#في_حياة_بيوت_المسلمين. سأل سائلٌ: صار غضب

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

سأل سائلٌ: صار غضب والدتي علينا كثيرًا شديدًا طويلًا، لا يكاد شيءٌ منا يرضيها عنا، أمَّا تطييب نفسها بعد سخطها فإلى المحال أدنى؛ ما الحيلة!

يا حبيبي؛ صباح والدتك إسلامٌ وعافيةٌ، حفظ الله روحها، ووكَل السلامة بنفسها، وعصَب كل خيرٍ بحالها، وحشَد كل فضلٍ ببابها، وأنالها من العيشة أخضرها، ومن السعادة أحضرها، ومن النعمة أنضرها، وأصلح بالها وحالها ومآلها.

يا حبيبي؛ إن كان ذلك كذلك والله أعلم بما هنالك؛ فلله وبالله تذاكروا فضائلها وفواضلها، واشكروا سوالف رأفتها بكم وسوابق رحمتها لكم، وما أخبر الله بنفسه عنها مُذ كنتم في بطنها إلى أن أصبحتم كبارًا تعرفون من أفكارها وتنكرون، وتُصوِّبون من أفعالها وتُخطِّئون، بهذا فتواصَوا إن كنتم مؤمنين.

يا حبيبي؛ كما كانت لكم طفولةٌ ومراهقةٌ وفتوةٌ وشبابٌ أَحدثتْ فيكم ما أحدثت؛ كان لأمكم مِثلُ ذلك، ولعل ذلك أحدث فيها ما لا طاقة لكم بحَمله.

يا حبيبي؛ تخايلوا أنفسكم وقد صرتم إلى ما صارت إليه الوالدة من وهن النفس والعقل والجسد جميعًا؛ احلموا عنها، وارفقوا بها، وأقلُّوا لومها على خاطئ تصوراتها، واجتنبوا الاستدراك على سيء تصرفاتها، ولا تجادلوها إلا في قطعيات الأحكام وبأحسن الإحسان وتحيَّنوا لهذا ساعة رضاها، فإن لم تقدروا على هذا فلا جناح عليكم، وتحببوا إليها بترك ما تكره وفعل ما تحب مما أباح الله وأقدركم عليه، واذكروا وصاة الله ورسوله بها، وأنها اليوم -ذاتَ ضعفٍ وشيبةٍ- أحوج إليكم من الأمس، وأحسن إحسانك إلى حبيبٍ حين لا يحسن.

يا حبيبي؛ واذكروا إذ كنتم صغارًا فأحسنت إليكم الوالدة بالسلب والإيجاب كثيرًا، وأن الجنة التي سقفها عرش الله عند قدميها، وأنكم غدًا إذا ضعفتم من بعد قوةٍ في نفوسكم وعقولكم وأجسادكم؛ أحوج إلى تجاوز الناس عن سيئاتكم، ورفقِهم بكم، وعطفِهم عليكم، وأن نبلاء الناس وأوفياءهم هم البررة بآبائهم، وأن الأيام دُوَلٌ والليالي حُبالى، وأن الجزاء في الخير والشر من جنس العمل، وأن الرب شكورٌ لا يَكفُر عبدًا عملَه مثقال ذرةٍ، وأنه ديانٌ حسيبٌ.

يا حبيبي؛ كم إنسانٍ تطلع عليه شمسٌ لم يجعل الله له من دونها سِترًا! ما كان الستر من هجيرها إلا أمه التي فقد، توهَّم ذلك اليوم البائس بغير أمٍّ يٌشكى منها، لعلك تستحلي بذا الخيال القاسي ما كان مرًّا وتستعذب العذاب.

يا حبيبي؛ هذا حرفٌ لا يقلب باطل الآباء حقًّا وجَورهم عدلًا، كما أنه لا يكلفك فِعل معجوزٍ عنه، لكنه يزكي خليقتك ويُجوِّد طريقتك؛ فكن له أهلًا، ولوجه ربك فاصبر مستعينًا بربك، وأبشر يوم تصير والدًا لولدٍ بما يسرك لا يضرك.

ألم يُعَوِّدك رحمته! ألست الغادي

ألم يُعَوِّدك رحمته!

ألست الغادي الرائح في آلائه!

متى كنت بدعائه شقيًّا!

فيم سوء الظن به وما أَلِفْت سوى لطفه! أم أن إيلافك اللطف بجَّحك!

ألست الناقم على كل من أحسنت إليه بالنَّقير والقِطمير؛ فلم يشكر لجلال نَعمائك! أين نقمتك على نفسٍ كَنودةٍ تعدُّ يسير المصائب وتنسى وفير الأنعُم!

تذكُر يوم صبَّحك راضيًا مجبورًا؛ وقد بِتَّ بمعصيته مسرورًا!

كم كشف عنك من ضرٍّ وهمٍّ! وأذهب عنك من بأسٍ وغمٍّ!

ألست محوطًا بأنعُمه باطنةً وظاهرةً؛ في نفسك وفي أهلك ومن تحب!

كم يشتاق لحُرِّيتك أسيرٌ لا يرجو عليها مزيدًا! ويتمنى عافيتك سقيمٌ قرَّح جلدَه طولُ الرُّقاد! ويشتهي مخطئ سَترٍ يلفُّك عبدٌ أصابته الفضيحة!

كم تبغَّضت إليه -جافيًا- بما يكره؛ فوالاك -متوددًا- بما تحب!

هل فرَّط في هدايتك الكونية والشرعية من شيءٍ؛ فتعتب عليه بشيءٍ!

لو لم يجعل محلَّك أوسع العافية؛ ما أعانك لسانك على شكواه إلى خلقه.

من علَّمك أن لك عنده شيئًا وأن عليه فعله لك! عزَّ الفعال لما يريد وتبارك.

ساعةَ أثنى عليك أحدهم خيرًا ولم تغسل يدَك بعدُ من فسوقٍ؛ كيف نسيتها!

كم دلَّك عليه، وعلَّمك من لدنه، وعرَّفك سبيله، ووصلك بهُداه!

كم أقامك في مراضيه حين قام غيرُك في مساخطه؛ يختصُّك بالعناية!

أرأيت كيف جعل إمهاله إلهامًا وإنظاره إنذارًا؛ فهو يتابع لك بين آياته لتؤوب!

أفلما شرح للطاعات صدرك من بعد سعيك في المعاصي؛ كان شكره نسيانه!

الساعة التي تصلِّي فيها هي هي ساعة إشراك مشركٍ، وابتداع مبتدعٍ، وظُلم ظالمٍ، وفجور فاجرٍ، وشرود شاردٍ، وإلحاد مطرودٍ عن الطريق كلها.

ما لك من سوابق الخير معه حتى يعصمك من فاحشةٍ قارفها أقرب الناس منك! وينجِّيك من ظلمٍ لابَسَه جارٌ ليس بينك وبينه غير جدارٍ! ويسلِّمك من غوايةٍ أشهدك احتراق العامة بها! أم تحسب أنه أحرزك من هذا كله بما تستحق!

أي حسنةٍ لك عنده حتى يَنْظِمَكَ في صفوف الموحِّدين حقًّا؛ تعادي أعداءه وتوالي أولياءه! ولو شاء جعل عقوبتك في معاداة أوليائه وموالاة أعدائه.

هذا الإسلام الذي أنعمك به؛ ضل عنه كافرٌ يود يوم التغابن لو أنه أسلم، هذه السُّنة التي ترغد فيها حُرِمَها مبدِّلٌ يُذاد عن الحوض غدًا، تلك الفتن التي تُصَد آناء الليل وأطراف النهار عنها؛ هو الذي أنقذك برأفته ورحمته منها.

لماذا لم تكن في صفاته معطِّلًا أو مجسِّمًا! وفي الإيمان خارجيًّا أو مرجئًا! وفي القدَر نافيًا أو غاليًا، وفي الإمامة شِيعيًّا أو ناصِبيًّا!

لولا أن منَّ عليك بمنهاج أهل السُّنة تتقلَّب في ساجديهم؛ لخسف بك.

لماذا جاء بك أنت من العدم -دون من لم يجئ- ليُعرِّضك لسعادة العبادة في الدنيا، ثم لعبادة السعادة في الجنة، تخلد في رضوانه الأكبر محبورًا بلذة النظر إلى وجهه الأكرم! ولو شاء لم يأت بك فلم تتعرَّض لهذا جميعًا.

كم باعدَت ألطافه بين ذرَّات بلائك الكثيف؛ حتى أخرجتك إلى براح العافية!

كم يسَّر لك عسيرًا، وقرَّب إليك بعيدًا، وفتح عليك مغلَّقًا، وجمع لديك مفرَّقًا!

كم قطَعته -فقيرًا إليه، وهو الغني الحميد- فوصلك!

كم بعدُت عنه -لا حول لك ولا قوة إلا به- فأدناك منه!

كم استدبرت رحمته فاستقبلك بها تلقاء وجهك؛ يقول لك: لا تُعرض عني!

كم أعميت عينك عن رسالةٍ أرسلها إليك، فأقرأها قلبَك فوعاها؛ فصلُح بها شأنك، ومشيت بها سويًّا على صراطٍ مستقيمٍ!

السماوات والأرض، الليل والنهار، الشمس والقمر، البر والبحر والجو، الماء والرياح والتراب، المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والمراقد والملابس والمراكب والمنابت والمحاضن والمداخل والمخارج، هذه وسواها من عطاءات الربوبية؛ ما جعلها الله إلا لك.

القرآن آيةٌ آيةٌ، الملائكة ملَكٌ ملَكٌ، الأنبياء نبيٌّ نبيٌّ، عقائد الإسلام وشرائعه وآدابه، العُبَّاد والعلماء والحُفَّاظ والمصلحون والمجاهدون، هذه النعم وغيرها من عطاءات الألوهية؛ ما جعلها الله إلا لك.

كيف صارت عطاءات الربوبية وعطاءات الألوهية نعمًا مألوفةً مغفولًا عنها لا تكاد تُذكر فتُشكر! كأنما هي حقٌّ لي ولك، وكأن على المنعم بها شُكر قبولنا لها.

نعمٌ ما كان حق الواحدة منها؛ إلا سجود القلب الحياةَ كلها يحاول بعض الحمد وبعض الشكر وبعض الوفاء، وما هو ببالغٍ شيئًا من ذلك ولا يستطيع.

تأمَّلْ سُطورَ الكائناتِ فإنها ** منَ المَلكِ الأعلى إليكَ رسائلُ

وقدْ خطَّ فيها لوْ تأمَّلتَ نقشَها ** ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ

أتراه يستكثر بك من قلَّةٍ، أو يستعز بك من ذلَّةٍ؛ فهو يسارع في هواك!

لم يقل ربك: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”؛ حتى قال في عقبها: “مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ”؛ ليُعْلِمك أنه لا يكلِّف أحدٌ أحدًا بشيءٍ إلا وهو غانمٌ به منتفعٌ منه، إلا هو، فإنه بصفات الكمال وكمال الصفات كلَّف، وما كلَّف المكلَّفين إلا لِمَا هو عائدٌ عليهم هم من عوائد الخير في دُورهم الثلاثة، وما كانوا أجمعون ليَبْلغوا نفْعه فينفعوه شيئًا.

ذلك الله؛ هو ربك وأنت صنعته، ولا يصنع صانعٌ حكيمٌ من الناس شيئًا ليُتلِفه؛ كيف بالحكيم الخبير واسع الرحمة والمغفرة! ما خلقك إلا للرحمة، ولا أنزل إليك الكتاب لتشقى، فما أصابك بعدُ من تلفٍ فمن نفسك.

من بصَّرك ما بصَّرك به أجمل الجُملاء من آيات كونه وشرعه!

من أسمعك ما أسمعكه أكرم الكُرماء: “يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ”!

لم لا تشهد من نعمه إلا ما منعك منه أو أجَّله عنك؛ عليمًا بك رحيمًا!

لم يُثيبك على صبرك في المصائب؛ وما أصابتك إلا بما كسبت يداك!

تسوؤوك ساعاتٌ من البلايا ما كان لها أن تخلو من لطف الله ورحمته؛ وأنت محوطٌ بالعافية قبلها وبعدها! ثم إنه ليس للبلايا غايةٌ إلا تأهيلك للغفران والرضوان، وهي أعون أسباب دنيا العبد على دينه لو كان من الفاقهين.

كيف أطعت من أخرج أباك من الجنة في شهوةٍ زيَّنها لك! أم كيف صدَّقته في شبهةٍ أدخلها عليك! أم كيف كنت سببًا في “وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ”!

كيف إذ أعرضت لم تُقبل! أم كيف حين عثرت لم تنهض! ألا تستوحش بعيدًا!

ألم تعلم أنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه! ألم يأتك أن رُجْعاك إليه يومًا قريبًا!

قد أحبَّ لك أن تلقاه آمنًا مرحومًا؛ فلم يزل يُحَبِّبك ويُرَغِّبك ويُقَرِّبك مما تكون به يوم لقائه كذلك، لم يضرب عنك الذِّكر صفحًا أن كنت من المسرفين.

قد أعد النار يوم أعدها لغيرك؛ ففيم ركضُك أنت إليها وإصرارك عليها! أحالفٌ أنت بين الرُّكن والمقام أن تدخلها؛ فأنت آخذٌ في الوفاء بقسمك!

أليس عجيبًا أن فرض عليك حُسن الظن به والاستبشار برحمته؛ وإن عصيت!

أليس غريبًا أن جعل قنوطك من رحمته وإن كنت لذلك أهلًا؛ كفرًا به أكبر!

عبادٌ أعرضوا عنا ** بلا جُرمٍ ولا معنى

أساؤوا ظنهمْ فينا ** فهلَّا أحسنوا الظنا

فإنْ خانوا فما خُنا ** وإنْ عادوا فقدْ عُدنا

وإنْ كانوا قدِ استغنَوا ** فإنا عنهمُ أغنى

“وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا”! خالعةٌ هذه القلوبَ تُطَيِّرُها. آهٍ وأوَّاه وأوَّتاه وأوَّه!

لا إله إلا الله العفُوُّ؛ العفوَ يا مولى الموالي، العفوَ إنك تحب العفو، العفوَ إنك أهل العفو، العفوَ إنك كريم العفو، العفوَ إنا محاويج العفو.

يا من لا تنفعه طاعة من أطاعه كما لا تضره معصية من عصاه؛ اقبل منا ما لا ينفعك وإن كان قليلًا، واغفر لنا ما لا يضرك وإن كان كثيرًا.

أفلَح الفارٌّون إلى سريع العفو والمعافاة، قد أيقظت أفئدتهم هذه الموعظة؛ “مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ”! اللهمَّ اللهمَّ، إنا نحبك.

اللهم أنت أحب محبوبٍ إلينا؛

اللهم أنت أحب محبوبٍ إلينا؛ نحب ذاتك المقدَّسة، ونحب أسماءك الحسنى كلها، ونحب صفات جلالك وصفات جمالك، ونحب كلماتك القدرية وكلماتك الشرعية، ونحب أفعالك في خلقك وأفعالك في أمرك، ونحب دينك عقائده وشرائعه وآدابه، ونحب ملائكتك ملَكًا ملَكًا، ونحب كتبك كتابًا كتابًا، ونحب رسلك رسولًا رسولًا، ونحب أولياءك وليًّا وليًّا، ونحب ما قدَرت قبضًا وبسطًا، ونحب ما شرعت أمرًا ونهيًا، أحببناك ربنا فأحببنا كل ما أحببت ومن أحببت.

اللهم أنت أحب محبوبٍ إلينا؛ نحب لدينك الظهور والرفعة والتمكين، ونحب لأهله الغلبة والعزة والتأييد، ونحب لأعدائه الذلة والدُّحور والخذلان، ونحب سُننك الجارية في كونك وشرعك، ونحب تجلِّي صفاتك في جميع أفعالك.

اللهم أنت أحب محبوبٍ إلينا؛ نحب الإيمان بك والتوحيد لك، ونكره الكفر بك والإشراك معك، نحب طاعتك وإن فرطنا فيها، ونكره معصيتك وإن قارفناها.

اللهم أنت أحب محبوبٍ إلينا؛ أحبنا بحبنا إياك الذي لولاك ما كان، واغفر لنا ما لو لم تغفره نقص بشؤمه حبك في قلوبنا ونعوذ بعزتك ورحمتك أن يكون.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. الذكورية والنسـ ـوية؛ أضواءٌ

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

الذكورية والنسـ ـوية؛ أضواءٌ في عتمة معركةٍ كاذبةٍ خاطئةٍ.

لن ترضى عنك النسـ ـوية حتى تستبدل بفرْجك فرْج أنثى؛ فأرِح روحك.

قال الله: “وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى”، وقال رسوله: “إنما النساء شقائق الرجال”.

– ليس الذي بين الذكر وبين الأنثى بأكبر مما بين الليل وبين النهار، ولعل هذا من أسرار عطف الله خلْقَ الذكر والأنثى على خلْق الليل والنهار، فقال: “وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى”، ولئن ساغ إيثار الليل على النهار أو النهار على الليل من كل وجهٍ؛ ساغ ذلك بين الذكر وبين الأنثى، وما بقي الليل والنهار يتساندان لا يتعاندان قدَرًا؛ بقي الذكر والأنثى كذلك شرعًا.

– الفروق النفسية والحِسية بين الرجال والنساء ثابتةٌ بالقدَر والشرع جميعًا، وإنكارها مُحادَّةٌ للعقل ومكابرةٌ للحِس ومُشاقَّةٌ لشرائع النبيين كلها، ومِن ورائه خسفٌ مقصودٌ للفِطَر والعقول؛ لِتستهجن بنفسها أحكام الله والرسول.

– جنس الرجال مفضَّلٌ على جنس النساء في أمورٍ معيَّنةٍ كونيةٍ وشرعيةٍ.

– هذا التفضيل في الإسلام مسبَّبٌ بأسبابٍ مُركَّبةٍ؛ فإذا زالت (جميعًا) -وقلَّ ما تزول جميعًا- فلا تفضيل، وإذا زال بعضها زال من التفضيل بقدْر ذلك.

– الأفضلية تشريفٌ من وجهٍ وتكليفٌ من وجهٍ آخر، فإذا زال التكليف زال التشريف؛ بل لحقت الرجلَ وضاعةٌ حتى يرتفع إلى رُتبته التي أعلاه الله إليها تارةً أخرى، وهي سنةٌ جاريةٌ لله في القدَر والشرع؛ “الغُنْم بالغُرْم”.

– لا يستلزم هذا التفضيلُ العامُّ فضلَ كل رجلٍ على كل امرأةٍ؛ بل المشاهَد فضلُ بعض النساء على كثيرٍ من الرجال؛ إذا هن سَمَون إلى وظائف رجالهن التي زالوا عنها؛ فإن العبرة عند الإله الحق بحقائق الأمور لا بِصُوَرها.

– لم يعرف تاريخ البشرية -مع رسوخ هذه الفروق الطبيعية بين الرجال وبين النساء مُذْ خُلقوا بها- هذه الحرب الكاذبة الخاطئة بينهما؛ كاذبةٌ خَلَّقت الجاهلية الآخِرة وَقودَها خلال ثغرات الضعف الأنثوي تخليقًا، وخاطئةٌ أُريد بها تصريف طاقات العداوة الإنسانية في غير مجاريها التي خُلقت لها، فهي عَوْراء التصنيف حَوْلاء التصريف، وما بين ناقضها وبين نقضها إلا إيقاظُ الفِطَر إلى زيفها.

– لو أن كل الرجال وكل النساء تراضوا بينهم على النَّدى والإحسان، حتى لكأنهم في جوِّ الجنة قد نُزع غلُّ صدورهم فهم على أرائكها متقابلون؛ لأضرم النار بينهم أوتاد الطواغيت لتجري العداوة والبغضاء بعيدًا عن الطواغيت.

– إذا اجتمع كيد ذكران الإسلام وإناثه على ما يستحق الكيد من أعدائه؛ لم يبق منه فيما بينهم إلا ما يؤكد وجودهم في هذه الحياة الدنيا، ويَشهد للمسافة الطبيعية بينهم، ويُقرِّر سنة الله في اختلافهم وآثاره السُّوأى والحِسان.

– الأصل مساواة الرجال والنساء في التكاليف العقدية والعملية، إلا ما اختُص به أحدهما من التكاليف العملية، وهذا إجماعٌ لا يماري فيه إلا جهولٌ أو زنديقٌ.

– لا طاعة على الرجل لامرأته في الإسلام، وكيفَ يكون في شريعة قومٍ يعقلون؛ حتى يُنسب إلى الرب الأعلى! بل غاية الأمر في الإسلام أن يوافق الرجل امرأته على ما تحب؛ ما لم يكن إثمًا أو ضررًا، وكان في مقدوره نفسًا وحِسًّا، وهو مقتضى المحبة الصادقة من جهةٍ، وداعي الأفضلية من جهةٍ أخرى.

– يجب على المرأة أن تطيع زوجها فيما أمرها به إذا كان على وجه الإلزام، ويُستحب إذا كان على وجه الندْب، إلا أن يكون حرامًا أو مكروهًا، أو غير مستطاعٍ لها نفسًا أو حِسًّا، والاستطاعة النفسية في شريعة الرب -جلَّ ثناؤه- كالحِسية.

– في الحقوق بين الرجل وبين المرأة أمورٌ متفقٌ عليها، وأمورٌ مختلفٌ فيها، والواجب عند التنازع الرجوع إلى أصول الشريعة وفروعها التي تُعَضِّدها الفِطَر القويمة والنفوس السوية والأعراف الصحيحة.

– ما يكلِّف الرجل به المرأة إن كان لا يقدر عليه هو؛ فأَنَّى تقدر عليه هي! إلا أن يكون من جنس ما تقدر عليه النساء دون الرجال.

– الرب الذي منه الحُكم وإليه الرُّجعى عليمٌ بالظواهر خبيرٌ بالبواطن؛ فأيُّما رجلٍ أو امرأةٍ أراد التحلل مما كلفه الله به، ثم ألبس ذلك لَبوس الشرع الأكرم ليجادل بالباطل؛ فجزاؤه عند الله هو جزاؤه، بئس ما جنى على نفسه في الحياة الدنيا، ثم ويلٌ له من نسبة فعله إلى شريعة الله القُدُّوسة يوم يقوم الحساب.

– كل مخبِّبٍ بين الأزواج داعيةٌ إلى الزنا خارج الزواج، قدَر فاجرُهم فأظهر، وعجز جبانُهم فأضمر، لكنهم بُغاة السِّفاح أجمعون، ويومًا ما على الإغراء بالعُهر سيُجمِعون.

– خلق الله حواء تابعةً لآدم فما استنكفت عن موضعها منه ولا استكبرت، فصانها آدم بعدله ورحمته وزانها، فإما انقادت بنات حواء لبني آدم عزيزاتٍ مكرَّماتٍ بأشرف الأثمان، وإما انقادت لغيرهم ذليلاتٍ مهيناتٍ بأبخس الأثمان، لكن لا تخرج امرأةٌ عن تبعيةٍ لرجلٍ حتى يلج الجمل في سَّمِّ الخِياط سُنةَ الله، ولا تَنْشُز نفسُ امرأةٍ على زوجها درجةً إلا خضعت رقبتُها لغيره دركاتٍ قانونَ الله.

– النسـ ـوية بناءٌ تراكميٌّ جاهليٌّ بأصله، له أُسسه اللغوية والفلسفية وأركانه التشريعية والأخلاقية المُحادَّة كلُّها للإسلام بأصله، وما كان فيه من بعض الحق فالواجب تجريدُه منه ونزعُه عنه ليَخِرَّ سقفه على أهله.

– العنوان الذي يستحفظه النسـ ـويون دائمًا على هذه الحرب هو “حقوق المرأة”؛ لكن الحقيقة اليتيمة تحته هي حفظ الحرب ناشبةً دائمًا بينها وبين الرجل؛ تغفيلًا عن قُصودها تحصيلًا لحصادها.

– لا يعرف الإسلام “الذكورية” كما يزعم الأجرياء عليه بجهلهم وضَلالهم إذ يُناوؤون النسـ ـويين، كبُرت كلمةً يفترونها مكايَدةً عبثيةً، إن يقولون إلا دجلًا، وما تزيد هذه الدعاوى شريعةَ الإسلام إلا خرابًا، والنسـ ـويةَ الجاهليةَ إلا عمارًا.

– في النسـ ـوية الإسلامية المفتراة عليه من أنواع الشرور العقدية والعملية والأخلاقية؛ ما ليس في النسـ ـوية الجاهلية التي لا تُصانِع الإسلام في شيءٍ من ذلك بل تُحادُّه فيها وتُشاقُّه، وكلٌّ من وحي الشيطان وحزبه الخاسرين.

– في النسـ ـوية من نواقض الإسلام العقدية والعملية الصريحة ما لا يُحصى ولا يُستقصى؛ بل هي دعوةٌ إلحادية الغاية ظاهرٌ إلحادها، مهما تدثرت اضطرارًا بشيءٍ من الأديان في سُبل تحقيقها.

– ليست النسـ ـوية أفكارًا مجرَّدَةً في المدافعة عن النساء -بحقٍّ أو بباطلٍ- سَلبًا، ولا في مناصرتهن -بعدلٍ أو بظلمٍ- إيجابًا، لعل صورتها كانت كذلك أول ما استنبتها إبليسُ في نفوس أهلها استنباتًا، فأما اليوم فهي منهجٌ كاملٌ -في عقول معتقِدِيه- في الكونيات والشرعيات على السواء.

– ينقص في الرجل من الذكورة بقدْر ما يزيد فيه من النسـ ـوية، ومن كانت بدايته النسـ ـوية كانت نهايته اللـوطـية، ولعل لـوطـيته الخفية هي البداية الحقيقية والنسـ ـوية الجلية هي النهاية الصورية، ولا تكون امرأةٌ نسـ ـويةً إلا بقدْر الاسترجال النفسي فيها، ولا تزال النسـ ـوية بها حتى لا تُبقي من أنوثتها النفسية شيئًا ولا تذر، وقد تتسق فتُزيل أنوثتها الحِسية وتتحول جنسيًّا، أو تُقِرُّ السِّحاق قارفتْه أم لم تقارفه؛ لكنه يبقى صورةً من صور الاتساق النسـ ـوي لا تخفى على خبيرٍ.

– ما بقيت شريعة الإسلام مغيَّبةً عن المسلمين؛ فلا غَرْوَ أن يشيع الظلم فيما بينهم حتى يكون على توالي الدهور صِبغة نفوسهم، إلا قليلًا ممن أنجى الله وعصم كالشعرة البيضاء في مَتْن ثورٍ أسود، ظلم الكافَّة للكافَّة؛ لكن يبقى ظلم النساء أشنعَ في نفسه لضعفها وعجزها غالبًا، ثم في تَدَسُّسِ شياطين الجن والإنس من ثغراتها لإيقاد النار، وما شايَع باطلًا في الأرض مُذْ نبت فيها باطلٌ على استحياءٍ إلى قيام شيخ الباطل المسيح الدجال مِثلُ النساء؛ كيف إذا كان باطلًا مُوهِمًا بحمايتها مضلِّلًا بنصرتها مزيِّفًا بحقوقها!

– في كثيرٍ من الدعاة إلى الإسلام كثيرٌ من الظلم لا تخفى آثاره؛ للرجال وللنساء، ولأنفسهم، وللإسلام في عقائده وشرائعه وأخلاقه، وهو ظلمٌ قبيحٌ من جهة إسلامية أهله التي يفيء إليها الناس آمنين مطمئنين؛ غير أن أظلم الظلم أن يُقايَس كلُّ ظلم النساء من هؤلاء الدعاة ببعض ظلم العلمانيين والليبراليين لهن، في التصورات الشيطانية والتصرفات السَّبعية على السواء، ولا تلوذ امرأةٌ من الإسلاميين بالعلمانيين إلا لاذت من الحر بالنار، وكل الظلم حرامٌ.

– لَمَوْضِعٌ عزيزٌ كريمٌ وضعه الله للمرأة أولَ يومٍ في الإسلام؛ خيرٌ لها من كل موضعٍ وضعته لها الجاهلية لو كانت تفقه، ولئن أسعد نفْسَ امرأةٍ في دين النسـ ـوية أنها علة الأحكام التي تُدار عليها وجودًا وعدمًا؛ فإن طمأنينة قلب المسلمة في دين الإسلام بحكمة ربها مقدِّمًا مؤخِّرًا أشدُّ وأكفى.

– ليست المرأة النسـ ـوية حين تتوهم نفسها كبيرةً؛ إلا أصغر من طفلٍ قعيدٍ لا يمرُّ به ذو رحمةٍ إلا رَثَى له وأشفق عليه؛ بَيْدَ أن هذا الطفل لا يستجدي هؤلاء الرحماء رحمتهم، وهذه النسـ ـوية تَقطع العمر كله في الاستجداء، ومِن قُساةٍ لا يرحمون، وليست حين تتوهم نفسها حرةً؛ إلا أمَةً لا تدري كل يومٍ أين المستقَر! وليست حين تتوهم نفسها واسعة العقل؛ إلا بلهاءَ متناقضةً يضحك منها المجانين.

– ما رضيت امرأةٌ بالنسـ ـوية دينًا ابتغاء الحرية والكرامة والرِّفعة؛ إلا عاملها الله بنقيض قصدها فذلَّت وهانت ووُضِعت؛ فإن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، وليس بعد قِسطاس الإسلام إلا جَوْر الجاهلية.

– لا تَقرُّ عينُ امرأةٍ بدساتير الجاهلية الباغية وقوانينها الطاغية على الرجال، بدعوى “حقوق المرأة” ومناصرتها؛ إلا وفي قلبها نفاقٌ، لا يشفع لها ظلم ظالمٍ من الرجال، وإنما استقواء المؤمن بحُكم ربه لا بحُكم الطاغوت.

– ما أبغض النسـ ـوية عبدٌ يَشهد ظلم امرأةٍ قد أقدَره الله على حمايتها، ثم هو لا يُسْعِفُها بكل ما قدَر، أما الظالمون النساء بأنفسهم فأولئك أعْونُ الناس على النسـ ـوية وإن لعنوها بكل قلمٍ ولسانٍ؛ فإن العبرة عند الله بالحقائق لا بالصور، ليس الظلمَ الجزئي العارض اليسير الذي يغشاه أكثرُ الخُلطاء أعني؛ فإنه لا يكاد يسلم منه رجلٌ ولا امرأةٌ، إنما هو الظلم الكلي الدائم العظيم.

– ليس وراء كل منقلِبةٍ من شريعة الإسلام إلى شريعة النسـ ـوية ظلم ظالمٍ من الرجال؛ بل وراء أكثرهن شهواتٌ ظاهرةٌ أو باطنةٌ، وما عوقب ذو شهوةٍ يُصِرُّ عليها بمِثل شبهةٍ يصير إليها، ولئن انتكسن بالظلم جميعًا؛ فما هو عند الله بعذرٍ لهن حتى يستوي الظل والحرور؛ فأشفِقوا على الخلق بإحقاق الحق.

– ظلم الوالد والأخ والزوج والولد وسائر ذكران الإنس والجن، لو اجتمع على امرأةٍ واحدةٍ يكيدون لها كيدًا، ويمكرون بها الليل والنهار؛ لا منتصِر لها منهم إلا بالله ورسوله ودينه، لا يكون غيرُ الله والنبي والإسلام نصيرًا.

– من استطاب لسانها حلاوة مغانم المساواة بالرجل، ثم صرخت كل جارحةٍ فيها من نيران مغارمها؛ حقت الشماتة بها، لا حلوى بغير نارٍ، وتخليص مغانم المساواة من مغارمها دونه خَرْطُ القتاد، غيرَ نفسكِ لا تلومي.

– من النسـ ـويين لاهُون ومن النسـ ـويات لاعباتٌ، لا يكادون يفقهون قولًا، غير أن لصخبهم في الفراغ ضجيجًا، يكتب أحدهم الكلمة فتطير كل مطيرٍ، فيظن نفسه مفكرًا، وما هو ولا هي إلا ضرطة بعيرٍ في فلاةٍ.

– حركة كلٍّ من الزوجين في اتجاه كلٍّ؛ هي الصراط المستقيم والتوفيق العظيم، الذي يبارك به الله ما بينهما بَطنًا وظَهرًا، ويعصمهما به من الوَكْس والشَّطط عملًا ونظرًا، ويُبطل به كيد أعداء الإسلام عَينًا وأثرًا.

– ما جمَع الزوجين إسلامٌ وعقلٌ ومودةٌ ورحمةٌ يتقلَّبان بينها، إذا ضعُف سببٌ منها قوِي آخر، وعرف كلٌّ منهما حدود الله وسعى في أدائها؛ حفظهما الله بين ستره وبين جبره لقاءَ ذلك، وأغاثهما برأفته ورحمته كلَّ جفوةٍ بينهما وجفافٍ؛ إلا بلاءًً منه يقدِّره بينهما لحكمةٍ بالغةٍ قضاها، وهو العليم الحكيم.

– نصوص الإسلام لا تغازل الإناث، وفقهه لا ينحاز للذكور، ورجال السلف الصالح ليسوا صبيانًا في حواري العلمانية المظلمة، ولا فتياتٍ في زنقات الليبرالية المتسخة. الإسلام نصوصًا وفقهًا ورجالًا في شغلٍ عن عِراكاتٍ تفرضها الجاهلية بعِراكاتٍ يفرضها هو، كفى بشمس الإسلام وقمره وتبًّا لشُموع السُّكارى.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. النَّشرة؛ في بلاسم (داء

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

النَّشرة؛ في بلاسم (داء العشق) العشرة.

* من حدَّثك عن شرٍّ مطلَقٍ في الكون غيبِه ومشهودِه؛ فكذِّبه، حتى إبليسَ الذي نرجُم والطواغيتَ اللائي نلعن في الدنيا، وجهنمَ الهاويةَ وأهوالَ العذاب الشاويةَ في الآخرة؛ ليست شرورًا محضةً، بل إن ربك ليُظهر بوَفرة أقداره فيها من بديع أسمائه والصفات وعظيم سُننه والآيات وجليل حِكَمه والغايات؛ ما لم يكن ليتجلَّى للخلائق في الدَّارين إلا بها، وطالبُ المغانم في الدنيا بلا مغارم كرائي المغارم فيها بلا مغانم، والجنة -وحدَها لا شريك لها- دار المغانم بلا مغارم، ولأجل استئثارها بهذا القانون سمَّاها بارئُها دار السلام. إذا حدَّثتك بهذا قبل مقالٍ قرأتَ عنوانه في الاستنقاذ من حُفرة العشق المُرِيعَة؛ فلا تحدِّثني بعد فراغك عن حسنات العشق؛ فإني بها خبيرٌ بصيرٌ. يقولون: إنه يُلَيِّن الفؤاد القاسي، ويُطَوِّع الجواد العاصي، ويُنْزِل عاتيَ النفس من الصَّياصي. وإنهم لصادقون، غير أني لم أستبح وقتك وقوَّتك -وقد علمتُ عصمتَهما- لأكشف السافرات وأُقرِّر المقرَّرات، إنما أجترئ عليهما لِمَا به الإحسانُ إليهما؛ فهَلُمَّ إلي واصبر علي، ليس هذا بأول إكثاري عليك ولا بآخر حِلمك علي، لكني وإياك شقيقان لا يفترقان.

* من ابتُلي بالعشق؛ فلا يستفت فيه قلبه، ولا يختصم إليه؛ فإن قلبه -ما دام عاشقًا- شيخٌ مضلٌّ لا يهديه إلا للتي هي أعوج، وسلطانٌ جائرٌ لا يقضي له بفِكاكه من محبسه، وأنَّى يكون له هاديًا مقسطًا وفيه الخصومة!

* قديمًا قالت العرب العباقرة: شر قتيلٍ قتيل النساء، وأيُّ فرقٍ بين مقتولٍ بسيفها، وبين مقتولٍ بعشقها! العشق مقبرة القلوب، ومن عشق من لا يستطيع وصاله قدَرًا أو كان محظورًا عليه شرعًا؛ فقد وَأَدَ بنفسه قلبه، وإنما قلبك حياتك، كم أخشى على قلوبٍ قتَلها أصحابُها عامدين غدًا من: “سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ”! حسْبُ العاشق جحيمًا أن روحه التي هو فَلَكُها؛ مَوَّارةٌ في فَلَك غيره.

كعصفورةٍ في كفِّ طفلٍ يَزُمُّها ** تذوقُ عذابَ الموتِ والطفلُ يلعبُ

فلا الطفلُ ذو عقلٍ يَرِقُّ لِمَا بها ** ولا الطيرُ ذو ريشٍ يطيرُ فيَذهبُ

* صِدق القلب في الخلاص من العشق؛ فإن الله لا ينجِي الكذَبة قلوبُهم، الذين يستغيثونه بأفواههم مما مُصِرَّةٌ عليه قلوبُهم، ولو صدَقوا الله لكان خيرًا لهم، لِيسأل المبتلى بالعشق نفسه: هل أنا مريدٌ عافية الله من بلائي حقًّا! ذلك بأن العشق لو كان شقاءً محضًا؛ لسهُل عليه التعافي منه، لكنه إن أضناه من وجوهٍ؛ لذَّذه من وجوهٍ أخرى، فلعله أن يكون كاذب القصد فلا يَصْدُقه الله.

* حُسن تصور مضارِّ العشق في جميع جهات العاشق؛ ضررُه على التوحيد الباطن من إفراد الله بالذل والانقياد والخضوع والاستسلام والتضعُّف والافتقار. وضررُه على العبادة الظاهرة أنواعِها وكَمِّها وكَيفِها؛ فإن العشق أشد المزاحِمات القلبية بإطلاقٍ، ولا تكاد تصفو للعاشق عبادةٌ ظاهرةٌ ما بقي قلبُه أشعثَ الهَمِّ والإرادة. وضررُه على القلب؛ فإن طبيعة العشق ذاتُ هيمنةٍ واستيلاءٍ، والقلب المَلِك، والجوارح جنودٌ وتَبَعٌ، إذا اغتِيل المَلِك لم تبق لبقاء الجنود والتَّبَع فائدةٌ. وضررُه على العقل؛ فإن العشق لا يكون عشقًا حتى يصير بطانةَ المخ كلِّه مستحوِذًا عليه جميعًا، فلا يكاد العاشق يفكر في شيءٍ من مصالح معاشه ومعاده منفكًّا عن عشقه، ولا يزال بصاحبه كذلك حتى يُتلفه إتلافًا فلا ينفعه نفعًا. وضررُه على النفس؛ فإنه خاسفٌ بها بشديد الهُون إلى حضيض الدُّون، حتى تبيت سافلةً لا تَذكُر للمعالي معنًى، وجاعلُها أحاديث يمزِّقها كل ممزَّقٍ. وضررُه على الجسد؛ فإنه الصورة الظاهرة لحقيقة النفس الباطنة، فإذا فسدت النفس فسد الجسد، وهذا مقرَّرٌ عند أُولي الشريعة والطب والنُّهى من وجوهٍ لا تُحصى. وأيُّ صلاحٍ يُرجى للعبد في دُنياه وأُخراه إذا خَرِب توحيده وعبادته وقلبه وعقله ونفسه وجسده! وما نفعُ الإسلام به بعد هذا وهو كَلٌّ عليه!

* وصف العشق بما يليق به وينبغي له؛ فإنه وإن كان إيثارًا للمحبوب على النفس من وجوهٍ كثيرةٍ جليَّةٍ؛ فإنه أَثَرَةٌ طاغيةٌ عليه من وجوهٍ أخرى؛ فإن غاية هَمِّ العاشق وهِمَّتِه محبةُ المعشوق له ورغبته فيه وإقباله عليه واعتناؤه به، وفي هذا من ألوان الطغيان على باطن المعشوق وظاهره ما لا يخفى، بل إن العاشق ليُزاحم ألوهية ربه في معشوقه شَعر بهذا أو لم يشعر، فحين يدعو اللهُ المعشوقَ أن يصون قلبَه عن محرَّم الوداد ويُحْرِز نفسَه من منهيِّ الوصال؛ يدعوه العاشق إلى ضد ذلك بأحاديث نفسه وأنفاسه، يَعِدُه بفردوس الأرض في جنَّات قلبه -إن هو طاوَعه فدخلها- ويُمَنِّيه غرورًا، وأيُّ خيرٍ ينفع المعشوق من عاشقه في الدنيا كلها إذا هو أفسد عليه قلبه ودينه! فما العشق -حينئذٍ- إلا غرقٌ في النفس خفيٌّ وفناءٌ في الذات مستترٌ، مهما ألبسه العاشق -مفتونًا بمددٍ من نفسه، وعونٍ من هواه، ونصرةٍ من شيطانه- لبوسًا من الحب زائفًا.

* اجتناب مُثَوِّرات العشق ما ظهر منها وما بطن؛ فأما الظاهرة؛ فيمنع العاشق عينَه مطالعة أخبار العشاق وأشعارهم ومصوَّراتهم، وأُذنَه الإصغاء إلى مقالات البطَّالين الفارغين في العشق، وأغاني اللاهين بقلوب الناس لا يعبؤون بها؛ فإنها لا تزال تؤسِّس لبُنيان العشق في قلبه وعقله مزيدًا، وما تؤسِّسه إلا على شفا جُرُفٍ هارٍ، وإذا كانت سنة الله التي لا تتبدل في نجاة العاشق من جحيم معشوقه؛ إيصادَ كل بابٍ يُدخِل عليه، وقطعَ كل وسيلةٍ تُوصِّل إليه؛ فما كان الله ليُرخِّص للعاشق بعد ذلك فيما يُقرِّب إلى العشق من أسبابٍ، ومن أبقى الحبال بينه وبين محبوبه مرخيَّةً؛ فلا يُشْقِ نفسه في سؤال العافية؛ فإن الله لن يرسل إليه جِبرائيل ومِيكائيل يتقاتلان في إنقاذه وهو لا يبالي بهَلَكَته. وأما الباطنة؛ فيجاهد نفسه مجاهدةً يشهد الله لصدقها بنفسه في دفع الخواطر كلما تحرك ساكنها في عقله، فأما إن أسلم نفسه إليها؛ فلا يلومن سواها؛ فما بعد سوانح الخواطر إلا تكثُّف الأفكار، وما بعد تكثُّف الأفكار إلا اجتماع الإرادة، وما بعد اجتماع الإرادة إلا النُّكوص، ولا حول ولا قوة في هذا كله إلا بالله.

* المزاحمة بالطاعات القلبية والقولية والعملية، والأصل في العبادة الابتداء بالقلبيِّ منها؛ فإنها جذور العبادات الظاهرة، غير أن قلب العاشق لما كان مشغولًا بدائه الدَّوِيِّ؛ كان عسيرًا عليه الابتداء في العبادات من قلبه، فلا عليك أن تبدأ أول أمرك بالطاعات الظاهرة؛ أولها وأجلُّها الصلاة، تقيمها على وقتها في جماعةٍ برواتبها ونوافلها، وتجتهد في استِوهاب خشوعها من الله، وتطمئن في أقوالها وأفعالها؛ ليؤتيك المنَّان منها ما وعد بها. وتتلو القرآن الذي ما أُنزل من السماء إلا شفاءً لك ورحمةً، إن أنت أكثرت منه تعجَّلت لنفسك المداواة من دائها، وإن أقللت أبطأت بها على نفسك. وتقوم من الليل ما شئت بالأسحار ميقاتًا، تستغيث في كهف سجودك بربك ومولاك وسيدك؛ أن يُنعش قلبك من بعد خموده بلطيف المتاب عليك، ولا تزال تُلِحُّ على ربك متضرِّعًا لوجهه أن يُطْلق روحك من أغلالها حتى يرأف بضعفك ويرحم عجزك. وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله يصلي عليك كلما صليت عليه، فإذا صلى عليك الله أخرجك من الظلمات إلى النور، وهل عِشقك إلا ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ! وهل طمعك إلا إخراج الله لك منها! فأكثِر أو أقِلَّ. وتستغفر كثيرًا؛ فإن الله ما خلَّى بين قلبك وبين التسلُّط عليه إلا بخطيئةٍ من خطاياك. وتصوم ما استطعت؛ فإن الصوم منعُ النفس عن ملذوذ مباحها، ولا تزال النفس تتعود الكَفَّ والإمساك حتى تنشط فيها إرادة التَّرك، تلك الإرادة التي جعل الله أول امتحان أبويك آدمَ وحواءَ فيها، إذ قال الله لهما: “وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ”. وتُحوقل فاقهًا حقائق الحوقلة؛ لا حول عن سقم روحك ولا قوة على صحتها إلا بالله العزيز الحكيم. ولا تزال الطاعات الظاهرة تحرك -ببركات الله فيها- قيود قلبك حتى يُعتقه الله من إساره، وإن ربًّا يحيي الأرض من بعد موتها لَعَلَى إحياء قلبك قادرٌ مقتدرٌ قديرٌ، كل ذلك في ظلٍّ من إحسان الظن بأرحم الراحمين ممدودٍ، وكفى بالله.

* المكاثرة بالمباحات النفسية والجسدية؛ فإنما الإنسان وعاءٌ واحدٌ، يزاحم بعضُ ما يَدخل فيه وما يَخرج منه بعضًا، ما يزيد فيه من خيرٍ إلا نقص من شره، ولا شرٍّ إلا نقص من خيره، وإن للعشق جملةً اسميةً وجملةً فعليةً، مبتدأ الاسمية الفراغ وخبرها العشق، وفعلُ الفعلية النظر وفاعلها الفراغ، فالفراغ القدْر المشترَك بين الجملتين؛ لذلك كان أصلَ هذا الداء وكل داءٍ؛ فالمكاثرة بالمباحات تشغل من الفراغ نصيبًا، وخير المباحات اللازمة القراءة، قراءة الكتب الشرعية وغيرها من أنواع الكتب مما هو نافعٌ للعقل ومُرَوِّحٌ عنه، ولتبدأ بما لَطُف منها وظَرُف؛ كسِيرة السيد الرسول صلى الله عليه وسلم، وسِير أصحابه رضي الله عنهم، وكتب السِّير الذاتية، والروايات النافعة، وكتب الأدب القديمة والحديثة المجتباة. وعليك بالرياضة؛ فإنها الحركة المقصودة الراشدة، وإنها لبركةٌ على نفسك إذ تعيد إليها الإحساس بقيمتها. وخير المباحات المتعدية مخالطة الصالحين، واجتنب المجهِدين قلبَك منهم مدَّة استشفائك إن لم تقدر على اجتنابهم حياتَك كلَّها. كاثِر يا حبيبي بما ذكرت لك وما تركت مما يُقرِّب إلى الحرية من سجن العشق وأنكاله؛ إني أربأ بك أن يطول رقادك في فراشه فتكثُر سيئاتك وآثارُها السُّوأى، وإنك لمُعافًى يومًا بعزة الله ورحمته، فأكره لك ما أكره لنفسي، أن تنظر خلفك وقتئذٍ فتجد بقعة الظُّلمة التي حبست نفسك فيها طويلًا وافرةَ المخازي، فتقول حينها: ما كان أصغرني! ما كان أرخصني! ما كان أضيقني! ما كان أحمقني! ما كان أشقاني! ما كان أعماني! يا ليتني عجَّلت بنجاتي.

* تأمُّل كلِّيات سيدنا الشافعي -قدَّس الله روحَه- الثلاثة في بديع قوله: “ففي الناس أبدالٌ، وفي التَّرك راحةٌ، وفي القلب صبرٌ”. ففي الناس أبدالٌ: مهما توهَّم العاشق أنه ليس كمعشوقه أحدٌ، وأن خطأه -لو قيل: أخطأ- سدادٌ، وأن غَيَّه -لو رُؤِي غاويًا- رشادٌ، ولعل فيه من شنائع العيوب ما يصد كليل البصر عنه، ومن فظائع الذنوب ما يُنفِّر ضئيل الإيمان منه. وفي التَّرك راحةٌ: مهما توهَّم العاشق أن راحة قلبه محصورةٌ في الوصال، وأرعَبه مجرَّدُ تخايُل البِعاد والانفصال. وفي القلب صبرٌ: من حرك دواعِيَه في قلبه وجده، ومن استسقاه من الله أنبته، وأول مُعينٍ للعاشق على الصبر إيئاسُ نفسه من معشوقه الذي لم يجعله الله له شرعًا ولا قدَرًا، واليأس إحدى الراحتين، وما ضعُف رجاؤك فيه فعَظِّم يأسك منه تَطِب نفسُك، ولا ينفع الصبر إلا مفروغًا، فقل: رب أفرِغ علي صبرًا.

يا حبيبي؛ العشق داءٌ، وفي الصحيح: “ما أنزل الله داءً؛ إلا أنزل له شفاءً”.

اعلم أن بوابة الرضا عن

اعلم أن بوابة الرضا عن ربك فيما قسَم لك في نفسك وجسدك ومالك وأهلك؛ غضُّ البصر.

لا يُريح غضُّ البصر روحَك حتى يُريح منك كلَّ شيءٍ؛ عقلَك المجهودَ بتزاحُم الصور النافذة من عينيك إليه، وفؤادَك المُضْنَى شَعَثًا بما فتحتَ من زينة الدنيا عليه، ثم ترتاح أجمع.

“وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”، “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”.

لا تقرأُ هذه من “طه” حتى تتلو تلك من “الكهف”؛ لا ينهاك مولاك عن قَصْر بصرك عما يُشقيك من الدنيا وأهلها؛ حتى يأمرك بحَصْره فيما يُنَعِّمك من الدين وأهله؛ “أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ”!

إنني لا أتخايل -في هذا الزمان- عملًا يُعجِب الإله في عليائه من أوليائه؛ كغضِّ أبصارهم عما لا يدَع ساكنًا إلا أثاره من متواتر الصور الخَطَّافة أينما وَلَّوا وجوههم! أولئك هم الكبار حقًّا.

لعلك -الآن- ظانٌّ حرفي هذا في صور الفواحش الصِّرْفَة وما بين يديها من صور الفجور؛ (أفلامًا ومسلسلاتٍ ومسرحياتٍ)، مما لا يخوضه اليوم إلا أئمة الكفر وإن ادَّعوا إلى الإسلام.

لقد باتت الفتنة بغير هذا اللون من الصور -اليوم- أعَمَّ وأطَمَّ كثيرًا؛ مليارات الصور المبثوثة بمكر الليل والنهار من شياطين الإنس والجن بعضهم لبعضٍ ظهيرٌ؛ ابتغاءَ الهيمنة عليك جميعًا.

أما ما خلْف هذه الصور البراكينية المحرقة من فلسفاتٍ وعقائدَ وأفكارٍ وأديانٍ -لا تعرف أنت عناوينها لتُحاذر على قلبك وعقلك مضامينها- ففوق ما يخطر لك على بالٍ ويطوف لك بخيالٍ.

يسألونك عن قسوة أفئدتهم وجمود أعينهم؛ قل: هو ما غشيها مما لم تُخلق له ولم يُخلق لها، ويستنبئونك عن الوحشة بينهم وبين النظر في القرآن؛ قل: هو ما أَنِسَتْ به أنظاركم من الحرام.

إن معالجة غضِّ البصر -اليوم- بالوعظ القاصر الواهن المجرَّد عن العلم بهذه الحقائق الواقعية القطعية وتصور آثارها النفسية والحِسِّية اليقينية؛ ليس إلا ضجيجًا فارغًا من طحينٍ؛ فأنَّى!

يا حبيبي؛ إلا يكن غضُّ البصر -اليوم- عقيدةً تملأ نفسك، وتستغفر الله كلما جرحها جارحٌ استغفارَك مما يجرح سائر عقائدك؛ فلا تسل عن ظُلمة القلب، وخسْف الفطرة، وارتكاس العقل.

يا لَلَّه العجب! كيف صارت أدوية السلف أدواء الخلف! كان الرجل فيما مضى يشكو ما ناله من الدنيا فصرفه عن الآخرة، واليوم تكتظُّ العيادات النفسية بالشاكين فوات حظوظهم من الدنيا!

(من الاكتئاب إلى الانتحار)؛ والذي لا أحلف إلا به وهو الحق المحيط؛ ما أعظم أسبابهما وما بينهما من صُنوف الأوجاع النفسية؛ إلا إطلاق البصر فيما تضعُف الجبال الرواسي عن حمله.

كأنما كُتب على إنسان هذا الزمان البائس حظُّه من هذا الداء؛ لكنْ مَن أحسن تصور أسبابه وآثاره، وصدَق عزمه على الخلاص منه، وزاحَم بطيبات المَرائي ومباحاتها؛ سلَّمه الله ولا بد.

“لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ”؛ ثلاث كلماتٍ في ثلاث عوراتٍ هن الكِفاء والشفاء؛ لا تستطل بنظرك إلى ثلاثٍ؛ عورةٍ مستورةٍ بثيابٍ، وفتنةٍ حُجبت عنك بأبوابٍ، ومتعةٍ لا طاقة لك بها من أسبابٍ.

يا ضعيفًا لا يقوى، يا مسكينًا لا يطيق، يا عاجزًا لا يقدر؛ باريك أعلم بك وأخبر، ما ضيَّق عليك في بصرك إلا ليبسط لك في بصيرتك، ويصفو لك منك ما تكدَّر على من أعرض فأطلق.

اعلم أن بوابة الرضا عن ربك فيما قسَم لك في نفسك وجسدك ومالك وأهلك؛ غضُّ البصر.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. سمعته يقول -ضاحكًا يتلهَّى-:

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

سمعته يقول -ضاحكًا يتلهَّى-: بكرة نتجوِّز ونبطَّل شقاوة!

هل اتخذت عند الله عهدًا فلن يُخلف الله عهده؛ أن يُبقيك إلى الزواج، وأن يُذكِّرك التوبة منها بعده، وأن يشرح لها صدرك، وأن يُيسِّر لك أسبابها الجَوَّانِيَّة والبَرَّانِيَّة، وأن يتقبلها منك، وألا يجعل جزاءك من جنس عملك؛ فيُكدِّر عليك من عِيشتك ما احْلَوْلَى؛ كما كدَّرتَ قلبك الذي هو مَحِلُّ نظره الأعلى!

ويحك! تحسب أن لك اختيار المعاصي واختيار العقوبات!

إن للعبد اختيار الذنب وإن للربِّ اختيار الجزاء؛ يختار العبد -ظالمًا- في الذنب خمسًا؛ نوعَه، وقدْرَه، وزمانَه، ومكانَه، وأسبابَه، ويختار الإله -مقسِطًا- في الجزاء خمسًا؛ نوعَه، وقدْرَه، وزمانَه، ومكانَه، وأسبابَه؛ فما يُؤمِّنك أن يؤخر الله عقابك حيث تكره؛ كما أخرت التوبة حيث يحب؛ جزاءً وِفاقَا!

قال لي آخر: تُصدِّق أني ما فُتنت بالنساء إلا بعد الزواج!

قلت: أصدِّق بلا ترددٍ؛ لقد كان هذا المسكين يظن ظنَّ ملايينَ سواه؛ أن الزواج هو العاصم من فتنة النساء، وإنما العاصم من فتنة النساء وكلِّ فتنةٍ بين الأرض والسماء تقوى الله، وما الزواج إلا سببٌ ربانيٌّ بشريٌّ يستقطع به الإنسان على نفسه وجسده طُرُقَ التعلُّل بحاجاتهما الباطنة والظاهرة.

عصيان الله غباءٌ؛ لكنَّ أغبى الغباء إصرار صاحبه عليه.

ألم تقض وطرَك من خطيئتك يا هذا! ألم يَعِدك ربك وعدًا حَسنًا -ومن وعده الله شيئًا فهو لاقيه- أنك إذا تركتها، ندمانَ، تعزم ألا ترجع إليها، ثم بدَّلت إصلاحًا بعد إفسادٍ؛ أنه يغفر لك ويتوب عليك؛ بل يبدِّل سيئاتك حسناتٍ! ما إصرارك على الآثام -بعدئذٍ- إلا إصرارٌ على العقاب؛ وذلك أغبى الغباء.

يتوب إلى الله العقلاء؛ فأما المهرول بالتوبة فأعقل العقلاء.

بالورقة والقلم يحسب الذكي معادلة “الذنب والعقاب” حسابًا دقيقًا؛ يقول: إذا ذهبتْ عني فِطنتي إذ عصيت ربي بما غلب عليَّ من شهوةٍ وهوًى، وكنت بوعيد الله عليها بعاجل العقوبات وآجلها موقنًا؛ فما يمنعني من التوبة! فأما الذي هو أذكى فيقول: بل أستعجل رضوان الله فأهرول الآن بالمتاب.

بيتك الذي غاليت في إعداده؛ كيف لم تَصُنه عما يَنقُضه!

بالَّتي والَّتَيَّا اشترى شقةً أو استأجرها، وبالمنهِكات المرهِقات ابتاع أثاثها، وبما أضناه وأعياه -في نفسه وجسمه ووقته- أعدَّها للرَّوْح والراحة، صابرًا يؤمِّل مودةً ورحمةً سمع قرآنَ الله يبشِّر بهما المتزوجين؛ غيرَ أنه غفل عما دخل به دارَه كامنًا في قلبه من أسباب الخراب؛ الخطايا التي تمنع العطايا.

ما أحوجك إلى مَدًى طويلٍ أو كثيفٍ بين جُناحك ونكاحك!

أفمن تاب قبل زواجه بزمانٍ كافٍ للتعافي من آثار الذنوب النفسية والقلبية والدِّماغية والجسدية والعملية؛ كمن تاب قُبَيْلَه فصحِب عامة آثارها البالغة بين جَنبيه، وكان يظنها في زحام الشواغل نسيًا منسيًّا! إن للزمان -والفاعلُ الله- قوةً شديدةً في عزل النفس عما أصابته وأصيبت به في الحياة.

التوبة حق سيِّدك منك عبدًا؛ لا للزواج ابتغاءَ ما ترجو منه.

لجَلْب منافع الزواج ودَفْع مضارِّه لا تتوبوا؛ إنما التوبة الخالصة لله خالقًا آمرًا، وإن كان من آثارها حُصولُ ما وعد عليها -بفضله- من بركات الدنيا والآخرة؛ لكنْ إذا تنازعتْ نِيَّتَاك عند مولاك فأَولاهما أُولاههما، وتعبُّدك لله باسمه “الأوَّل” يوجب أن يكون هو مرادَك الأوَّل فيها؛ ألا توبوا وتزوجوا.

ليس كل فرحٍ منك بالطاعة

ليس كل فرحٍ منك بالطاعة عُجبًا بنفسك ممنوعًا يكرهه الله.

بعض الفرح بالطاعة ضروريٌّ مشروعٌ يحبه الله؛ فرحك بربك أن أوجدك من العدم فلولا هذا الوجود ما عرفت ربك ولا عبدته، فرحك بربك أن بسط لك في الحياة فلولا بسطة الله فيها ما أطعته، فرحك بربك أن ألهم عقلك فِعل الطاعة، فرحك بربك أن شرح لها صدرك، فرحك بربك أن يسر لك أسبابها، فرحك بربك أن أعانك عليها فأحدثتها، فرحك بربك أن أفاض عليك فيها وفتح لك، فرحك بربك أن لم يجعل عقوبتك على سوالف الخطايا حرمانك منها، فرحك بربك أن هداك إلى إحداث طاعةٍ مكان معصيةٍ، فرحك بربك أن أظفرك على نفسك والشيطان والدنيا، فرحك بربك أن عرَّضك بالطاعة لبركاتها التي وعد عليها في الدارين، فرحك بربك أن أظهر لك من نفسك محبةً للخير وقوةً عليه وقد كنت تظن بها السوء لكثرة آثامها، فرحك بربك أن قوَّاك على ضعفك وأقدرك على عجزك، فرحك بربك أن أذاقك طعم حبه وقربه وكفى بها منةً.

هذا فرحٌ لا تُحصى مظاهره؛ إذ هو فرحٌ بالله لا عُجبٌ بالنفس.

مراتب الساكتين عن الباطل، والمتكلمين

مراتب الساكتين عن الباطل، والمتكلمين به:

الساكت عن الباطل قولًا وفعلًا لا ينصره بشيءٍ منهما؛ هو الساكت على الحقيقة، لا يُتَّهم بموالاته للباطل بمُجرَّد سكوته، وقد يُلام بما يُرجى للإسلام وأهله مِن مِثله.

الساكت عن الباطل قولًا (الناطق به فعلًا)؛ ليس ساكتًا؛ لأن السكوت عند الله حقيقةٌ لا صورةٌ؛ بل فاعل الباطل أشد في كثيرٍ من الأحيان من المتكلم به.

المتكلم بشيءٍ من الباطل (وقد عُرف جهادُه إيَّاه بفعله)؛ ليس من أهل الباطل جَزْمًا؛ بل يجب التأوُّل له بحُسبانٍ، ويُردُّ عليه باطلُه -مع ذلك- كائنًا من كان، ومن ثبتت نصرته للحق بيقينٍ لم تَزُل عنه بالظنون؛ كيف بالأوهام!

الساكتون عن الباطل ثلاثةٌ: دائمًا، وكثيرًا، وقليلًا؛ فلا يساوى بينهم في ضعف الخيرية، بعضهم خيرٌ من بعضٍ، حُسن الظن بهم مقدَّمٌ وهو الحق فيهم.

المتكلمون بالباطل ثلاثةٌ: دائمًا، وكثيرًا، وقليلًا؛ فلا يساوى بينهم في دركة الشَرِّية، بعضهم شرٌّ من بعضٍ، سوء الظن بهم مقدَّمٌ وهو الحق فيهم.

يجب التفريق بين المتكلم بالباطل طوعًا وبين المتكلم به كرهًا، وبين المتكلم به بجهلٍ بسيطٍ وبين المتكلم به بجهلٍ مركَّبٍ، وبين المتكلم به مضيَّقًا عليه وبين المتكلم به موسَّعًا عليه، وبين المتكلم به في قلةٍ وبين المتكلم به في كثرةٍ، وعمدة التمييز بين هؤلاء جميعًا قرائن الأحوال؛ لا زَوَغان ولا طغيان.

يجب التمييز -في معاداة الطواغيت وسائر الأعداء- بين الدراويش، وبين الخائنين.

الدراويش: الذين لا يتخذون الأعداء أعداءً كما يتعيَّن، ويعتزلون جهادهم بالسِّنان واللسان. أولئك لا تُخوِّنوهم فتظلموهم، ولا تُمكِّنوهم فتظلموا الإسلام.

الخائنون: الذين يوالون الطواغيت أو غيرهم بأقوالهم أو أفعالهم. أولئك قاتلوهم بألسنتكم حتى يُقدِركم الله على قتالهم بأسِنَّتكم؛ ذلك أقوم للدين ولكم.

موالاة الطواغيت وسائر الأعداء نوعان: سالبةٌ، وموجبةٌ.

فأما السالبة فهي الموالاة المنهجية، لا يوالي صاحبُها الأعداء في عامة أقواله وأفعاله بنفسه؛ لكن في منهجه الذي يلتزمه ويدعو إليه ويذود عنه ويصد عمَّا سواه -من (تبعيض الإسلام وتَعْضِيته، وخذلان المجاهدين ببعض القول والفعل)- ما يُقِرُّ أعين الأعداء.

وأما الموالاة الموجبة فهي الموالاة الذاتية، فيها يوالي صاحبُها الطواغيت أو غيرهم من الأعداء بنفسه، بما هو قطعي الدلالة على السوء قطعي الثبوت إليه.

نعوذ بك اللهم من الوَكْس والشطط جميعًا، ومن الفتن ما ظهر منها وما بطن.

ما أسهل النياحة، ما أشق

ما أسهل النياحة، ما أشق العمل!

يُخدِّر لطمُ الخدود وشقُّ الجيوب؛ لكنه لا يُداوِي.

لو يعلم الذين لا يبرحون ذمَّ أنفسهم ما استُهلِكوا فيه؛ لاقتصدوا.

ما يفعل الله بمقتك نفسَك بعد عصيانك مقتًا بعيدًا! ما تبلغ عنده من درجاتٍ بسبِّك إياها بعد الخطيئة سبًّا شديدًا! ويحك! إنْ تُهلِك إلا نفسك وما تشعر.

تلك الطاقة العظيمة التي تُذهِبها نفسُك من قلبك -بعون الشيطان- في الندم على ذنبك؛ لو بذلت شطرها في حسنةٍ تقترفها بعده؛ لكان أمحى لذنبك وأهدى لقلبك وأرضى لربك؛ “إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ” قالها ربٌّ خبيرٌ.

لا توبة بغير ندمٍ؛ لكنْ قد جعل الله للندم قدْرًا، إن يكن يسيرًا كشف عن قلبٍ لمَّا يَقدُر الله حقَّ قدره، وإن بُولِغ فيه أقعد صاحبه عن فعل الخير بعد الشر بما بدَّد من طاقةٍ، ثم إن بعده عزمًا على عدم العَود لا بد له في قلبك من قوةٍ.

ذلك؛ وإن الذي يُرسِّخه طول الحطِّ على النفس وشدة الإزراء بها؛ لغايةٌ للشيطان قصوى؛ فإن العبد إذا كره نفسه لم ينشط في جلب منافع المعاش والمعاد إليها، ولا دفع مضارِّهما عنها، وكفى بذلك عند الله موتًا وبوارًا.

استغفارك من ذنبك مئة مرةٍ في دقائق -نادمًا عليه، عازمًا ألا تعود- خيرٌ لك من ساعاتٍ تشكو فيهن قسوة قلبك إلى من لا ينفعك إلا كلامًا، ولقد شكا جماعةٌ من الناس إلى المسيح ابن مريم -عليه صلاة الله- ذنوبَهم يبكون منها، فقال لهم: “اتركوها؛ تُغفَر لكم”؛ ذلك فِقه أنبياء الله كيف يُختصر الطريق.

يا حبيبي؛ كن أسرع العباد إفاقةً بعد غفلةٍ، وأنشطهم بالإحسان بعد إساءةٍ؛ ذلك شأن أولي الألباب، فأما ضعفاء العقول فتُرضِيهم النياحة؛ عوَّذتك بالله.