك بالموت.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. قالت: يختصني أهل بيتي

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

قالت: يختصني أهل بيتي بقضاء حوائجهم داخلَ البيت وخارجَه دون أختي؛ وهي قاعدةٌ لا تبالي.

قلت: بل هو اختصاص الله إياكِ لا اختصاص أهلكِ؛ لو كان بصركِ حديدًا؛ “يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ”، “ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ”، “اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ”، “اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ”، “ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ”، “وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ”، “وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ”، “نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ”، “وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ”، “وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ”.

إن عبدًا يختصه الله بقضاء حوائج عباده قد أعلاه إلى كرامته، وعرَّضه في الدنيا والآخرة وبرزخٍ بينهما إلى أعظم أسباب رحمته؛ كيف بمن فتح الله له من ذلك في والدَيه وإخوته! إنْ هو إلا عبدٌ أراد الله تكفير سيئاته وزيادة حسناته ورفعة درجاته، وهل يميل الناس في حوائجهم إلا على من امتحنوا مروءته، واختبروا أُرُومته؛ فإذا هو جميل الحقيقة، نبيل الخليقة، مأمون الغوائل، موفور النوائل!

“يا ابن آدم؛ استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب؛ وكيف أطعمك وأنت رب العالمين! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلانٌ فلم تطعمه؛ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم؛ استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب؛ كيف أسقيك وأنت رب العالمين! قال: استسقاك عبدي فلانٌ فلم تسقه؛ أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي”؛ إنني لا أتخايل ساكنًا بقى فيكِ الآن إذ تقرئين!

هل أتاكِ حديث القيامة! تكوير الشمس وخسْف القمر وبعثرة الكواكب وانكدار النجوم، قبْض الأرض ودكُّها ومدُّها وتَخلِّيها وزلزالها، طَيُّ السماوات وانشقاقها ومورانها وانفطارها، تسيير الجبال ونسْفها، تعطيل العِشار وحشْر الوحوش وسؤال المؤودة، تفجير البحار وتسجيرها، نفْخ الصور فإذا الخلائق يفزعون، ثم نفْخه فيموت منهم من شاء الله، ثم نفْخه فإذا هم قيامٌ ينظرون، ثم حُفاةً عُراةً غُرْلًا إلى الحق يُحشرون، ثم يُجمعون، ثم العرض، ثم الحساب، ثم يُجاء بكتاب الأعمال، ثم الشهود من الملائكة الأبرار، والأسماع والأبصار، والجلود والأبشار، ثم تطايُر الكتب ونشْر الصحف، ثم نصْب الموازين، ثم انصراف الناس إلى ظُلمةٍ دون الصراط، ثم الصراط وما أدراكِ ما الصراط! ثم القنطرة بين الجنة والنار للقِصاص بين أهل الجنة في المظالم، أو الهاوية وأهوالها؛ أحوالُنا -في كل ذلك- أعمالُنا.

لئن اقشعرَّ جلدكِ من تصور عظائم الواقعة هذه؛ فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُليِّنه لكِ بيمينه تاليًا عليه وُعُودَ الله؛ “من نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرب الدنيا؛ نفَّس الله عنه كربةً من كُرب يوم القيامة، ومن يسر على معسرٍ؛ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا؛ ستره الله في الدنيا والآخرة”، “ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى أثبتها له؛ أثبت الله -عزَّ وجلَّ- قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام”، “صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والمهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة”؛ تلك آثار قضائكِ حوائجَ أهلِ بيتكِ والناسِ في يوم حاجاتكِ الكبرى.

إنكِ إذ تقضين لأهلكِ حوائجهم؛ تفعلين لهم ما يحبون ولا يقدرون على فعله، سواءٌ ما لا يقدرون عليه كلًّا أو جزءًا، وحقيقةً أو حُكمًا، وضرورياتٍ أو حاجِيَّاتٍ أو تحسينيَّاتٍ، وإذا كان “الجزاء من جنس العمل” قانونًا لله لا يتحول؛ فإن الله يفعل لكِ يوم القيامة ما تحبين ولا تقدرين على فعله جزاءً وفاقًا؛ لكن المسافة بين قضائكِ حوائجَ أهلكِ في الدنيا وقضاء الله حوائجَكِ يوم القيامة؛ هي المسافة بينكِ وبين الله؛ فعلُكِ على قدركِ وفعلُ الله على قدره، والمسافة بين الدنيا والآخرة هي المسافة بين الجنة والنار.

“أحبُّ الأعمال إلى الله سرورٌ تُدخله على مسلمٍ، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ لي في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد -مسجد النبي- شهرًا”؛ قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما يشتهي إنسانٌ يعلم أنه خُلق -بعد إذ لم يكن شيئًا مذكورًا- لعبادة الله؛ فوق هذا من الرضا! وهل فردوس العبادة الأعلى إلا محبة الله! فهذا الله الذي تريدين وجهه يدلُّكِ على مَحابِّه مُرَتَّبَةً؛ فأنَّى تحارين! معه قوله -صلى الله عليه وسلم- الآخر؛ “صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه”؛ ليأتي على بنيان فقهنا المقلوب من القواعد، مشيكِ المُجرَّد في قضاء حاجةٍ واحدةٍ لعبدٍ واحدٍ من عباد الله؛ خيرٌ لكِ من مئةٍ وخمسين ألف صلاةٍ وزيادةِ الاعتكاف وأعماله! كيف سعيكِ لا مشيكِ .. لأهلكِ لا لغيرِهم .. في حاجاتٍ لا حاجةٍ واحدةٍ!

“بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاحبه خبَّاب بن الأَرَتِّ في سريةٍ، قالت ابنته -رضي الله عنهما-: فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعاهدنا حتى يحلب عنزةً لنا في جَفنةٍ لنا، فتمتلئ حتى تفيض”؛ يا رب؛ أنت شهيدٌ الآن مَحِلِّي من الضعف ومنزلي من العجز، لا يُسعفني قاموس المعاني والبديع والبيان؛ لنعت ما أوليتَ رسولك فينا من التَّحْنان؛ فأعتذر بالصلاة عليه منك والسلام.

يا أمَة الله وهنيئًا لكِ الكرامة؛ إن لقضاء الحوائج صورةً وحقيقةً، فأما الصورة فجهدكِ المبذول فيها ظاهرًا وتلك درجة العامة، وأما الحقيقة فما أَولى اللهُ نفوسَ الخاصة فيها من منازل الصدق والإخلاص والنُّبل والمروءة؛ قال ابن شبرمة رحمه الله: “إذا طلبت من أخيك حاجةً فلم يُجهد نفسه في قضائها؛ فتوضأ وضوءك للصلاة، وكبِّر عليه أربع تكبيراتٍ، وعُدَّه في الموتى”، وقال حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه: “ما أصبحتُ وليس ببابي صاحبُ حاجةٍ؛ إلا علمتُ أنها من المصائب التي أسأل الله الأجرَ عليها”، وقال عبد الله بن جعفر رحمه الله: “ليس الجواد الذي يعطيك بعد المسألة؛ ولكن الجواد الذي يبتدئ؛ لأن ما يبذله إليك من وجهه أشد عليه مما يُعطَى عليه”، وقال مُطَرِّفُ بن عبد الله -رحمه الله- لصاحبٍ له: “إذا كانت لك إليَّ حاجةٌ؛ فلا تكلمني فيها؛ ولكن اكتبها في رقعةٍ، ثم ارفعها إليَّ؛ فإني أكره أن أرى في وجهك ذل المسألة”، وقال محمد بن المنكدر رحمه الله: “لم يبق من لذة الدنيا؛ إلا قضاء حوائج الإخوان”؛ تلك الحقيقة المليئة لهذه العبادة لا صورتها الفقيرة، وأولئك أهلها الصِّدِّيقون.

“من كان في حاجة أخيه؛ كان الله في حاجته”، “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”؛ الله في حاجتكِ! الله في عونكِ! الله الذي هو الله! الله ذاتًا وأسماءً وصفاتٍ وأقوالًا وأفعالًا! الله بكل ما له من الصمدية في نفسه كمالًا في سُؤدُدِه وعظمته وكبريائه! الله بجميع ما قام بذاته من صفات الجلال ونعوت الجمال! الله الذي ليس كمثله شيءٌ ولم يكن له كفؤًا أحدٌ! الله ربًّا إلهًا في حاجتكِ أنتِ وعونكِ! أنتِ من أنتِ! ضعفًا وفقرًا وكُنودًا وآثامًا! فتالله ما بين معروفكِ إلى عباد الله -مهما جَلَّ باطنًا وجَمَّ ظاهرًا- وبين هذه الإثابة العظيمة؛ نسبةٌ ولا صلةٌ؛ إلا رحمةً من خير الشاكرين وفضلًا كبيرًا.

لقد أُحاذر عليكِ إن أنتِ أكثرتِ التبرم بهذه الوسيلة الفضيلة إلى الله؛ أن يجعلها -عليمًا حكيمًا- في غيركِ من أهلكِ؛ ولقد أتانا عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في ذلك: “إن لله عبادًا اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يُقرُّهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحوَّلها إلى غيرهم”؛ كأني بكِ الساعةَ تقولين: اللهم إني أعوذ بك من زوال اجتبائك، وتحوُّل اصطفائك، أستغفرك أستغفرك.

قالت: فما بالي أنشط إلى قضاء حوائج غيرِ أهلي ما لا أنشط لأهلي لا كالَّةً ولا مالَّةً! قلت: لهذا سببان نظريٌّ وعمليٌّ؛ فأما النظري فضعف تصور هذه العبادة حقيقةً في نفسها وجزاءً في الدُّور الثلاثة عليها، ومن ضعُف تصوره لعبادةٍ؛ ضعُف نشاطه إليها واحتسابه فيها، ودواؤه ما أرجو في حرفي هذا من بركات الله، وأما العملي فجُملة التنازعات بين الأسرة الواحدة بطول الاختلاط وشدته، ودواؤه قصْد وجه الله، والوفاء للأهل بترجيح فضائلهم، وشهود الافتقار إلى ثواب الله في الدنيا والآخرة.

إنكِ إذ تتقلَّبين في نعماء خدمة أهلكِ؛ تتخلَّقين بصفةٍ من صفات جمال ربكِ، الرأفة والرحمة والبر والرفق والوَهْب والكرم والتودد والحنان، وهاهنا مكافأتان؛ أولاهما: أن من تخلَّق بصفةٍ من صفات ربه السائغ له التخلُّق بها؛ أدخله الله منها عليه، وقرَّبه بسبيلها إليه، قال ابن القيم رحمه الله: “وهذا شأن أسمائه الحسنى؛ أحبُّ خلقه إليه من اتصف بموجبها، وأبغضُهم إليه من اتصف بأضدادها”، الثانية: ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الله تعالى لعبده على حسب ما يكون العبد لخلقه”.

لقد شهدت في حياتي من حَلَفَ توفيقُ الله أن يحالفه في عامة أقواله وأفعاله وأحواله؛ فإذا من وراء ذلك روائعُ بدائعِ قضاء حوائج الناس، وإذا الشأن قديمٌ -قبل شهودي- يوم حلفت أمنا خديجة -رضي الله عنها- لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلا مَثْنَويةٍ: “كلا والله؛ لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصِل الرحم، وتَصْدُق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتَقْري الضيف، وتعين على نوائب الحق”، فبَرَّ الله يمينها في رسوله وفي كل مُؤْتَسٍ به إلى يوم القيامة، وشهدت من لا تصرعه البلايا وإن أصابت من نفسه أو حِسِّه قليلًا أو كثيرًا؛ فإذا هو ملفوفٌ محفوفٌ بسنة الله؛ “صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متكأً”.

الآن تقول سائلتي: أي شيءٍ بيني وبين إلهي؛ حتى فضَّلني على غيري، واصطفاني على سِوائي!

#في_حياة_بيوت_المسلمين. عاهدت امرأتي ألا أقترف

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

عاهدت امرأتي ألا أقترف إثمًا معيَّنًا، ثم غلبتني نفسي عليه؛ أرشدني ما أقول لها يرحمك الله!

يا حبيبي وبُسِطَ لك في عقلك كما بُسِطَ في قلبك؛ لو علمتُ امرأتَك إلهًا يُتاب إليه؛ لسبقتك إليها هرولةً بالمتاب! قبَّح الله من وَسَمَ هذا في الحب جمالًا؛ إنما التوبة إلى لله وحده، لا إلى شيخٍ ولا إلى والدٍ ولا إلى والدةٍ ولا إلى زوجٍ ولا إلى أحدٍ في العالمين، لوجهه يُعترف بالذنوب، وبين يديه يُباء بالآثام.

إن للتوبة قوةً برأها الله في قلوب عباده، وجعل مجراها إليه فطرةً بغير كُلفةٍ، فما انصرف منها من شيءٍ إلى غيره لم يصل إليه، وإذًا لا تكون التوبة عنده نصوحًا، وإنه لا يباح ذكر شيءٍ من الذنوب إلا لعالمٍ بالله ابتغاءَ دلالةٍ على حُكمه؛ يدنو فيستركم، ويحنو فيجبركم، ولا يُفَصَّل له القول تفصيلًا.

لقد رضينا من الدهر بضلال عتيق الحب في صحراء الأفورة، فأما التدين بالاعتراف لغير الله بالخطايا فلَوْثَةٌ كَنَسِيَّةٌ وفرفرةٌ؛ إنْ هو إلا هتكٌ لسترٍ تصدَّق الله بإسباغه عليك، ومجاهرةٌ بمعصيةٍ قد أحسن الله بمواراتها إليك، وشِركٌ خفيٌّ مع الله في عبادةٍ تفرَّد بها، وهَبَلٌ جليٌّ في تسلُّط امرأتك تقدِّمه لها.

“إن العباد يُعيِّرون ولا يُغيِّرون، والله تعالى يُغيِّر ولا يُعيِّر”؛ عن عائشة أكمل المُحبات حبًّا.