سأل سائلٌ: كيف أنصر المستضعفين

سأل سائلٌ: كيف أنصر المستضعفين من الموحدين أينما كانوا؟

كل ديار المسلمين محتلةٌ، لا فرق بين دارٍ لهم ودارٍ؛ إما من الكافرين كفرًا أصليًّا كالمغضوب عليهم والضالين والمجوس وعُبَّاد البقر والشيوعيين وأشباههم، وإما من عبيدهم (وكلاء النظام العالمي) من طواغيت العرب المرتدين، وهؤلاء شرٌّ من ساداتهم في احتلالهم بلاد المسلمين من وجوهٍ عدةٍ؛ فإنه لا يفعل بأمةٍ عدوٌّ أجنبيٌّ عنها ما يفعل بها عدوٌّ هو منها؛ أعدَّنا الله لهم.

من لم ير حكام العرب طواغيت مرتدين وكلاء للنظام العالمي حقُّهم الجهاد؛ فهو من الخونة أو الدروايش؛ فأما الدراويش فالذين يعلمون أنهم مجرمون لكنهم لا يتخذونهم أعداءً كما يتعيَّن عقلًا وشرعًا، ويعتزلون جهادهم بالسِّنان واللسان؛ أولئك لا تُخَوِّنوهم فتظلموهم، ولا تُمَكِّنوهم فتظلموا الإسلام، وأما الخونة فالذين يوالونهم بأقوالهم أو أفعالهم؛ أولئك قاتلوهم بألسنتكم حتى يُقْدِركم الله على قتالهم بأسِنَّتكم؛ ذلك أقوم للملة وأهلها.

من عرف هذا علم أن جهاد هؤلاء المحتلين جهاد دفعٍ لا سعة لمكلَّفٍ في تركه، كلٌّ بما يستطيع، وهو أعظم عند الله منزلةً من جهاد الطلب؛ لأن جهاد الدفع يحفظ رأس المال وجهاد الطلب يحفظ ربحه، فلا يستويان.

قال: فإن كنت عن جهاد هؤلاء وأولئك بالقوة عاجزًا؛ فماذا علي؟

من عجز عن قتال هؤلاء وأولئك بيده؛ فبقلبه ولسانه وماله وما استطاع، وليتهيأ بكل مقدورٍ عليه في نفسه وفي غيره حتى يجعل الله له سبيلًا.

انصروهم بتوحيد المعبود جلَّ وعزَّ؛ فلا قبور يُشْرَك بموتاها مع الله في الإرادة والقصد، ولا قصور يُشْرَك بطواغيتها مع الله في الطاعة والحكم، وليس أدلَّ على توحيدكم ربكم في نوعَي العبادة ذَيْنِ (الإرادة والقصد، والطاعة والحكم)؛ من جهادكم القبوريين والقصوريين بما تقدرون، واعلموا أن كل قبوريٍّ قصوريٌّ ككثيرٍ من الأزهريين، وليس كل قصوريٍّ قبوريًّا ككثيرٍ من السلفيين، ولولا ابتغاء قصوريِّي السلفيين امتيازهم عن القبوريين لكانوا أمثالهم؛ إنهم ليزعمون الكفر بالقبور ثم هم بالطواغيت فارضِي عبادتها مؤمنون! قوتلوا أجمعون.

انصروهم بتوحيد المتبوع صلى الله عليه وسلم؛ فلا تشركوا به في الاهتداء والاقتداء أحدًا، معظِّمين جنابه وسنته وأصحابه، مكثرين الصلاة عليه.

انصروهم بتجريد الولاء والبراء في الله؛ قرِّبوا من قلوبكم وجسومكم من قرَّب الله وإن بعُد عنكم، وأبعدوا عن قلوبكم وجسومكم من أبعد الله وإن قرُب منكم، وليس أهل الموالاة سواءً منهم صالحون ومنهم دون ذلك، ولا أهل المعاداة سواءً منهم كافرون ومنهم مبتدعةٌ ومنهم فاسقون.

انصروهم بطاعة ربكم فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، ومن عصا فترك واجبًا أو فعل محرمًا فليتب إلى الله توبةً نصوحًا، وليُبَدِّل حُسْنًا بعد سوءٍ، انظر كم قرن القرآن بين النصر والاستغفار! هزم الإسلامَ المُصِرُّون.

انصروهم بإحياء شعيرة الجهاد؛ في نفوسكم وفي أبنائكم وفي المسلمين، ليس في القدَر كله ولا في الشرع جميعه -إلى قيام الساعة- سبيلٌ يعادَى به العدوُّ غير الجهاد في سبيل الله؛ صدق الله وكذب المنافقون.

انصروهم بالانكباب على القرآن والسنة؛ علمًا بهما وعملًا، ظفِر المستكثرون.

انصروهم بإحصاء أسماء الله؛ حفظًا لها وفقهًا بها وعملًا بمقتضاها ودعاءً.

انصروهم بالدعوة إلى الله؛ كلٌّ بما يقدر ويحسن، ما أكثر شُعَب الإسلام!

انصروهم بإصلاح قلوبكم؛ مع الحق صدقًا وإخلاصًا، وفي الخلق برًّا ومرحمةً.

انصروهم بالحق؛ تبصُّرًا واستمساكًا ومفاصَلةً، تعس في المعركة جاهلٌ وجبانٌ.

انصروهم بإقامة العدل فيما بينكم، لعل كثيرًا من ظلم عدونا لنا بتظالُمنا بيننا.

انصروهم بإعداد نفوسكم؛ كَفًّا لها عن سَفْسَاف الأمور، وحَمْلًا لها على معاليها.

انصروهم بإعداد أجسادكم وصية رسولكم؛ كلٌّ بما يقدر عليه من رياضةٍ.

انصروهم بأموالكم؛ ادَّخروا من أطيبها خيرًا لأمتكم، وإنْ يسيرًا يباركه القدُّوس.

انصروهم بقراءة التاريخ والاعتبار بالسُّنن، وفقه الواقع بغير وَكْسٍ أو شَطَطٍ.

انصروهم بالتفقه في الإسلام عقيدةً وشريعةً؛ كلٌّ بما يستطيع من وسيلةٍ.

انصروهم بالزهد في الدنيا؛ من اطمأن بها ملأ الله قلبه وهنًا، ونزع مهابته من قلب عدوه، ولم يكن في عامة عمله إلا مؤثرًا إياها على دينه.

انصروهم بمعرفة الجاهلية؛ ظنِّها وحكمِها وتبرُّجِها وحَمِيَّتِها؛ ظنُّها: فلسفاتها وعقائدها وثقافاتها وأفكارها وفنونها، وحكمُها: تشريعها وقضاؤها وتنفيذها، وتبرُّجُها: شهواتها ومعاصيها، وحَمِيَّتُها: استكبار نفوس أهلها.

انصروهم باجتماعكم على محكَمات العقائد والشرائع، وما اختُلف فيه فحَسْب كلٍّ تقليدُ موثوقٍ بخشيته من الله ودرايته بأحكامه؛ كفى شعثًا.

انصروهم بإعداد ما تستطيعون من قوةٍ علميةٍ وعمليةٍ؛ وإن علم اليوم لعمل غدٍ، وأبواب العلم النافع الأمةَ في دينها ودنياها لا تحصى عدًّا.

انصروهم باستدبار طرائق الإخوان وعامة السلفيين في التغيير (زعموا)، كافرين بكل طريقٍ لا يفاصِل أهلُه الكفر، ولا يرون الجهاد وحده سبيلًا.

انصروهم بصادق الدعاء زَرَافاتٍ ووُحْدانًا، على كل أحوالكم وجميع أحيانكم.

انصروهم بنشر قضاياهم؛ كلٌّ بما يستطيع، ما أعظم آثار الإعلام في الناس!

انصروهم بحرب ابن العلمانية البكر (الإرجاء)، من لم تحرقه ناره لوَّثه دخانه.

انصروهم بكل وسيلةٍ توصِّل إليهم مالًا؛ حَسْبنا الظن الراجح، لا حيلة في اليقين.

لا أقول إنا لا نُنصر حتى نفعل ذلك جميعًا وأنَّى! بل حَسْبنا بذلُ المستطاع، “مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ”؛ إنما السبيل على ستةٍ؛ المبدِّلين والمقتسمين والمضيِّعين والمعوِّقين والغلاة الشاطِّين والفسقة المُصِرِّين.

لا إله إلا الله؛ الحَوْل به، والقوة منه، والتفويض إليه، والتوكل عليه، “إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ”.

نحن أم الله أصدق حبًّا

نحن أم الله أصدق حبًّا للمبتلَين!

الذين نحبهم نحب لهم ‍العافية لأنها خيرٌ لهم في أجسادهم ومعاشهم، والذين يحبهم الله يحب لهم البلاء لأنه خيرٌ لقلوبهم ومعادهم، حياة الأجساد في معافاتها وحياة القلوب في ابتلائها، ‍العافية تستخرج فجور النفوس والبلاء يستخرج تقواها، الأجساد إلى زوالٍ والقلوب إلى بقاءٍ؛ ينظر الله في الدنيا إلى قلوب عباده لا إلى أجسادهم، وتنفعهم سلامة قلوبهم يوم القيامة ولا يضرهم عطب أجسادهم، ‍العافية تحبِّب إليك الدنيا وتزيِّنها في قلبك، والبلاء يكرِّهها إليك ويقرِّبك من الآخرة. الآن يتجلى لك سرٌّ من حديث رسولك صلى الله عليه وسلم: “إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم”.

يا وليَّ الله؛ سل الله ‍العافية في نفسك وجسدك وفي كل متصلٍ بك ومنفصلٍ، هذي عبادةٌ ألزمكها الله ورسوله، إياك والتعرُّض للبلاء بكلمةٍ فما فوقها إن البلاء موكَّلٌ بالمنطق، وبالله فتعوَّذ منه دقيقِه وجليلِه، واعلم أن لله في ‍العافية عقائد وعباداتٍ وأخلاقًا هي أشقُّ عليك وأعجبُ عنده. إن الذين يحسنون العبادة في ‍العافية أرفع درجاتٍ عند الله وأولئك السابقون.

هذا حرفٌ لا يجرِّؤك على البلاء؛ لكنه يفقهك بالله والنفس والدنيا والآخرة.

ربنا اجعلنا عبادًا لك في السرَّاء والضرَّاء، واستخرِج منا فيهما ما تحب وترضى.

نحن أم الله أشد حبًّا

نحن أم الله أشد حبًّا لشهدائنا!

لا جَرَم أن الله أشد حبًّا للشهيد، لا مقايسة بين حبنا إياه وحب الله.

إن منتهى رجائنا للشهيد بقاؤه حيًّا معافًى، وهو ما لا يكون بحالٍ؛ فإنه لا محالة مبتلًى بنوع بلاءٍ، إن لم ينهشه بلاء القتل نهشه بلاءٌ سواه، سنة الله في الناس بعامَّةٍ وفي المؤمنين بخاصَّةٍ، ثم إنه لا محالة بعد العافية والبلاء ميتٌ.

فأما الله فإن حبه له الحب الحق؛ علم أنه صائرٌ إليه صائرٌ، وأنه إن لم يُمِته شهيدًا أماته بغيرها، وأن ما وعد به الشهداء في البرزخ ويوم القيامة لا يكون له حتى يكون واحدًا منهم، وأن الشهادة لا تقدِّم أجلًا كان عنده مؤخَّرًا، وأنه لا يُستدل بصورة جسمه الشنيعة مقتولًا على حقيقتها البديعة في عينه المقدَّسة؛ فاختار له الموت شهيدًا، لا يؤثِر بهذا إلا من اجتبى واصطفى.

يا مدِّعي حب الشهيد ثم هم يؤثر حياته على استشهاده؛ افعل له بعد موته عُشر عشير معشار ما الله فاعلٌ له ثم ازعم حبه؛ “إن للشهيد عند الله سبع خصالٍ؛ يُغفر له في أول دفعةٍ، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجار من فتنة القبر، ويأمن يوم الفزع الأكبر، ويُوضع على رأسه تاج الوقار (الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها)، ويُزَوَّج ثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، ويُشَفَّع في سبعين من أقاربه”، فإن لم تفعل ولن تفعل؛ فبما اختصه الله من الكرامات فافرح، لقد كدت أحسبك له من فرط الحزن عليه وقد نال ما نال كارهًا.

كأني بك الآن تصيح: من أشد مني بعد الله بما نال شهيدي فرحًا!

نحن أم الله أشد حبًّا لشهدائنا!

يا أهل كل شهيدٍ؛ هل

يا أهل كل شهيدٍ؛ هل يُطَيِّب نفوسَكم رجوعُ شهدائكم إليكم تارةً أخرى!

فإن رجوع الشهداء إلى الدنيا تارةً أخرى ليس ممتنعًا لذاته، ولقد أمات الله طائفةً من خلقه ثم أحياهم، كما قصَّ علينا في التنزيل قصصهم؛ لكن الله إذا رجَعهم إليكم كما تشتهون؛ فليَشْتَهُن هم الرجوع إليه بالشهادة مرةً بعد مرةٍ.

ألستم تصدِّقون خبر نبيكم -صلى الله عليه وسلم- ما لا تصدِّقون أعينكم! فإنه قال: “ما أحدٌ يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيءٍ؛ إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشر مراتٍ لِمَا يرى من الكرامة”.

يا أم الشهيد، يا أباه، يا أخته، يا أخاه، يا زوجه، يا عياله، يا أرحامه، يا أصحابه؛ خيرٌ من ذَهاب أنفسكم على شهيدكم حسراتٍ؛ أن تعملوا مثل عمله فتموتوا مثل ميتته؛ فإنا لا محالة عاملون أحد العملين فميتون إحدى الميتتين؛ فقَرُّوا أعيُنًا.

يا أهل كل شهيدٍ؛ إن الشهداء عنكم في شغلٍ فاكهون؛ بلَّغنا الله ثأرهم.

هل أتاك نبأ مثلَّث الكرامة

هل أتاك نبأ مثلَّث الكرامة الأعظم!

“وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ”؛ “وَيَتَّخِذَ، “مِنكُمْ”، “شُهَدَآءَ”.

فأما “وَيَتَّخِذَ”؛ فإن الاتخاذ قريبٌ من الاختصاص والاجتباء والاصطفاء والاختيار والاصطناع والإيثار، وكلها أفعالٌ أُضيفت في القرآن إلى ذات الله في مقام تشريف أصفياء عباده؛ لكن الاتخاذ يكون للنفس، تقول العرب: اتخذ فلانٌ الشيء لنفسه: إذا أحبه وارتضاه لها، وما كان لله أن يتخذ لنفسه من عباده إلا الذين أعدهم لذلك المقام العلي إعدادًا، وما كان لله أن يتخذ لنفسه من عباده إلا من أراد لهم خير خيرات الدور الثلاثة؛ الدنيا والآخرة والبرازخ بينهما.

وأما “مِنكُمْ”؛ فإن مِن هنا -على أحد الوجهين- تبعيضيةٌ، فيكون إظهار القرآن حقيقة الاتخاذ التي أبان حميدُ مبناها عن مجيد معناها؛ ممتدًّا إلى هذه اللفظة مبسوطًا فيها متجلِّيًا بها، فهو اتخاذٌ فوق اتخاذٍ كالنور على النور، فليس الشهداء ومن اتُّخِذوا منهم في الدنيا والآخرة عند ربهم سواءً.

وأما “شُهَدَآءَ”؛ فحسبك في جمالها الأَنفس وجلالها الأقدس؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو المَحْظِيُّ بالرسالة؛ تمناها لنفسه المكتفية بفضائل النبوة عن سماء كل فضيلةٍ، فقال معظِّمًا قوله بالحلف -وإنه لَلْغني الأغنى عن القسم بأنه الصادق المصدوق-: “والذي نفسي بيده؛ لَوددت أني أُقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أُقتل، ثم أحيا ثم أُقتل، ثم أحيا ثم أُقتل”!

فإن قال قائلٌ: هو مربَّعٌ لا مثلَّثٌ؛ لأن أعظم ما في تلك الكرامة فاعلُ “وَيَتَّخِذَ”: الضمير المستتر الذي تقديره (هو)، العائد إلى الله الذي هو الله؛ الله الذي لولاه ما كان اتخاذ الشهداء لذاته العَلِيَّة، ولا كان شيءٌ مما يقتضيه الاتخاذ من الكمالات السَّمِيَّة، الله الذي له وحده الربوبية الكاملة والألوهية التامة والأسماء الحسنى والصفات المثلى، الله ذو الجلال والإكرام، الله الذي لا أجلَّ منه ذاتًا وأسماءً وصفاتٍ وأقوالًا وأفعالًا ولا أعظم، الله الذي على العرش استوى، إن قال قائلٌ: هو لأجل ذلك مربَّعٌ لا مثلَّثٌ؛ وجب الخضوع لقوله.

يا شهداء الإسلام المتخَذين من نفس الله لنفسه؛ ينبغي لمن عرف ذلك عنكم أن يبكي فوات حظِّه مما آثركم الله به على المسلمين بعد إيثار المسلمين بالتوحيد على العالمين؛ لا أن يبكيكم؛ تقبلكم الله بأحسن قبولٍ أجمعين، وربط على قلوبنا بعدكم لنكون من المؤمنين، هنيئًا لكم اتخاذ الله.

كيف يحرك ملعون مصر بنفسه

كيف يحرك ملعون مصر بنفسه مظاهراتٍ على المغضوب عليهم ضدًّا!

هذا منشورٌ كتبته أولَ حكم غلام آل نُحُوسٍ بالحجاز المحتلة مُذَمَّمَ بنِ سلمان، أعيد نشره جوابًا على هذا السؤال؛ اللهم انفع به فوق ما يخطر على قلبي:

“قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ”.

كيف يسمح الفراعنة بالإيمان بالإله الحق!

هل يكون الإيمان إيمانًا لو أذن به الطاغوت!

كيف خطر على بال فرعون سؤالُ السحرة ذلك!

أليس فرعون مدَّعيَ الربوبية: “أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى”، زاعمَ الألوهية: “مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي”، منتحلَ صفات الله المُثلى (الحاكمية والمالكية والقاهرية والقادرية والعلو): “أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي”!

ما لفرعون وقد غزا الإسلامُ قصرَه؛ لا يرى به غضاضةً إذا استأذنه أهله فيه!

إن حقيقة موقف الجاهلية من الإسلام واحدةٌ لا تتبدل (الإباء بلا تردُّدٍ، والحرب بلا هوادةٍ)؛ لكنَّ الإسلام إذا ظهر بسُنن الله الغالبة قدَرًا مقدورًا في الناس والأرض والحياة، وفشلت كل خطط أعدائه أن تَئِده في مَنبته؛ لم تعُد الجاهلية سيرتها الأولى (استئصال شَأْفَة الإسلام وأهله)؛ بل تزيِّن لأربابه صورةً أخرى مأذونًا بها؛ صورة إسلامٍ تسمح لهم -حتى إشعارٍ آخرَ- ببعض شعائره الظاهرة المحبَّبة؛ لكنه إسلامٌ مفرَّغٌ من حقيقته الثورية على الكفر دقيقِه وجليلِه، المجاهدةِ للطغيان جذورًا وثمارًا.

إنك لتحَار من بناء الجاهلية مسجدًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- وصَحبه ينزلون فيه -قبل تبوك- “ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ”! كيف تمكر الجاهلية بالإسلام في مسجدٍ! كيف تتخذ من أعظم معاقده قاعدةً لحربه! الجواب هو هو؛ إذا ظهر الإسلام بسُنن الله الغالبة قدَرًا مقدورًا في الناس والأرض والحياة، وفشلت كل خطط أعدائه أن تَئِده في مَنبته؛ لم تعُد الجاهلية سيرتها الأولى (استئصال شَأْفَة الإسلام وأهله)؛ بل تحاربه من داخله، وتكيده بوسائله.

وإن تكن الجاهلية أسست للإسلام -أولَ أمرِه- مسجدًا ضِرارًا تَنْفُذ منه لأهله، والمسجد هو ما هو ظهورًا في إسلاميته ورمزيته؛ فلا تسَل اليوم عن جامعاتٍ تُنسب للإسلام وهي ضِرارٌ، وهيئاتِ فتوى ضِرارٍ، ومجامعَ علميةٍ ضِرارٍ؛ ومراكزَ بحثيةٍ ضِرارٍ. إن جاهلية اليوم لتقدِّم للمسلمين صورة (دينٍ ضِرارٍ) تامِّ البنيان بدلًا من دينهم، مقاصده مقاصد بنيانهم الأول “ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ”؛ لكنَّ الوحي الذي عصم الله به نبيه -صلى الله عليه وسلم- والذين آمنوا معه؛ غفل عنه اليوم أكثر الأتباع فتاهوا، والنفر الذين بعثهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهدمه يومئذٍ؛ خلَفتهم خُلُوفٌ تستأذن فرعون أن تصلي فيه! إلى الله تُرفع الشكوى.

انظر المسافة بين إعراض السحرة -حُدَثاءَ عهدٍ بإيمانٍ- عن ترغيب فرعون الخفيِّ وترهيبه الظاهر: “آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ”، وبين قبول زُمَر شيوخٍ شابت لحاهم في الإسلام اليوم صورًا مبدَّلةً للإسلام؛ طَوْرًا يعرضها نُوَّاب الجاهلية العالمية عليهم عرضًا، وطَوْرًا بعده يفرضونها فرضًا.

وإن تَدْهَش فمن طائفةٍ تستنكر اليوم صورة إسلامٍ جديدةً تفرضها أمريكا (بالسيف) في الحجاز (إحدى ولاياتها الخليجية)، بنيابة غلامها المدلَّل مُذَمَّمَ بنِ سلمان لأغراضٍ جديدةٍ؛ وقد طوَّعت للناس صورةً قديمةً فرضها آباؤه (بالذهب) لأغراضٍ قديمةٍ! فلئن كانت الصورة الجديدة من هذه المُضْغة القذرة اليوم عُهْرًا؛ فما كان جعلها في أصلاب آبائه المَرَدة بالأمس طُهْرًا!

الآن أغتنم المقام لأجدد البراءة إلى الله ورسوله ودينه من فتاوى للشيخين ابن بازٍ وابن عثيمين -عفا الله عنهما- رقَّعت لآباء غلام الحجاز في السياسة الداخلية والخارجية ما رقَّعت، ومن شرٍّ منها اليوم للزنديقَين صالح المغامسي وحاتم العوني، ولئن كانت قرائن أحوال ابن بازٍ وابن عثيمين تقوِّي إحسان الظن بهما؛ فإن ضمائم أحوال المغامسي والعوني لا تزيدك في نفاقهما إلا بصائر.

إنا -على الوجع الفاتك بنا إذ نشهد فتنة المسلمين عن دينهم بالرَّغَب والرَّهَب في الحجاز- لمستبشرون بظهور شياطين آل نُحُوسٍ على حقائقهم لِمَخدوعيهم؛ فإن إغواء الناس بصوت شيرين عبد الوهاب؛ أهون من إضلالهم بصورة محمد بن عبد الوهاب، وإن خلْط النساء بالرجال يتمايلون في حفلات تامرٍ؛ أَدْوَن من سكينتهم مفصولًا بينهم في مجلس شيخٍ مقامرٍ، وإن دعاء السديس مرتدِّهم البطين بطول أعمار الطغاة في محراب البيت الحرام؛ أشنعُ في السماء من غناء مطرب رابٍ أمريكيٍّ يضطرب اضطراب النُّطَف الحرام.

الإرهاب كل ما لا تحبه أمريكا ولا ترضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة؛ أليس كذلك! فإن أمريكا أذنت لأهله بذروة سنامه الجهاد يومًا من الأيام؛ خطًّا من خطوطٍ عدَّةٍ سعت بها حثيثًا وقتئذٍ في مجابهة القطب الروسي، ومن قبلُ قدَرًا من أقدارٍ عدَّةٍ لرب العالمين في إدالة الدُّول.

هل تصدِّق أنه كان يُدعى للجهاد على المنابر، وتُجْمع له الأموال، وتُحَرَّض عليه الهمم! كان بالأمس القريب كلُّ ذلك وسواه -صُراحًا بَواحًا- بإذنٍ من فرعون البيت الأبيض لغرضٍ من أغراضه؛ فاليوم لا غَرْو إذا حارب فرعون نفسُه الجهاد -وإن كان معنًى باهتًا في نفس فتًى أشعثَ أغبرَ رابضٍ في زاويةٍ من زوايا داره- وقد انقضى له غرضُه؛ “فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ”.

فلئن انطلى هذا على الصادقين آبائنا وكان عذرهم الجهل بالمَقيس عليه؛
أفينطلي علينا وقد جلَّى الله لنا بعدهم في القياس ألف مَقيسٍ عليه!

لم تكن أمريكا بالأمس -كما لا تكون حتى تزول- ذاتَ العرش المجيد، ولا الفعَّالةَ لما تريد، ولا هي التي تبدئ في الأرض وتعيد؛ “بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا”؛ لكنَّ المليك الحق -جلَّ ثناؤه- قسَم لها -بجُملةٍ من سُننه الدَّوَّارة في خلقه- من الهيمنة ما شاء، مبتليًا بها من شاء، فهدى وأضل من شاء، عزيزًا حكيمًا.

يا أيها الحر بعبوديتك للإله الأحد، العزيز بالذلة للرب الأعلى؛ قل: يا أيها النظام العالمي “قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ”، وأشهدنا على آثاركم، كل إيمانٍ يأذن به وكلاؤكم هو مطيةٌ إلى الكفر بالله ربي، وكل ناقةٍ لا يكيد لعقرها نُوَّابكم فليست ناقةً لصالحٍ رسولي، “وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَآءُ أَبَدًا”.

هل في هذه النازلة جديدٌ

هل في هذه النازلة جديدٌ لم يخبرنا به الله ورسوله!

هل خرج هذا القدَر عن امتحانات الله الثلاثة التي ملأ كتابه عنها حديثًا!

لا أُوَبِّخ إخواني؛ لكن بالله إن الجهل بهذا لهو النازلة.

يا حبيبي؛ امتحانات الله للناس ثلاثةٌ: امتحانٌ عامٌّ ما خلقهم كافةً إلا له، مراده ابتلاؤهم بالقدَر (خيرًا وشرًّا) وبالشرع (أخبارًا وأحكامًا) لينظر كيف يعملون، وهو الذي في قوله تبارك: “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا”، وامتحان مثوبةٍ خاصٌّ بالمؤمنين الذين أفلحوا في الامتحان العام، مراده استخراج ما في قلوبهم من التقوى -بقدَرٍ أو شرعٍ يوفقهم فيه لما يحب ويرضى- فيجازيهم بهذا غفرانًا ورضوانًا، وهو الذي في قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ”، وامتحان عقوبةٍ خاصٌّ بالكافرين والفاجرين الذين خسروا في الامتحان العام، مراده استخراج ما في قلوبهم من الفسق -بقدَرٍ أو شرعٍ يخذلهم فيه بما يكره ويسخط- فيجازيهم بذلك سخطًا وعذابًا، وهو الذي في قوله تقدَّس: “وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ”.

أليس غريبًا أن تكون النازلة لأهل غزة (الذين طحنتهم طحنًا)؛ امتحان مثوبةٍ مراد الله به استخراج ما في قلوبهم من بدائع الصبر واليقين، مما أدهشنا بعضُه كيف لو رأيناه كلَّه! وتكون للساخطين (الذين لم تُصِبْهم في نفوسهم ولا جسومهم ولا أهليهم ولا أموالهم)؛ امتحان عقوبةٍ مراد الله به استخراج ما في قلوبهم من قبائح السخط والارتياب! بلى إنه غريبٌ يُخَوِّف من الله الأريب.

إن أحق ما اشتغل به عبدٌ يعلم أنه عبدٌ؛ معرفته أيُّ رَجُلَي الامتحانَين هو!

لأجل هذا أخوك قرير العين بقدَر الرب الأعظم هذي الأيام، ولو أن الله اجتبى منا كل يومٍ ألف شهيدٍ، وكانت ثمرة ذلك ما يُشْهِدنا من نتائج امتحانَي المثوبة والعقوبة؛ لكان حسبي؛ كيف واللهُ -زيادةً على هذا الفضل الكبير- أزاح عن جسد الإسلام العليل أنواع أورامٍ طال كُمُونها فيه! نَعِم من قرَّت عينه بالله!

ليس أحمق من محسني الظن

ليس أحمق من محسني الظن ببيانات الأزهر بعد محسني الظن بمؤازرة إيران وحزب اللات؛ إلا محسنو الظن بباسم يوسف ومحمد رمضان وحمو بيكا.

حَسْب شيخ الأزهر وكباره رجسًا في الدنيا والآخرة؛ انعدام الفرق بينهم وبين الدُّعَار من المشخصاتية؛ في كونهم عبيدًا لا يقولون غير ما يُمْلَى عليهم.

ما وراء الفرح ببيانات شيخ الأزهر وهؤلاء؛ إلا سوء التصور وغلبة الإرجاء والهزيمة النفسية والإفلاس العملي؛ لولا أن من الله علينا لفرحنا مثلَهم.

شيخ الأزهر المُحَرِّض على حرب الخارجٍين على طاغوته كلَّ خطابٍ، طاغوتِه أوفى جروٍ للمغضوب عليهم؛ شيخ الأزهر هذا هو نصير الجهاد اليوم! أحَّا.

نسي السُّكارى حضَّ أمريكا وغلمانها الطواغيت بالأمس القريب على الجهاد بأنفسهم أيام حرب الروس، مستعمِلين أزهريين وسلفيين وهم لا يشعرون.

ما إن وضعت حرب الروس أوزارها؛ حتى عاد الجهاد حرامًا كما كان، واستُعمل الشيوخ أنفسهم في تحريمه؛ بل في التحريض على قتال أهله الخوارج.

ألم يقل عليٌّ رضي الله عنه: استَدِل على ما لم يكن بما كان؛ فإن الأمور اشتباهٌ! فنحن يا صِهْر نبي الله قومٌ لا نعتبر بما هو كائنٌ لم يزُل؛ لا كاشف إلا الله.

يا كل شِيَع طواغيت العرب؛

يا كل شِيَع طواغيت العرب؛ نحن الخوارج الذين تَحذرون.

لسنا نكفر عصاة المسلمين مهما ركبوا من موبقاتٍ، ولسنا نستبيح دماءً عصمها الله والإسلام؛ لكنا استوفَقْنا ربَّنا في الطواغيت اللائي تعبدون فوفَّقنا، وجعلنا بعزته خوارج عليهم بعد اعتقادنا كفرهم ووجوب قتالهم، كلٌّ بما يقدر عليه “مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ”، كما نعتقد أن جهادهم وأوتادهم وكهانهم أولى من جهاد الكفار الأصليين إن كان لا بد ترجيحٌ، وإلا فالجمع أولى.

يا كل شِيَع طواغيت العرب؛ نحن الخوارج الذين تَحذرون.

هذي صفحتي أشتهي من الله أن تكون شاهدةً في صحيفتي على رفقي بالعصاة أمثالي، وعلى ترغيبهم في الهدى والمتاب، وعلى تحبيبهم في الله والإسلام، ما أغلظت في منشوراتها ولا تعليقاتها ولا رسائلها بحرفٍ فما دونه؛ إلا على القبوريين والقصوريين وسبَّابي أئمة السلف وفتَّاني النساء؛ بل ما خضت فيها بحرفٍ فما دونه فيما اختُلف فيه من الدين اختلافًا سائغًا.

يا كل شِيَع طواغيت العرب؛ نحن الخوارج الذين تَحذرون.

فرحون اليوم أنتم بجماهير اللاعنين المغضوب عليهم! فانظروا غدًا إذا قاتلنا نُوَّابهم من حكام بلادنا -وإنْ بألسنتنا- ما هم قائلون فينا وفاعلون! سيقول لك تسعة أعشارهم: أولئك الخوارج فاحذروهم؛ لذلك حقَّ علينا السبق بها، عبارةً لا إشارةً، تصريحًا لا تلويحًا؛ نحن الخوارج الذين حذركم الطواغيت، لا على مسلمٍ نخرج وإن فجر بأمه أو ابنته؛ بل على الطواغيت وكلاء كل المحتلين.

يا كل شِيَع طواغيت العرب؛ نحن الخوارج الذين تَحذرون.

نحن من لا يغادر شيخ الأزهر مقامًا أقامه فيه مولاه إلا نعتنا بالإرهابيين، وأوجب على أهل الأرض عربًا وعجمًا ما أوجب النظام العالمي من حربنا، وإنَّ شيخ الأزهر لَلشيطان الأخرس عن كل أنواع الفساد والإفساد التي لا يفعل سيده في البلاد والعباد سواها، نحن من لا يرضى عنا شيخ الأزهر رضاه عن بوذا وحسن حنفي، نحن من لا يعادي شيخُ الأزهر أحدًا مثلَنا بعزة ربِّنا.

يا كل شِيَع طواغيت العرب؛ نحن الخوارج الذين تَحذرون.

نحن من لم تُعْدَم نفسٌ منا إلا بعد إحالة أوراقها إلى مفتي الديار لعنه الله، وما جريمة كل معدومٍ منا بنظر سلطات الطاغوت التشريعية والقضائية والتنفيذية سوى (لا إله إلا الله)؛ لا إله إلا الله التي تقتضي الكفر بالقبور والقصور وسائر المعبودات قبل اقتضائها إثبات ما لله من جميع العبادات، وتقول الأسطورة: إن شيخ الأزهر ساخطٌ جدَّا ما يفعله مفتي الديار.

يا كل شِيَع طواغيت العرب؛ نحن الخوارج الذين تَحذرون.

نحن من لا يحاذر الطواغيت مثلَنا أيقاظًا وهم رقودٌ، مع ما لهم من القُوَى والقُدَر؛ فلا ينفكُّون حاضِّين على حربنا أوتادهم ما عقل منها وما لم يعقل، وتبذل طوائف من الأزهريين لهم العهر تطوُّعًا، وتجود جماعاتٌ من السلفيين لهم الخنا تبرُّعًا، لا يرجون أكثر من إبقائهم آمنين، ولولا خُفُوت شهود كبرياء الرب في قلوبهم ما جلَّت بها كبرياء الطواغيت؛ بالله العِياذ واللياذ.

يا كل شِيَع طواغيت العرب؛ نحن الخوارج الذين تَحذرون.

يكاد يقتلك الإحساس بالعجز أخا

يكاد يقتلك الإحساس بالعجز أخا ديني!

تالله ليس بعاجزٍ من ربُّه على كل شيءٍ قادرٌ قديرٌ مقتدرٌ.

القادر في نفسه، القدير على ما فعل، المقتدر على ما فعل وما لم يفعل.

يقينٌ ليس يشبهه يقينٌ أن باطن النازلة خيرٌ من ظاهرها.

إن أولى من انقشاع الغُمَّة أن نعتبر بها.

لعلك حين قرأت قولي: تالله ليس بعاجزٍ من ربُّه على كل شيءٍ قادرٌ قديرٌ مقتدرٌ؛ ظننته -وبعضُ الظن إثمٌ- قولًا خطابيًّا غايته المواساة المجرَّدة، وإنها والله لعقيدةٌ من عقائد الإسلام، نرتاب في وجودنا ولا نرتاب فيها.

يا أمة محمدٍ؛ هذا حديثٌ عظيمٌ يقرِّر لكم هذه العقيدة تقريرًا فتدبروه؛ جاء جبريل -عليه السلام- ذات يومٍ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو جالسٌ حزينٌ قد خُضِّب بالدماء ضربه بعض أهل مكة، فقال: ما لك! فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: “فعل بي هؤلاء وفعلوا”، قال: أتحب أن أريك آيةً! قال: “نعم أرني”، فنظر إلى شجرةٍ من وراء الوادي، قال: ادع تلك الشجرة، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، قال: قل لها فلترجع، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم، فرجعت حتى عادت إلى مكانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حسبي”.

ما حمل رسول السماء إلى رسول الأرض -صلى الله عليهما وسلم- إلا هذه الرسالة المقصودة من هذه الآية البليغة من آيات الله -تعالى- تقول: يا محمد؛ إن الله قادرٌ على إبهاج نفسك بأوليائك بحصول مشتهاك، يا محمد؛ إن الله قادرٌ على إقرار عينك في أعدائك بوقوع مبتغاك، واعتبر بشجرةٍ خاطبتَها فسمعت منك وعقلت عنك وفعلت ما أمرتها به؛ لذلك لم يسأل رسولُ الله جبريلَ عن حكمة ما أرسله الله به إليه؛ بل قال من فوره: “حسبي”؛ أي اكتفيت بالله قادرًا قديرًا مقتدرًا؛ فليفعل ربي ما شاء متى شاء أين شاء كيف شاء.

يا أمة محمدٍ؛ إن كان نبيكم قد اكتفى بما أراه الله من طلاقة قدرته على كل شيءٍ في أحلك ساعة شدائده، وهل بعد ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يُخَضَّب بالدم من شدةٍ في الوجود! إن كان نبيكم قد اكتفى بما أراه الله من آيةٍ كبرى؛ فهل أنتم بما اكتفى به مكتفون! هل أنتم قائلون ودماؤكم تنزف ما قال رسولكم ودمه -أقدسُ الدماء- ينزف: “حسبي”!

اللهم إنا قائلون الساعة بقلوبنا وألسنتنا: حسبنا؛ حسبنا أنت كافينا والكافُّ عنا، حسبنا أنت لك مقاليد السماوات والأرض، حسبنا أنت ونعم الوكيل، حسبنا أنت المولى وبنا والمستضعفين أولى، حسبنا أنت رحيمٌ وحكيمٌ؛ فافعل بنا اللهم ما تشاء، محمودًا بما قدمت وأخرت، مشكورًا بما قبضت وبسطت، ما ينبغي لقلوبنا مهما بلغت الحناجرَ أن تسيء بك الظنون؛ سبحانك!

أظنك الآن حبيبي أصلحَ بالًا؛ فتعال أَصْدقك الحديث تعال؛ إن الأمر دينٌ:

المحتلون بلاد المسلمين: المغضوب عليهم والصليبيون ونُظَراؤهم من أقطاب الدول العظمى. الطواغيت: حكام العرب المرتدون وكلاء المحتلين. أوتاد الطواغيت: الجيوش والشُّرَط والسياسيون والاقتصاديون والإعلاميون. كهان الطواغيت: شيوخ الرجس المُوالون لهم (رسميون وغيرهم).

يا معشر من آمن بالله ورسوله؛ من كان لديه عشرة أَسْهُمٍ فليَرْم المغضوب عليهم بسهمٍ وليَرْم الطواغيت بتسعةٍ، ومن كان عنده عشر قنابل فليُضْرِم في الطواغيت قنبلةً وليُضْرِم في الأوتاد اثنتين وليُضْرِم في الكهان سبعةً؛ إن سلطان الأوتاد على الجسوم وسلطان الكهان على القلوب.

ما الفرق بين دماء المسلمين الزاكية في غزة، وبينها في سورية، وبينها في الصومال، وبينها في مالي، وبينها في مصر، وبينها أينما كانت! أليس رسول الله -صلى الإله عليه- القائل: “تتكافأ دماؤهم”! هل في الإسلام دم مسلمٍ أولى بالعناية والرعاية من دمٍ مثلِه! هل يفاضل الطواغيت بين دماءٍ ودماءٍ فتتبعها الجماهير في الإحساس وعدمه حيارى وهم سُكارى!

إن المعركة الأولى ليست مع المغضوب عليهم في العالم كله بقيادة طفلة النظام العالمي المُدَلَّلة (الدُّويلة اللقيطة)، ولا مع الصليبية العالمية بقيادة أمريكا؛ معركتنا الحقيقية مع الطواغيت وأوتادهم وكهانهم؛ الطواغيت وكلاء كل عدوٍّ خارجيٍّ للأمة في حرب دينها ودنياها، النائبون عنهم في كل مبتغًى من بلادنا ومرادٍ، المحققون لهم من مقاصد الاحتلال القديم فوق ما يخطر لهم على بالٍ ويطوف لهم بخيالٍ ويدور لهم في مجالٍ؛ فإنه لا نفاذ للمغضوب عليهم إلينا ولا سلطان للصليبية العالمية علينا إلا بالطواغيت، ولا نفاذ للطواغيت إلينا ولا سلطان لهم علينا إلا بالأوتاد والكهان.

لعلك الآن تفقه لماذا كنا ولا نزال نعادي الطواغيت ما لا نعادي سواهم من قوى الجاهلية، ولا نقبل وصفهم بالحكام المتغلبين كما يقول سَقْطُ المتاع من أنجاس طلاب العلم! لماذا كنا ولا نزال نعادي المؤسسات الدينية الرسمية التي وظيفتها الأولى (التوتيد والتوطيد لأنظمة الطواغيت)، مهما أُذِن لهذه المؤسسات من نشر بعض الإسلام العلمي والعملي، وإن رأس هذه المؤسسات الكهنوتية لَلأزهر، لعن الله ثالوثه (الشيخ والمفتي ووزير الأوقاف)، لماذا كنا ولا نزال نعادي مناهج الإخوان وعامة السلفيين في التغيير (زعموا)، وإنْ هم إلا بعض أدوات الطواغيت السياسية والدينية في ترسيخ دعائم حكمهم جماهيريًّا، لماذا كنا ولا نزال نعادي القبوريين والقصوريين من الأزهريين والسلفيين، لماذا كنا ولا نزال نعادي من طلاب العلم ودُعَاته الذين يصفون جهاد الطواغيت بالألسنة والأَسِنَّة (بالصراع السلطوي)، الطاعنين كل ما قرَّب إلى جهاد الطواغيت من قولٍ وعملٍ.

إن عامة الذين تقرؤون لهم اليوم وتسمعون في لعن المغضوب عليهم؛ هم الذين يرقِّعون للطواغيت بالسلب والإيجاب آناء الليل وأطراف النهار؛ لذلك لا تنطلي علينا أقوالهم في نصرة المستضعفين بفلسطين وأنَّى ذا!

إن الله في عليائه فوق عرشه وسمائه لعليمٌ خبيرٌ شهيدٌ محيطٌ؛ أن هؤلاء أجمعين سبب ما الأمةُ فيه اليوم مما يفتِّت الأكباد ويُذيب المرائر، وما لم تفقهوا هذا أيها الأحرار فسيبقون رؤوسًا تفعل بالأجساد ما تفعل.

يا معشر من أَدْمَت النازلة أفئدتهم؛ لا ترجعوا بعد وضع الحرب أوزارها مهادنين الطواغيت وأوتادهم وكهانهم، قاتلوا بألسنتكم كل طالب علمٍ وداعيةٍ إلى الله (زعما) يرقِّعان لشيوخ القبور من الأزهريين أو لشيوخ القصور من السلفيين، قولوا لهم بألسنة أحوالكم قبل أقوالكم: “قد أفقنا؛ فما كان لكم بعد اليوم إذا خادعتمونا أن تخدعونا”. لعن الله المغضوب عليهم ومن تولاهم.

اللهم قد بلغت؛ اللهم فاشهد، اللهم قد بلغت؛ اللهم فاشهد؛ واغوثاه رباه.