قدْ كانَ ما خِفتُ أنْ

قدْ كانَ ما خِفتُ أنْ يكونا ** إنا إلى اللهِ راجعونا

لا إله إلا الله الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون.

“الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ”؛ رضينا.

مخلصين للإله الدعاء؛ ادعوه حبًّا وطمعًا لهذه المرأة؛ إن كنتم تحبونني كما أحبكم.

ماتت الحبيبة الغالية الطيبة الكريمة الصابرة على أنواع البلايا؛ زوجُ خالي الشيخ الأسير الكبير أبي إسلام أحمد عبد الله؛ رحمها الله، وأخرجه من السجن، ولطف بأهل بيت خالي شاهدهم والغائبين.

سُجن خالي فصبرت واحتسبت، وهاجر بعض أولادها فرارًا من الطاغوت فصبرت واحتسبت، ثم مرضت مرضًا طويلًا شديدًا فصبرت واحتسبت، ثم صعدت روحها اليوم إلى الله؛ فلا إله إلا الله.

كنت أحبها قريبًا من محبتي أمي، وكانت تحبني قريبًا من محبتها أبناءها، وكنت إذا كلمتها -قبل اشتداد أسقامها- دعوت لها وأثنيت على صبرها خيرًا، فتبَهج بالوداد والوصال وتثيبني بدعائها فأرضى.

عاجزةٌ أناملي عن رثائك -يا خالة- بما تستحقين فاغفري لي؛ لكن قلبي وربي مبينٌ مبينٌ، عسى أن يكون ما لك عند من توفاك خبيرًا بضعفك وافتقارك؛ أطيب وأوفى مما كان لك عندنا، اللهم اللهم.

ما أشقَّ البلوى على فؤادك في محبسك يا خالي! تالله لقد كان الذي بينكما من المودة والرحمة شيئًا عجبًا، كأني بك الساعة وقد انفطر كبدك، وكنت أشتهي أن تُعافى قبل موتها؛ لكن ربكما أرحم وأعلم.

اللهم هذه أمَتُك الكبيرة الفقيرة؛ قد أخرجتها من الدنيا في ثوبٍ من عطايا البلايا كسوتها به قبل لقائك سنين عددًا؛ فأدخلها اليوم أول منازل الآخرة في ثوبٍ من نسيج مغفرتك ورحمتك لا تَعْرَى بعده.

إنما الخاسرون الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة؛ فأما هنا فمن لم يمت قبلنا متنا قبله؛ واغوثاه رباه! اجمع بينها وبين زوجها وأحبابها في جوارك الأكرم حيث لا يحُول نعيمُك الحقُّ ولا يزول.

يا من لا تنفعه طاعة من أطاعه وإن جلَّت كما لا تضره معصية من عصاه وإن جمَّت؛ اقبل منها ما لا ينفعك وإن كان يسيرًا، واغفر لها ما لا يضرك وإن كان كثيرًا، إنا نحسن الظن برحمتك إحسانًا.

ربِّ إني أثق بلطفك ثقةً لا حدود لها؛ الطف بقلب خالي المسكين حيث اخترت له مكانه وزمانه حين يبلغه خبرُها، وأفرغ عليه صبرًا جميلًا، واجعل قدَر قبض روحها بسطًا في حريته فينجو قريبًا.

يا أهل بيت خالي شاهدهم وغائبهم؛ ما كان أحدٌ أولى مني بمشاركتكم المصابَ كله حتى ينقضي، هاتان يداي ترتفعان إلى الله بالدعاء لها وقد عجزتا عن حمل نعشها الكريم؛ اصبروا أحبتي واحتسبوا.

يا أشِقَّاء نفسي؛ لن ينفع والدتكم في برزخها طويل الحزن وشديده، لقد انقطع عملها إلا من ثلاثٍ هي أفقر ما تكون إليها حالًا؛ فاصرفوا أوجاعكم فيما يحطُّ عنها خطاياها ويصِلُها بخيرٍ مما انقطع عنها.

يا حبيبتنا؛ ربي يرى عَبراتي مسكوبةً على فراقك الأليم، ولو لم أكن بقضائه مؤمنًا وحكمته موقنًا لسخطت على غربةٍ حالت بيني وبين الوفاء لك في آخر عهدك هنا؛ لكن سأعمل صالحًا لألقاك هناك.

قال: أشتهي مرضًا يقهرني بنفسه

قال: أشتهي مرضًا يقهرني بنفسه على ترك ذنبٍ أشقاني؛ بعدما خارت قُوَى نفسي.

اللهم هذا عبدك قد بلغ حبُّك في قلبه اشتهاءَ مرضٍ زاجرٍ يردَعُه عما تكره، يَمْقُت عصيانك وإن غلبته نفسُه وهزمه شيطانُه وصرعه هواه؛ حتى آثر ضِيق سَقَمٍ يقرِّبه منك على سَعة صحةٍ تبعده عنك.

اللهم لو شئتَ جعلت مصيبته في محبتك فذهبت بها؛ لكن سبقت رحمتُك غضبَك وغلب حِلمُك مؤاخذتَك فلم تفعل ولك الحمد؛ فبحق رحمتك وحِلمك وما بينهما من جمالٍ في نفسك؛ إلا أغثتَه.

اللهم بصِّره بأسباب غفرانك ورضوانك، وأعنه عليها، واحفظه بينها ما أبقيته، وأنزل على أرض قلبه التي أجدَبَت -إلا من رجائك- ماءَ متابِك؛ فإذا أصابها اهتزَّت ورَبَت وأنبتت من كل قُرْبٍ بهيجٍ.

يا حبيبي؛ أَولى لك اشتهاءُ رأفة الله المنقذة من اشتهاء علَّةٍ مكرِهةٍ فأَولى، ثم أَولى لك اشتهاءُ رحمة الله المُسْعِفة من اشتهاء داءٍ مخضِعٍ فأَولى؛ ما أوسع رحمة الله عند عارفيها وما أدناها من طالبيها!

تعالَوا للبكاء. “وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي

تعالَوا للبكاء.

“وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ”.

“وأنا آخُذ بحُجُزِكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدَي”.

لا والله؛ لا يبقى قلب محبٍّ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ هاتين؛ إلا كاد أن يطير.

أما الآية في غزوة أحدٍ؛ فيقول فيها ابن عباسٍ رضي الله عنهما: كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- يناديهم من خلفهم: “إليَّ عبادَ الله ارجعوا، إليَّ عبادَ الله ارجعوا”؛ يا محب رسول الله؛ أحسن تصوُّر حبيبك ماشيًا خلف أصحابه -متفرقين- وحاله حالٌ، يناديهم إلى رضوان الله أن يجتمعوا على سببه الأكبر، وليس له بهم حاجةٌ وربُّه حسْبُه؛ لكنها رحمة فؤاده الرؤوف، يحاذر عليهم فَوَاتَ الجنة.

وأما الحديث فأوله: “مَثلي ومَثلكم كمثل رجلٍ أوقد نارًا، فجعل الفَراش والجَنادِب يقَعْن فيها، وهو يذُبُّهن عنها، وأنا آخُذ بحُجُزِكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدَي”؛ هم المختارون اقتحامَ النار بإيثار معاصيهم على طاعات الله، المستدبرون وجهَ الرسول مستقبلين وجوهَ أهوائهم ودنياهم والشياطين، وهو -مع ذلك- يأخذ بمعاقد سراويلهم التي يصعب عليهم إذا شُدُّوا منها أن يفلتوا؛ لكنهم يفلتون.

واخجلاه من قلبك يا رسول الله! ما أعظم الشُّقَّة بين تمام محبتك لنا، ونقصان محبتنا إياك!

ربِّ ابسُط لقلبي في العلم به؛ حتى أحبه كما ينبغي له.

لبَّيْكاه حبيب الله؛ عزمًا على حبك.

إخوانُك نحن.

يا معشر من أحبَّ الله

يا معشر من أحبَّ الله وهم لمعصيته -إذا غُلِبوا عليها- كارهون؛ هلُمُّوا.

هذا أثرٌ مرويٌّ عن رب العزة تبارك، لا يدَع فؤاد عبدٍ يتألَّه اللهَ إلا أوجَع منه كل شيءٍ.

بك اللهم نتلو ما يُروى عنك خاشعين: “أيؤمَّل غيري للشدائد؛ والشدائد بيدي وأنا الحي القيوم! ويُرجَى غيري ويُطرَق بابُه بالبُكُرات؛ وبيدي مفاتيح الخزائن وبابي مفتوحٌ عند دعائي! من ذا الذي أمَّلني لنائبةٍ فقطَعْته! أو من ذا الذي رجاني لعظيمٍ فقطَعْت رجاءه! أو من ذا الذي طرق بابي فلم أفتحه له! أنا غاية الآمال كيف تنقطع الآمال دوني! أبخيلٌ أنا فيُبَخِّلني عبدي! أليس الدنيا والآخرة والكرم والفضل كله لي! ﻓﻤﺎ ﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻤﺆﻣِّﻠﻴﻦ ﺃﻥ ﻳﺆﻣِّﻠﻮﻧﻲ؛ ﻭﻟﻮ ﺟَﻤﻌﺖ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻷﺭﺽ ﺛﻢ ﺃﻋﻄﻴﺖ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎ ﺃﻋﻄﻴﺖ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻭﺑﻠَّﻐﺖ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻣﻠﻪ؛ ﻟﻢ ﻳﻨﻘﺺ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻠﻜﻲ ﻣﺜﻘﺎﻝ ﺫﺭﺓٍ! ﻭﻛﻴﻒ ﻳﻨﻘﺺ ﻣُﻠﻚٌ ﺃﻧﺎ ﻗﻴِّﻤُﻪ! فيا بؤسًا للقانطين من رحمتي، ويا بؤسًا لمن عصاني وتوثَّب على محارمي”.

نحو هذا اليوم من السنة

نحو هذا اليوم من السنة الماضية؛ خطف أكفر الفجرة وأفجر الكفرة خليلًا لي.

يا حبيبي؛ مهما تناءت بنا الديار، وحالت بيننا الأضرار؛ فالدعاء رَحِمٌ بيني وبينك.

يا قرة العين؛ موقنٌ أني لا أبرح فؤادك، وما أبقاني الله فيه فأنت ذاكري عند ربي بالدعاء.

في “صفة الصفوة” حكى ابن الجوزي -رحمه الله- أنه كان لأبي حمدون الدَّلَّال -رحمه الله- صحيفةٌ مكتوبٌ فيها ثلاثمائةٌ من أصدقائه، وكان يدعو لهم كل ليلةٍ، فتركهم ليلةً فنام، فقيل له في نومه: يا أبا حمدون؛ لمَ لمْ تُسرج مصابيحك الليلة؟ فقعد وأسرج، وأخذ الصحيفة فدعا لواحدٍ واحدٍ حتى فرغ.

ليس أبا حمدون -رحمه الله- وحده؛ قبله أبو الدرداء -رضي الله عنه- صنع ذلك، ولعددٍ من إخوانه أكثر، وقال مرةً: “إن العبد المسلم ليُغفر له وهو نائمٌ”، فقالت له زوجه رضي الله عنها: كيف ذلك أبا الدرداء؟ قال: “يقوم أخوه من الليل فيتهجد فيدعو الله فيستجيب له، ويدعو لأخيه فيستجيب له”.

آيةٌ وأثرٌ ونورانيةٌ لابن حنبل؛ “أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ”؛ قيل: المضطر ذو الضرورة المجهود، وقيل: الذي لا حول له ولا قوة، وقيل: المفلس. وفي الأثر: “أعظم الدعاء جوابًا دعاء غائبٍ لغائبٍ”. وقيل للإمام أحمد رحمه الله: كم بيننا وبين عرش الرحمن؟ قال: “دعوةٌ صادقةٌ من قلبٍ صادقٍ”.

مولاي يا أجودَ الواهبين؛ هذا أخي ذو ضرورةٍ مجهودٌ إلا بلطفك، لا حول له ولا قوة إلا بقدرتك، مفلسٌ إلا من فضلك، وهأنذا أدعوك له غائبًا لغائبٍ، وإن ما بيني وبينه أقصر مما بيني وبين عرشك، وإني أستعين بك على صدق قلبي وصدق دعائي؛ فاسمع مني فيه واسمع منه في؛ لا إله إلا أنت.

يا خليلي؛ مبذولٌ موصولٌ فيك رجاء ذي الجلال والإكرام بأطيب العفو وأوسع العافية، إني -وخالقِ قلبي بارئِ مودَّتِك فيه مُصَوِّرِ الذي كان بيننا- لأجد ريحَك، وإنك لخارجٌ -بعزة الله ورحمته- قريبًا، القضاء قضاء الله يا حديث نفسي وأنفاسي، والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيءٍ؛ اللهم بلِّغه.

“لن تُفتح المساجد إلا بعد

“لن تُفتح المساجد إلا بعد ذَهاب الوباء”؛ ما قولُ كُهَّان الطاغوت -شَوَتْ نَزَّاعَةُ الشَّوَى لُحومَهم وكَوَتْ عظامَهم- ذلك؛ إلا زيادةٌ في الكفر، وَعَى هذا الوَاعُون، واستهبل عنه المستهبلون، وقُتل الدَّجَّالون.

سيقول معاتيه الناس: ما براهينكم الشرعية على إِمْرَاقِ رؤسائنا وأشياخنا؟ لا تجيبوهم؛ لقد بات الحُكم على الطواغيت وكُهَّانهم وسائر أوتادهم حُكمًا حِسِّيًّا عقليًّا، من عَدِمَه لم يُخاطَب بالشريعة أصلًا.

إن بين اجتناب المسلمين صورة الاجتماع في الجُمعة والجماعات المعهودة، وصورة منعهم منها على كل وجهٍ؛ صورةً يعرفها كُهَّان الطواغيت بما علَّمهم الله في شريعته؛ لكنه إفراد الطاغوت بالتأمين.

لا يحاذر الطاغوت اليوم إلا نقصانَ رهبة الناس منه بزيادة رهبتهم للإله الحق الذي له الرَّهَبُوتُ طَوْعًا واختيارًا؛ بعدما أشهدهم -سبحانه وتعالى- من جلال قادِريَّته وقاهِريَّته ما أشهدهم، والكُهَّان ضامنوه.

هل أتتكم أفاعيل ضِباع الطاغوت الضارية المُلَقَّبَة “الأمن الوطني”؛ منذ نشط في مصر “كورونا”! غَشَوا بيوتًا ما أفاق أهلوها من غَشَيان موتٍ قريبٍ بعدُ؛ ليُبلِّغوا رسالة العَرْص: “أنا أنا لم أزل أنا”.

لم لا يجتمع أهل الإسلام على آخر عُرْوَةٍ من عُرَاهُ لم تُنقَض .. في آخر حصنٍ من حصونهم لم يُهدَم .. على نحوٍ معيَّنٍ يُبصَّرون به ويُعانُون عليه! وإن أهل الصلوات لَأَلْيَنُ أهل الأرض بمألوف التذلُّل لله.

شارعٌ واحدٌ في كل حيٍّ يجتمع فيه المسلمون على جُمعاتهم وجماعاتهم متباعدين بالقدْر الذي يتوقَّون به الوباء؛ ليس هذا بِدْعًا من الرأي؛ بل فعله مسلمون حولنا رأيناهم؛ لكن لم يزل اجتماعنا مرعبًا.

كثيرةٌ سهلةٌ هي الحُلول لمن كان بالله مؤمنًا ولشعائر دينه معظِّمًا؛ لكن الإيمان بالجاهلية لم يُبق في عقولهم محلًّا لتفكيرٍ في مصلحةٍ للإسلام، إنما حُلولهم لأقسام الشرطة، وجميع ما ألهى عنهم الناس.

يخشون تفشِّي الوباء في اجتماع أهل الله! ماذا عن اكتظاظ السجون بأهلها! فليُخرجوا من قرَّبتهم أعمارُهم من قبورهم ومن خرَّبت أمراضُهم جُسومَهم حتى لم يَبق فيهم شيءٌ لشيءٍ؛ لو كانوا صادقين.

صلاح معاش الناس بصلاح نفوسهم، وصلاح نفوسهم بحفظ عقائدهم وشرائعهم؛ لم لا تُنظَّم أمور دين الناس كما يُنظَّم لهم كثيرٌ من أمور دنياهم، أو يُترَكون فوضى في دينهم كما يُترَكون في سائر دنياهم!

هذا سؤالٌ ليس إليهم؛ وهل يسأل عاقلٌ عدوَّه: لم تقبض في منافعي ومصالحي وتبسط في مضارِّي ومفاسدي! إنما هو لك؛ ليقضي على بقايا العقل الإخواني والسلفي وأشباههما في رأسك، والله قديرٌ.

أيها المُتَمَحِّلون المعاذير للطغاة في مسارعتهم في إيصَاد مساجد الله، وأنتم على خذلانهم الناسَ في نكبة السيول الأخيرة شهودٌ؛ إن بيننا وبينكم ميقات يوم الفصل، أو يُعَجِّل الدَّيَّانُ لنا قبل بلوغه تأديبَكم.

هنا قرأت تساؤلًا مسكينًا لرجلٍ مسكينٍ حسبته للحظةٍ هبط على كوكب الأرض بطبقٍ طائرٍ من كوكبٍ مجاورٍ؛ يقول: أين المؤسَّسات الدينية من أنواع المحرمات التي تعصِف بآخرة الناس لا بدنياهم!

يا أخا العجب؛ إنما هي حرامٌ في ديني ودينك، أما في دين هؤلاء ففرائضُ يجب أن يُعان الناس عليها، وإنما الحرام الأوحد عندهم أن يخطُر لإنسانٍ على قلبٍ الخروجُ على مولاهم الذي يتولَّونه ويتولَّاهم.

يا أصحاب الرسالة؛ ستعيشون وتموتون ولن تسمعوا لثالوث الأزهر (الشيخ والمفتي والوزير) كلمةً يتيمةً في صُنوف الطغيان الواقع عليكم بإسلامكم الكامل الشامل؛ فاكفروا بهم كما لم يؤمنوا بكم قطُّ.

لم أجد في صدري على القوم -حين أوصدوا بيوت الله أن يُذكَر فيها اسمُه- شيئًا جديدًا؛ فذلك مقتضى الكفر والحربية، وكما قلت لكم: كُفر الرِّدَّة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي؛ كيف بمَرَدَة المرتدين!

إنما الذي وجدت في حلقي من المرار، وفي نفسي من القرف؛ فعَلى فلانٍ الذي يزعم لنفسه بفتنة طَبَّاليه -هنا- المشيخة؛ ذلك الذي لم أزل أستشنع طَراوته من قديمٍ كما يَستشنع الرجل شِبْهَ ذَكَرٍ إذا تَثَنَّى.

لا الحقَّ ينصر ولا الباطلَ يَكسر في كل داهيةٍ تفرض فرقانَ الله بنفسها على كل موحِّدٍ تضطرم نيران الغيرة على الإسلام في فؤاده، ينعته طَبَّالوه بالحكمة التي حُرِمَها السفهاء المتطرفون أمثالُنا؛ إِتْفُو.

ذاتَ برودةٍ سالفةٍ منه؛ وجدتني أقول: ربِّ إن لم تَسبق لي منك الحُسنى في دنياي، فسلَّطتَ علي بآثامي عدوًّا يكيد لي؛ فاجعله رجلًا أتبصَّر في الكيد رُجولته، لا مخنثَ غيرَ ذي مَفاصلَ فأكون من المعذَّبين.

هرول البارد -فيمن هرول من التُّعساء- ليؤكد رُجحان إغلاق المساجد عقب إعلان الطواغيت ذلك، كأن الكفرة الفجرة حُرَصاءُ على سلامة المسلمين أن تُثْلَمَ في بيوت الله! وإنما هرولته خزيٌ وخذلانٌ.

لماذا أغلقوا المساجد سراعًا وأضرُّ منها مفتوحٌ أو بينَ بينَ! لأن أَوْطَى جدارٍ عند هؤلاء -منذ كانوا إلى يوم لا يكونون- جدار الإسلام لو كان له في عيونهم جدارٌ؛ أغلِق يا ذا الانتقام عليهم أبواب كل رحمةٍ.

أما الكلب العقور الفارُّ من السلفية يُنزل أهلها منزلة أكفر الملحدين، فيَجْلِبُ عليهم بخَيله ورَجله يقظانَ نائمًا وما بينهما، ثم يَرفق بالطواغيت إذ يحضُّهم على السماح بصلاة الجمعة فيُسمِّيهم ولاة الأمور.

لم أعجب من هذه، ولا من خُنوثته مع كاهن الأزهر الأكبر من قريبٍ أيام طار الناس بفارغته الجَوفاء كل مطيرٍ، ولا من تَرَضِّيه عن البوطي الذي فَطَسَ في نفاق الملعون ابن الملعون بشارٍ أحرقهم الله.

كلما تعوذتَ بالله من شر “كورونا”؛ فتعوذ به من شر طالب علمٍ جُعلت هزيمته النفسية بين عينيه، همُّه وهمتُه -في كل مفاصلةٍ- أن يقول للغالبين: إني قريبٌ منكم أقول ما تقولون؛ سلفيًّا كان أم أزهريًّا.

لقد مضت سُنة الله غير متبدِّلةٍ ولا متحوِّلةٍ؛ “من فرَّط في ولائه أدَّبه الله في برائه”، وكم والله أبصَرْنا حتى أقصَرْنا وسمعنا حتى وَجِعنا! لا يزيد عبدٌ في معاداة المؤمنين إلا زاده الله في موالاة الكافرين.

هي فتنٌ يُرَقِّق بعضُها بعضًا يا عباد الله؛ فتزوَّدوا لها بتجريد التوحيد وحَسن التعبُّد وبالمرحمة، وتفقَّهوا -وإنْ بالسؤال- فما نجا من فتنةٍ أخو جهلٍ بل يَضل ويُضل معه؛ بك اللهم العصمةُ وتوفَّنا مسلمين.

يا فرِحًا بالثبات كلما زاغ الزائغون؛ نحن قومٌ مستورون بغِلالَةٍ رقيقةٍ اسمُها “عافية الله”، من آخذَه الله بما يستحق لم يَبق تحتها مستورًا؛ أفلح من نسج للبلاء في زمان العافية ثوبًا من متين الإيمان سِتِّيرًا.

إغلاق المساجد شرٌّ مستطيرٌ، شرٌّ مستطيرٌ إغلاق المساجد، لكل أجلٍ كتابٌ، ولكل سافرةٍ حِجابٌ، وإني أعوذ بمعافاة الله أن تستحيل الظنونُ في مُرتقَب الأمور يقينًا؛ أنجِحِ اللهم بُشْراك وخيِّب نُحُوسَنا.

دَخِيلتي أهتكها لكم: أنا أحب “كورونا”؛ لم ولن يفعل بنا ما يفعل الطواغيت؛ بل يصيب منهم قليلًا وإن أصاب منا كثيرًا؛ لكن موتانا به في الجنة برحمة الله، وفَطَسَاهم به في النار بعزته، وسلِّم يا حقُّ.

عن منشور الحزن بالأمس الذي

عن منشور الحزن بالأمس الذي خانني فآلمَكم؛ كيف وأَحَبُّ أعمالي إلى الله ثم إليَّ أن أُبهجكم!

لست من الحزن في شيءٍ بحمد الله؛ بل أنا -بفضلٍ من الله بالغٍ وجَبرٍ من لدُنه سابغٍ- أسعدُ الناس، ولم يخطر لي على عقلٍ إذ كتبت هذا أن يفهم الأحبة منه ذلك، وإن أعان عليه ظاهر الكلام؛ فلتغفر قلوبُكم لقلبي مَساءتَها بغير قصدٍ منه؛ إنما أردت أني منذ ذاقت نفسي مواجع الحزن في صُروف الحياة مُفَرَّقًا غيرَ مجموعٍ؛ شقَّ عليَّ أن أجد بائسًا ثم لا أَجْهَد -بهُدًى من الله وعَونٍ- أن أتركه مسرورًا.

“ما رأيت أحدًا كان أكثر تبسُّمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم”؛ قاله عبد الله بن الحارث رضي الله عنه، “ما رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا ضحك”؛ قاله جابرٌ رضي الله عنه، “وأما الحزن فلم يأمر الله به ولا رسوله؛ بل قد نهى عنه في مواضع، وإن تعلَّق أمر الدين به”؛ قالها ابن تيمية رحمه الله، “ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيًّا عنه أو منفيًّا”؛ قالها ابن القيم رحمه الله.

اللهم إنك تعلم أني لم أَعُدَّ نفسي في أهل البلاء قطُّ؛ وإن عَدَّني فيهم عبادُك جَرْيًا على صُوَر الأَقضِية وظواهر المقادير، وأني إذا لبست لخلقك ثوبًا مُرَقَّعًا أستجدي به رثاءهم لحالي وإشفاقهم عليَّ فإني عندك من الكَفورين الكذابين، اللهم إني أنْعَمُ خلقك بإحسانك في باطنٍ وظاهرٍ، وإنه لا طاقة لي ببعض شُكرانك على بعض أنْعُمِك إلا أن تُعين فأفعل، اللهم فإني أستغفرك من حرفي إبهامًا وإيهامًا.

ذلك؛ وليس كل حزنٍ يُصاب به الإنسان اكتئابًا مُخِّيًّا يستلزم الدواء الكيميائي، وإن كان كذلك بالمعنى اللغوي العام؛ بل من الحزن ما هو مشروعٌ (مِثلُ الذي على جِراحات الإسلام ونوائب أهله)، وهو حَسنٌ ما مَازَ صاحبُه نوعَه، وعرَف ما عليه فيه تصوُّرًا وعملًا، وسعى في ذلك بمُستطاعه؛ فأما ما طغى منه فأفسد المِزاج وأقعد عن العمل؛ فشرٌّ غالبٌ يُحِيلُ المشروع ممنوعًا، وتفسِّره أمورٌ نفسيةٌ.

لم يخلق الله حزنًا في فؤادٍ أشرف من حزن المرسلين؛ فإنه حزنٌ لم يكن لهم فيه حظٌّ؛ بل على تَفَلُّتِ الناس من بين أيديهم يقتحمون في النار، وأوفى أحزان الأنبياء شرفًا حزن سيدهم صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يأذن الله له بتجاوز حدِّه؛ لكي لا تفنى قوة قلبه فيَحصُل بفنائها من الشر أعظمُ مما أحزنه، ثم أدَّبنا رسول الله بما أدَّبه ربه به، فعلَّمنا التعوذ بالله من الحزن آناء الليل وأطراف النهار.

ومنه الطبيعي العارض للناس أجمعين -من أبي بكرٍ رضي الله عنه، إلى أبي لهبٍ لعنه الله- بحُصول المكروهات الجَوَّانية والبَرَّانية، كلٌّ على قدْر ما له من القُوى الباطنة والظاهرة؛ فذلك الذي يُدفَع بجُملة أسبابٍ ربانيةٍ وبشريةٍ وماديةٍ، تَركيةٍ وفعليةٍ؛ كاجتناب كذا وكذا من دواعيه البشرية والمادية، والإيمان بالله وحُسن التعبد له، وفِقه النفس والناس والدنيا والآخرة، والمُزاحَمَة بالطيبات والمباحات.

ومنه الحزن المتطور من الدرجة النفسية السائلة إلى الدرجة المُخِّية الصُّلبة؛ فذلك “الاكتئاب الدِّماغي” الذي تُسبِّبه مؤثراتٌ نفسيةٌ وفسيولوجيةٌ شتَّى، ثم يعود هو على صاحبه بعوائدَ نفسيةٍ وفسيولوجيةٍ شتَّى، ولا بد فيه من الرجوع إلى طبيبٍ حاذقٍ خبيرٍ، (غير علمانيٍّ ولا كافرٍ بالله أصلًا)، وقد يعالَج معرفيًّا أو سُلوكيًّا أو كيميائيًّا أو بغير ذلك؛ كلُّ حزنٍ بحُسبانٍ، وقد جعل الله لكل حزنٍ قدْرًا.

ليس قبلَ كل حزنٍ شيطانٌ؛ لكن بعدَ كل حزنٍ ألفُ شيطانٍ، ينفخون فيه بمَارجٍ من نارٍ؛ حتى يملأ لهيبُه جوانبَ النفس جميعًا، فلا يذر طاقةً بها إلا أحرقها، ولقد رأيت بعيني التي في وجهي أقوامًا زينت لهم الشياطين صُوَر الأحزان وكانوا منها أحرارًا؛ فما زالوا يتكلَّفونها حتى باتوا في حقائقها مكبَّلين أُسارى، خَرَبوا قلوبهم بقلوبهم؛ أولئك الهَلْكى نفوسُهم المَرْضى جسومُهم وأولئك البطَّالون.

اللهم أعذنا من الحزن كله إلا نوعًا في مرضاتك؛ حتى تُذهِب عنا الأحزان كلها في دار السلام.

يا جِياع الحب؛ لا يَحملنَّ

يا جِياع الحب؛ لا يَحملنَّ أحدَكم استبطاءُ الحب أن يتسوَّله من المُرابِين في المودَّات.

يُقرِضُك أحدُهم مودَّةً مِزاجُها الغَصْب، ما يريد إذا أعطاك من ظاهر معروفه في الصباح إلا استرقاقَ باطنك في المساء، أن يبيت قلبك له أسيرًا، وذلك “عطاء الدَّم”، لولا شدة هشاشتك لشهدت حُمْرَتَه.

إنما العطاء عطاء من لا يرى لنفسه عليك به حقًّا، وإن كان حقُّ من أخلص لك ودَّه خالصَ مودَّتك، أمَّا أن يبتغي ذو وصلٍ بوصله غيرَ ما برأ الله الحب لأجله من السكن والثقة والشهود والأمان؛ فتعسًا.

كان أول ما حكى شيخ المفسرين الطبري -رضي الله عنه- من أقوالٍ في قول الله -تباركت آياته-: “وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ”: “لا تُعْطِ يا محمد عطيةً؛ لتُعْطَى أكثر منها”. ولَعَمْرُ الله هذا فتحٌ في تأويلها مبينٌ.

قد كشف هذا الإلهام في تفسير هذه الآية المَجيدة؛ عن هذا النوع من العطاء في الناس؛ العطاء الذي ليس وراءه في نفس صاحبه طُهر المروءة ونظافة المرحمة؛ بل يعطيك حين يعطيك ابتغاءَ تكبيلك.

يبذل “مُرابي المودَّة” حبًّا كثيفًا في صُوره حتى لَيُخَيَّل إليك من بَهْرَجِه أنه حبٌّ صَدوقٌ؛ لكنه في حقيقته -حيث يشهد الله والبُصراء- حبٌّ زائفٌ، عُريانٌ من مادة الصدق التي لم يخلق الله الحب إلا منها ولا يُحييه إلا بها ولن يُخَلِّده إلا فيها؛ وأنَّى لقلبك في صَقيع الحياة أن يكتسي بعاري الحب ثوبًا دَفيئًا!

يا جياع الحب؛ لا يحملنَّ

يا جياع الحب؛ لا يحملنَّ أحدَكم استبطاءُ الحب أن يتسوَّله من المُرابين في المودَّات.

يُقرضك أحدُهم مودَّةً مزاجُها الغَصْب، ما يريد إذا أعطاك من ظاهر معروفه في الصباح إلا استرقاقَ باطنك في المساء، أن يبيت قلبك له أسيرًا، وذلك “عطاء الدَّم”، لولا شدة هشاشتك لشهدتَ حُمْرَتَه.

إنما العطاء عطاء من لا يرى لنفسه عليك به حقًّا، وإن كان حقُّ من أخلص لك ودَّه خالصَ مودَّتك، أما أن يبتغي ذو وصلٍ بوصله غيرَ ما برأ الله الحب لأجله من السكن والثقة والشهود والأمان؛ فتعسًا.

كان أول ما حكى شيخ المفسرين الطبري -رضي الله عنه- من أقوالٍ في قول الله -تباركت آياته-: “وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ”: “لا تُعْطِ يا محمد عطيةً؛ لتُعْطَى أكثر منها”. ولعَمْرُ الله هذا فتحٌ في تأويلها مبينٌ.

قد كشف هذا الإلهام في تفسير هذه الآية المجيدة؛ عن هذا النوع من العطاء في الناس؛ العطاء الذي ليس وراءه في نفس صاحبه طُهر المروءة ونظافة المرحمة؛ بل يعطيك حين يعطيك ابتغاءَ تكبيلك.

يبذل “مُرابي المودَّة” حبًّا كثيفًا في صُوره حتى لَيُخَيَّل إليك من بَهْرَجِه أنه حبٌّ صَدوقٌ؛ لكنه في حقيقته -حيث يشهد الله والبُصراء- حبٌّ زائفٌ، عُريانٌ من مادة الصدق التي لم يخلق الله الحب إلا منها ولا يُحييه إلا بها ولن يُخَلِّده إلا فيها؛ وأنَّى لقلبك في صَقيع الحياة أن يكتسي بعاري الحب ثوبًا دَفيئًا!

#في_حياة_بيوت_المسلمين. سمعته يقول -ضاحكًا يتلهَّى-:

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

سمعته يقول -ضاحكًا يتلهَّى-: بكرة نتجوِّز ونبطَّل شقاوة!

هل اتخذت عند الله عهدًا فلن يُخلف الله عهده؛ أن يُبقيك إلى الزواج، وأن يُذكِّرك التوبة منها بعده، وأن يشرح لها صدرك، وأن يُيسِّر لك أسبابها الجَوَّانِيَّة والبَرَّانِيَّة، وأن يتقبلها منك، وألا يجعل جزاءك من جنس عملك؛ فيُكدِّر عليك من عِيشتك ما احْلَوْلَى؛ كما كدَّرتَ قلبك الذي هو مَحِلُّ نظره الأعلى!

ويحك! تحسب أن لك اختيار المعاصي واختيار العقوبات!

إن للعبد اختيار الذنب وإن للربِّ اختيار الجزاء؛ يختار العبد -ظالمًا- في الذنب خمسًا؛ نوعَه، وقدْرَه، وزمانَه، ومكانَه، وأسبابَه، ويختار الإله -مقسِطًا- في الجزاء خمسًا؛ نوعَه، وقدْرَه، وزمانَه، ومكانَه، وأسبابَه؛ فما يُؤمِّنك أن يؤخر الله عقابك حيث تكره؛ كما أخرت التوبة حيث يحب؛ جزاءً وِفاقَا!

قال لي آخر: تُصدِّق أني ما فُتنت بالنساء إلا بعد الزواج!

قلت: أصدِّق بلا ترددٍ؛ لقد كان هذا المسكين يظن ظنَّ ملايينَ سواه؛ أن الزواج هو العاصم من فتنة النساء، وإنما العاصم من فتنة النساء وكلِّ فتنةٍ بين الأرض والسماء تقوى الله، وما الزواج إلا سببٌ ربانيٌّ بشريٌّ يستقطع به الإنسان على نفسه وجسده طُرُقَ التعلُّل بحاجاتهما الباطنة والظاهرة.

عصيان الله غباءٌ؛ لكنَّ أغبى الغباء إصرار صاحبه عليه.

ألم تقض وطرَك من خطيئتك يا هذا! ألم يَعِدك ربك وعدًا حَسنًا -ومن وعده الله شيئًا فهو لاقيه- أنك إذا تركتها، ندمانَ، تعزم ألا ترجع إليها، ثم بدَّلت إصلاحًا بعد إفسادٍ؛ أنه يغفر لك ويتوب عليك؛ بل يبدِّل سيئاتك حسناتٍ! ما إصرارك على الآثام -بعدئذٍ- إلا إصرارٌ على العقاب؛ وذلك أغبى الغباء.

يتوب إلى الله العقلاء؛ فأما المهرول بالتوبة فأعقل العقلاء.

بالورقة والقلم يحسب الذكي معادلة “الذنب والعقاب” حسابًا دقيقًا؛ يقول: إذا ذهبتْ عني فِطنتي إذ عصيت ربي بما غلب عليَّ من شهوةٍ وهوًى، وكنت بوعيد الله عليها بعاجل العقوبات وآجلها موقنًا؛ فما يمنعني من التوبة! فأما الذي هو أذكى فيقول: بل أستعجل رضوان الله فأهرول الآن بالمتاب.

بيتك الذي غاليت في إعداده؛ كيف لم تَصُنه عما يَنقُضه!

بالَّتي والَّتَيَّا اشترى شقةً أو استأجرها، وبالمنهِكات المرهِقات ابتاع أثاثها، وبما أضناه وأعياه -في نفسه وجسمه ووقته- أعدَّها للرَّوْح والراحة، صابرًا يؤمِّل مودةً ورحمةً سمع قرآنَ الله يبشِّر بهما المتزوجين؛ غيرَ أنه غفل عما دخل به دارَه كامنًا في قلبه من أسباب الخراب؛ الخطايا التي تمنع العطايا.

ما أحوجك إلى مَدًى طويلٍ أو كثيفٍ بين جُناحك ونكاحك!

أفمن تاب قبل زواجه بزمانٍ كافٍ للتعافي من آثار الذنوب النفسية والقلبية والدِّماغية والجسدية والعملية؛ كمن تاب قُبَيْلَه فصحِب عامة آثارها البالغة بين جَنبيه، وكان يظنها في زحام الشواغل نسيًا منسيًّا! إن للزمان -والفاعلُ الله- قوةً شديدةً في عزل النفس عما أصابته وأصيبت به في الحياة.

التوبة حق سيِّدك منك عبدًا؛ لا للزواج ابتغاءَ ما ترجو منه.

لجَلْب منافع الزواج ودَفْع مضارِّه لا تتوبوا؛ إنما التوبة الخالصة لله خالقًا آمرًا، وإن كان من آثارها حُصولُ ما وعد عليها -بفضله- من بركات الدنيا والآخرة؛ لكنْ إذا تنازعتْ نِيَّتَاك عند مولاك فأَولاهما أُولاههما، وتعبُّدك لله باسمه “الأوَّل” يوجب أن يكون هو مرادَك الأوَّل فيها؛ ألا توبوا وتزوجوا.