هل شعرتم معي أن الأرض

هل شعرتم معي أن الأرض مادَت! الليلةَ دُكَّ جبلٌ من جبال الصبر فزال عن الأرض راسخٌ من رواسخها، وما تثبت إلا بجبالٍ من عبادٍ لله شامخين، أولئك يحفظ الله بهم الأرض أن تميد بأهلها ما لا يفعل بجبالٍ من ترابٍ وحصًى.

ماتت والدة أسيرٍ يعرفها كثيرٌ منكم، ظلت تكتب هنا سنواتٍ بمِدادٍ من وجعٍ كلَّ يومٍ عن ولدها المخطوف، كلَّ يومٍ كلَّ يومٍ، لم ينقطع في ربها رجاؤها أن تراه وإنْ مرةً واحدةً؛ لكن حال الكفرة بينهما حتى لحقت الليلة بالحَكم الدَّيَّان.

لم تكن الدكتورة منال الخياط -روَّح الله رُوحها، ونوَّر ضريحها- أمًّا لمحمدٍ الشاب المخطوف وحده؛ بل كانت أمًّا لزُمَرٍ من المساكين تبرُّهم بفؤادها وتصِلهم بيمينها، بذلك عرَّفها الله إلى عباده في الأرض، ولعله عرَّفها إلى ملائكته في النَّدِيِّ الأعلى بما هو أقدس وأبقى، سُنَّتَه الجاريةَ في رُحماء هذا العالَم.

من قال إنا المسلمين ننتظر جزاء صبرنا في هذه الحياة انتظارًا! إنما حسْبنا فيها الثقة بعلم الله المحيط واليقين في قدرة الله المطلقة، هو بما ظهر من مصائبنا وما بطن أعلم وأخبر، وعلى كشفها أقوى وأقدر، وهذا يكفينا.

ها قد وصلتك اللهم رُوحُ أَمَتك التي عاشت بائسةً سنين عددًا، قانطةً كانت من أسباب الدنيا إلا من فضلك الكبير لم تقنط، يائسةً من أبواب الناس إلا من رَوحك الرَّحْب لم تيأس؛ فأذِقها اللهم من برد العيش عندك ما تُنسي حلاوتُه مرارة الزمن الكئيب، وأنعِشها برحمتك الجابرة، وتَبَشْبَشْ إليها ببرِّك الوفير، واجعل محلَّ روحها عندك بين الغفران والرضوان، أنت المولى بها أولى.

يوم القيامة ضرورةٌ عدليةٌ من ضرورات القدَر والشرع جميعًا، وإنا به مؤمنون وله مرتقبون، وبالحياة الدنيا وإن طالت أيامها الكالحات كافرون، وإن لنا موعدًا فيه بيننا وبين خصمائنا في الله كافةً؛ الطواغيتِ وكُهَّانهم من الشيوخ وجنودهم أجمعين. يرحمكِ الإله أمَّ محمدٍ، وتُحْبرين به في جنات الخلود.

اللهَ أستغفر من كل مُبعدٍ

اللهَ أستغفر من كل مُبعدٍ عن رضاه والجنة مُقربٍ من سخطه والنار، وبعد، لما أغلظت القول في منشورٍ قريبٍ لإنسانٍ يستأهل هذا وزيادةً؛ راسلني صديقٌ من إخواني يسألني: هل عنيت بهذا المنشور أخانا الكريم أبا عبيدة النقادي؟ فأقول: حاش لله ما علمت عن أخي أبي عبيدة هنا إلا تسديدًا ومقاربةً في عقايد الإسلام وشرايعه، يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وما مِثله يُخالَف بمِثل هذا الإغلاظ، أعز الله أخي أبا عبيدة بالحق وأعز به؛ إنما قصدت إنسانًا يسبني على صفحته منذ كذا وكذا؛ بأني ترحمت على الدكتور مرسي يوم مات، فليس لي -بخَطَلِه- بعد ذلك الإنكار على من يترحم على الطواغيت!

يا عباد الرحمن أحبة فؤادي ورُحِمتم دِيمَةً؛ إني -بحمد الله جزيلًا، والثناء عليه جميلًا- منذ أنشأت صفحتي هذه؛ لم أنكر على مسلمٍ شيئًا مما يختلف فيه الفقهاء انتصارًا لقولٍ على قولٍ ومن أنا حتى أفعل! إنما أنكر المتفق على نكارته اتفاقًا لا ريب فيه، ولم أغلظ القول قطُّ إلا على مستحقٍّ الإغلاظ في محكَم الإسلام بما علَّمني ربي، لا أهاب ما اعتقدت الحق شيخًا ولا جماعةً ولا غير ذلك مما يُهاب، لا أرجع عن شيءٍ من هذا ما ثبتني الله، وبعزته أعوذ من الفتنة حتى ألقاه؛ فمن رضيني منكم على هذا فلله الحمد إليه وعليه، ومن لم يرضني فأخٌ في الإسلام لا تزول أخوته، وأستغفر ربي لي ولكم أجمعين.

رضاك اللهم أستقبل، سخطَ سواك

رضاك اللهم أستقبل، سخطَ سواك أستدبر؛ فسدِّدني.

يتخايلونني أخرس عن فجور شيوخهم؛ لفرَط سطوتهم عليهم.

الفتنة بالمقصورين أعظم من الفتنة بالمقبورين، وكلٌّ شرٌّ مستطيرٌ.

الشيخ الذي لا يُعلِّمك الكفر بالطواغيت؛ ليس الطواغيت عنده بطواغيت.

هم يرون الترحم على الطواغيت زلة عالمٍ لا تقام لها الدنيا، وأنت تراها -وقد تكررت- فجورًا تُهَدُّ له الدنيا؛ اثبت فأنت ابن الشريعة والحِجا.

يا حسرةً على أشياع أشياخ السوء! لو أصبحوا يُعظِّمون توحيدهم كما يُعظِّمون شيوخهم؛ ما باتوا في الإيمان من المرجئة وهم لا يشعرون.

ألا إن أول التوحيد الكفر بالطواغيت؛ “فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا”، نفيُك قبل إثباتك.

مصطفى العدوي وسعيد الكملي وعبد الله رشدي، غيرَ هيَّابٍ أصرح بأسمائهم لأتباعهم وأُفٍّ لسطوة الجماهير الزائفة وتُفٍّ، وكيف أهاب ذكر أسمائهم وهم لم يهابوا المليك -جلَّ جلاله- ففعلوا فعلهم أجرياء لا يُبالون!

يترحم الأول على السادات ومبارك ويوصي أهله به خيرًا ويُبيح بناء السجون للسيسي، ويمدح الثاني معتوه المغرب ويجعله أميرًا للمؤمنين ويُعدِّد على المنبر مناقبه، ويخرج الثالث على الناس بصورته منتخبًا السيسي ويتبجح كثيرًا بانتسابه إلى الدولة، وقد بسط الله للثلاثة من العلم به والدعوة إليه والمدافعة عن دينه ما بسط، لا يُجحَد هذا ولا يُنكَر، من شاء الانتفاع بهم في بابٍ من هذا فلا بأس، فأما السكوت على جرائمهم تلك فليس في دين الله كله ما يُبيحه، بَلْهَ المدافعة عنهم فيه، بَلْهَ الإنكار على المنكرين عليهم.

أخي السلفي؛ احفظ في التوحيد المتون، وادرس على المتون الشروح، وذاكر على الشروح الحواشي، وطالع على الحواشي التقريرات؛ لا يصح توحيدك عند ربك حتى تكفر بأعداء ربك، الكفر الذي هو الكفر في لسان الوحي المبين، ليس الكفر الذي منه الدعاء لهم بالرحمة فُطْسًا وإباحة بنائهم السجون؛ فإن هذا كفرٌ تأباه عربية أبي لهبٍ وأبي جهلٍ قبل عربية أبي بكرٍ وأبي حفصٍ.

ما بقي التوحيد شرعًا هو التوحيد، وبقي الطواغيت كَوْنًا هم الطواغيت؛ فلا توحيد إلا ببراءٍ من الطواغيت مبينٍ، وإظهار العداوة لهم والبغضاء.

ليس للقبوريين في حرفي هذا خلاقٌ؛ فإنهم مؤمنون بالله وبالموتى وبالطواغيت، لا يجدون -مرحى- تعارضًا بين جهات الإيمان الثلاثة.

يا أشياع أشياخ السوء؛ إنا على إياسٍ أن يعتقد شيوخكم في الطواغيت ما أوجب الله اعتقاده؛ بل رضينا أن يعتقدوا أنهم شرار الخلق وحسْب، فلعلهم إذا اعتقدوهم كذلك؛ لم يدْعوا لهم نافقين ولم يبيحوا بناءهم السجون.

أخي السلفي؛ أليس التوحيد عندنا (إفراد الله بالربوبية، وبالأسماء والصفات، وبالألوهية)! أليس على هذا التقسيم يُبدِّعنا الأزاهرة الأشاعرة وهم في تبديعهم لنا هذا قومٌ ضالون! فإن الطواغيت الذين لا يعتقد شيوخكم طاغوتيتهم ينازعون الله ربوبيته وأسماءه وصفاته وألوهيته، وليس بين الأرض والسماء جنايةٌ فوق هذه تُعلَم عند الله وعند الذين هم به مؤمنون.

أخي السلفي؛ أليس الطواغيت هم المزهقين من الأنفُس ما لا يُحصى، السجانين من الأحرار ما لا يُستقصى! أليسوا أحفاد فرعون الذي حدثنا عنه ربي وربك حديثا طويلا! أليسوا وراء كل بليةٍ في الدين والدنيا في طول البلاد وعرضها! أليسوا المُحادِّين الله المُشاقِّين الرسول المحاربين الإسلام!

ماذا لو ترحم شيخك على هاتك عِرض ابنتك قدَّسها الله! فعِرض ابنتك أنفسُ عندك من عِرض دينٍ ما عملُ الطواغيت على مكانتهم إلا استباحته! أشرِك دينك في حميتك لشيخك واعدِله به؛ عسى إن فعلت احمرَّ أنفُك لهذا كما يحمرُّ لذاك، لك الله يا دين الإسلام غريبًا، عظَّم الله في أفئدة بنيك قدْرك.

دخل ملعون مصر على أحمد عمر هاشم (الشائخِ قبوريةً وقصوريةً)، فأنشأ فيه شِعرًا يَحسُن مِثله في مِثل خامس الراشدين؛ فأي فرقٍ -ما دام قسطاس الله مستقيمًا- بين تغزُّل هذا العجوز في طاغوتٍ حيًّا، وبين ترحم شيخكم على طاغوتٍ ميتًا، حتى لَيُوصي أهله به خيرًا! اللهم هذا جَنَفٌ لا يرضيك.

إنها ليست زلة لسانٍ؛ إنه منهجٌ قديمٌ نعرفه من شيوخكم كما يعرفه الطواغيت عنهم، منهج مسالمة الطغاة أحياءً وأمواتًا؛ حفظنا الحق له هتَّاكين.

تلعنون الجيش الذي قتل أنسًا الصغير! فإنه جيشٌ من جيوش الطواغيت الذين يمدحهم شيوخكم ويدعون لهم وينتخبونهم؛ فاعبدوا الله لا تعبدوا الشيوخ.

لا أمحو تعليقات إخوتي في

لا أمحو تعليقات إخوتي في ديني على منشوراتي مهما غلُظت علي؛ فإنهم لا يحبون هؤلاء الشيوخ إلا في الله والإسلام، ولِمَا علَّموهم في أبوابٍ من الإسلام علمًا كثيرًا نافعًا فيرون هذا من الوفاء لهم، كما أنهم يرون ما أقول في بعض الشيوخ منكرًا يجب عليهم إنكاره، وهذه عبادةٌ منهم أرجو الله تقبُّلَها عنهم بصالح نياتهم فيها، بل إني -وقد تعجبون- مسرورٌ بشدتهم علي في الحق الذي يعتقدون، وأوصيهم وإياكم أن تظلوا تنكرون علي ما تعتقدونه منكرًا لكن بعلمٍ وعدلٍ، فمن جاوز منكم العلم أو العدل في إنكاره علي أمرًا فيغفر الله له وهو في حِلٍّ مني، لكنه أحب إلي ممن رآني على منكرٍ يحسبه كذلك ثم سكت علي؛ أعوذ بك اللهم أن أجعل برائي في عبادك المؤمنين مهما كنت لهم مخالفًا.

إنما أمحو بعض تعليقات المجرمين من أتباع حزب الزور، وقد أحظر بعضهم اضطرارًا -على غير العادة- إذا بقي يُشغِّب على كل منشورٍ بهتانًا وعدوانًا.

أحلف بالله إني لأقرأ التعليق العنيف لأخٍ من إخواني؛ فأرجو من الله أن ألتقيه فأُقبِّل رأسه وألتزمه وأقول له: حنانيك حبيبي وهداديك، إنك أخي وإني أخوك، أحسن بي الظن في هذا الباب مهما خالفتني؛ فإن حسنة حسنات هذا الزمان أن تلقى الله بريء الصفحة من حرف ثناءٍ بخيرٍ واحدٍ منطوقٍ أو مكتوبٍ تقوله في طاغوتٍ من الطواغيت؛ عصمني الله وإياكم من هذه المُوبقة جميعًا.

رحم الله المشايخ الذين استفدت بهم هذه الخليقة؛ رفاعي سرور وعبد الله السماوي وعبد المجيد الشاذلي، وألحقني وإياكم بهم على الإسلام ثابتين.

يا شيخ؛ ادع الله لي

يا شيخ؛ ادع الله لي فقد تغير قلبي عمَّا كان عليه من هدًى وصلاحٍ.

يا حبيبي؛ أما قولك: يا شيخ؛ فإنك أخي وإني أخوك لا مشيخة ولا شيء، وأما قولك: ادع الله لي؛ فأفعل برحمة الله وأرجوه بأنه السميع المجيب أن يسمع مني فيك ويستجيب، لكن دعاءك لنفسك أولى فأولى؛ فإنك ذو الفاقة الصادق المضطر، وإن أحب أمرَيك إلى ربك أن تدعوه بنفسك لنفسك فيصعد إليه منك كَلِمٌ طيبٌ كما صعد إليه منك عمل السوء، وأما قولك: تغير قلبي عمَّا كان عليه من هدًى وصلاحٍ؛ فما سُمِّى القلب قلبًا إلا من تقلُّبه، ثم إني أبشرك بأن الله لم يتغير عما كان عليه من نعوت الرحمة وصفات الجمال، فكما كان بجميع صفاته أزليًّا كذلك لا يزال عليها أبديًّا؛ فهو التواب لم يزل، وهو الغفار لم يزل، وهو الهادي لم يزل، وهو الودود لم يزل، وهو البر لم يزل، وهو الرحيم لم يزل، وهو الكريم لم يزل؛ فمهما تغير قلبك وجدت ربك كما هو.

يا حبيبي؛ خيرٌ لقلبك من شكاية حاله إلى عبيدٍ قلوبهم أشد افتقارًا إلى الله في هداها وصلاحها منه؛ أن تشكوه إلى ربه؛ الرب الذي لا أخبر منه بأسقامه ولا أبصر، الرب الذي لا أقوى منه على تطبيبه ولا أقدر، الرب الذي لا أدنى منه في تثبيته ولا أقرب، الرب الذي ما تقلَّب القلب مذ خُلق إلا على عينه وكفى.

يا حبيبي؛ ادع الله بما يشكوه قلبك جميعًا مما تحس وتجد؛ ما ظهر من أدرانه وما بطن، ما دقَّ من أمراضه وما جلَّ، كلِّمه بلسان عبوديتك الذي هو أفصح في سمع الله من كل لسانٍ، ما أبلغ دعاء عامِّيٍّ سمعته يقول -صادقَ الذل مُتَّقِدَ الفؤاد أحسبه-: يا رب انا في قلبي بلاوي انت اللي عالم بيها، ولو معافتنيش منها هضيع في الدنيا والآخرة! سبقت ضراعته والله ضراعة متفاصحٍ يتقعر في ابتهاله بارد القلب يتغنى، وإلهِ قلبك ما له سوى الله.

من أنت لتتكلم في الشيخ

من أنت لتتكلم في الشيخ مصطفى العدوي، وأمثاله من الشيوخ!

أنا عبدٌ كثير السيئات قليل الحسنات؛ لكني أعوذ بوجه الله أن أزيد إلى سيئاتي سيئة المداهنة في دين الله، وأرجو رحمته أن أزيد إلى حسناتي حسنة الصدع بالحق لا أبالي، أنا أخوك الذي لا يحب الشيوخ لذواتهم فيقف معهم أينما وقفوا ويسير معهم كيفما ساروا، أخوك الذي لا يُعظِّم الشيوخ إلا بقدر تعظيمهم الحق، فمن ركب منهم الباطل المقطوع به -كالترحم على الطواغيت المنازعين الله ربوبيته وألوهيته وأسماءه وصفاته، المالئين الأرض كفرًا وجورًا وفسادًا، المخجلين الشياطين بأنواع طغيانهم، وكالقول بجواز بناء السجون لهم- من فعل فيهم هذا بجلاءٍ لا يخاف عُقباها؛ كنت أولى منه بالتجلية وألا أخاف عُقباها، وأن أفي بعهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي ذرٍّ الغفاري -رضي الله عنه- قال: “أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بخصالٍ من الخير؛ ..، وأوصاني ألا أخاف في الله لومة لائمٍ، وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرًّا”.

هذا أنا أخوك أخي؛ إن قبلت أخوَّتي على ذلك فمرحبًا بك ولك المنة علي بمؤاخاتي، وإلا فقيَّض الله لك أخًا خيرًا مني، عائذًا بالله أن أسخطه في رضاك.

سأل سائلٌ منكم: ألا يكون

سأل سائلٌ منكم: ألا يكون الشيخ مرضيًا حتى يُسجن!

أعاذ الله كل شيخٍ بل كل مسلمٍ بل كل كافرٍ مسالمٍ من السجون.

ما كان الأسر ميزانًا يوزن به الناس، إنما يُمدح صاحبه إذا ابتلي به على الحق الذي هو عليه في علمٍ أو عملٍ؛ فصبر ولم يبدل تبديلًا، نعوذ بالله منه كافةً.

إنما ميزان الله الذي لا ميزان معه؛ ألا يُجعل الطواغيت (الذين لا يشك في طاغوتيتهم إلا من طمس الله بصائرهم) ولاة أمورٍ للمسلمين، ولو قالوا إنهم ظالمون، ولو قالوا لا سمع لهم و طاعة إلا في المعروف، ولو كانوا أقل شرًّا ممن يُعبِّدون الناس للطواغيت كالمدخلي ورسلان وأشباههما من المارقين، فحسبهم عارًا أن جعلوهم ولاة أمورٍ؛ لذلك يأذن الطواغيت لهم بالانتشار.

رأيت مصطفى العدوي يفتي بجواز العمل في بناء السجون، ورأيته يترحم على السادات (غلام عبد الناصر وصاحب كامب ديفيد ومعاهدة السلام وسائر المخازي)، ورأيته يترحم على مبارك ويعزي أهله، ورأيت محمد حسن عبد الغفار يقول عن طواغيت مصر ولاة أمورٍ، ويبكي بكاء الثكالى رِثاءً لشيوخ الرجز من حزب الزور في الإسكندرية؛ فما هذا في ميزان الله يا عباد الله وأقسطوا!

القصوريون: أتباع الطواغيت الذين يجعلونهم

القصوريون: أتباع الطواغيت الذين يجعلونهم ولاة أمورٍ لا يُثار عليهم.

القبوريون: الذين يدعون الموتى مع دعائهم الله، والمُزيِّنون لهم ذلك.

أكثر القبوريين قصوريون، وأكثر القصوريين قبوريون؛ نكالًا من الله الذي جزاؤه في الخير والشر من جنس ما يعمل عباده، يُفرِّط الواحد منهم في توحيده من هذه الجهة فيطمس الله بصيرته في تلك، وكم رأينا! بالله عِياذًا ولِياذًا.

إلا السلفيين من القصوريين فإنهم ليسوا قبوريين، ترى الواحد منهم يصد الناس عن عبادة القبور فيظنون به خيرًا، ثم هو يُطوِّعهم للطواغيت بجعلهم ولاة أمورٍ لهم لا يُثار عليهم؛ كمصطفى العدوي ومحمد حسان من كبارهم، ومحمد حسن عبد الغفار وعلاء إسماعيل من صغارهم، فهؤلاء جميعًا يعتقدون الطواغيت ولاة أمورٍ؛ فلا يفتننكم الواحد منهم إذا رأيتموه يصد الناس عن القبوريين؛ فإن حق توحيد الله ألا يُشرَك به حيٌّ مقصورٌ ولا ميتٌ مقبورٌ.

أكتب هذا عالمًا ما يجرُّه علي من سخط مساكين، لكن حق الرب ألا يُخاف فيه لومة لائمٍ، وإني مستجيرٌ بعزته أن يقول لي يوم القيامة: عبدي؛ ما منعك أن تقول الحق! فأقول: خشية الناس، فيقول لي: فإياي كنتَ أحق أن تخشى.

هل يجتمع الحب والأذى؟ ما

هل يجتمع الحب والأذى؟

ما بقينا أَنَاسِيَّ وفي هذه الحياة الدنيا فنعم؛ لا بد من حبٍّ ولا مناص من أذًى، إنما الحب الذي لا أذى بين يديه ولا خلفه؛ فالذي هو كائنٌ في دار السلام جوارَ الله، تلك الجنة التي قدَّس الربُّ فيها كل شيءٍ عن كل شرٍّ أن يُمازِجه.

بَيْدَ أن صادق الحب لا يقصد إلى إيذاء محبوبه بسببٍ من الأسباب على حالٍ من الأحوال، بل لو قصد أذاه طرفة عينٍ فما دونها أخطأه، أَنَّى يروم أذاه وما حبُّه إلا اشتهاءُ قلبه أن يُنْعِم بالحب ويَنْعَم! فهما ضدَّان لا يجتمعان.

فإذا هو غُلِب ساعةَ وَهَنٍ في الحب أو غفلةٍ من العقل فآذى محبوبه نفسًا؛ لم يؤذه حِسًّا، وإذا آذاه حِسًّا لم يؤذه نفسًا، هو في ذلك كالعبد الصالح في جَنب الله؛ إذا غُلِب على معصيةٍ لم يجتمع عليها بكُلِّيته، إن يَغِب شطرُ قلبه عن شهود جلال الرب حالَ الذنب؛ يَحضر شطرُه الآخر في شهود الجمال.

ثم إنه مهما نأى يؤوب من قريبٍ، لا قِبل لقلبه بالجفاء ولا طاقة لروحه على البِعاد، يرى مجرَّد صدور الأذى عنه أعسر حسابٍ جُوزيت به نفسُه من نفسه، فيُقبل على محبوبه معتذرًا إلى ذاته فيه ثم إليه في ذاته، فليس ثَمَّ إلا نفسُ واحدةٌ ذاتُ شِقَّيْن، قد شاء الجبَّار لهما من بعد عارض البُعد التئامًا.

ومن كانت تلك رُتبة محبته؛ لم يسع محبوبه إلا الهرولة بقبول اعتذاره، والخضوع عند استغفاره، ومبادلة استعفائه بانكساره، إلا قدَرًا مقدورًا.

بالربِّ من همْز كل شيطانٍ

بالربِّ من همْز كل شيطانٍ وأن يَحضرونا عِياذًا، وإليه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا لِياذًا، واحتِماءً بِعُصُمِه أن نُشَاقَّه جهرةً أو نتسلَّل لِواذًا.

بسم الله مولانا ما توالى عَشِيٌّ وإشراقٌ، منه لاح المُبتدا وإليه يَغْرُب المَساق.

المحمود أزلًا أبدًا ربُّنا عزَّ جلالُه، والمُصَلَّى عليه دِيمةً نبيُّنا محمدٌ وآلُه.

شُهَّدًا ألا إله إلا الله؛ تفرَّد بالربوبية كما استأثر بصفات الكمال وكمال الصفات، فاستحق جميع العبادات مألوهًا على جميع المعبودات.

صُدُقًا أن محمدًا عبده ورسوله؛ المُسْرَى به إلى المسجد الأقصى كتبَنا الله في مُعْتِقِيه جُندًا، المعروجُ به إلى سِدرة المُنتهى فلا أَنْضَرَ من قُدُسِها عِنْدًا.

سَمِع سامعٌ بحمد الله وحُسن بلائه علينا، ربَّنا صاحِبنا وأفضِل علينا، عائذِين بالله من النار.

اللهم بك نصول وبك نجول، فيما نقصِد ونفعل ونقول؛ بدِّل مكان سيئاتٍ صبَرْنا أنفسنا فيها هذه الحسنة التي صبَرْتنا فيها، وأنت الغفور الشكور، وما قضيت لنا في الدنيا بقاءً؛ فاقدُر لنا على الدين لقاءً، واجعله من كل مُخَبِّبٍ نقاءً، رحمتَك وبركاتِك علينا إنك حميدٌ مجيدٌ.

رَضِيُّ السلام وهَنِيُّ الرحمة وصَفِيُّ البركات على الجليلة والدتي، وعلى البررة أهل بيتي، وعلى الطيبين أرحامي، وعلى النبلاء أصحابي، وعلى الكرماء جيراني، وعليكم إخوة التوحيد والزاكيات كافةً أجمعين، ولا تُسلِّم اللهم في الدارين وبرزخٍ بينهما على قُبُورِيٍّ مخذولٍ يُسَوِّغُ للناس دعاء المقبورين فيُشركون بك موتى لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، ولا على قُصُورِيٍّ مرذولٍ يُطَوِّعُ للناس حُكم الطواغي فيُشركون بك أحياءً هم شر خلقٍ بين أرضك وسمائك.

رحم الله عبده أيمن، وغفر له، وتجاوز عنه، وتقبله في خير الشهداء، وألحقه بأرباب طريقه الذي عاش عليه ومات عليه، وأخلفنا خيرًا منه، ولعن قاتليه، وبصَّر بهم، وأمكَن منهم؛ إنه هو العزيز الرحيم.

أستغفر الله من موجبات الخذلان في قصدي وقولي وعملي ما ظهر منها وما بطن، وأستهديه لقلبي وقلوب عبادٍ لا يريدون عُلُوًّا في الأرض ولا فسادًا، وأستعيذ به لي ولمن واليت فيه من النار وما قرَّب إليها من قولٍ وعملٍ، وأستعين به على التسديد والمُقاربة ابتغاء وجهه الأعلى وثوابه الأحلى، وأسترحمه لكل داعٍ إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة على بصيرةٍ لا يخاف فيه لومة لائمٍ، وأسترضيه لكل معينٍ عباده على ما خلقهم لأجله في علمٍ نافعٍ أو عمل صالحٍ، بربي الحول والقوة له مقاليد كل شيءٍ وهو البرُّ الكريم.