قال لي تاركٌ للصلاة يومًا:

قال لي تاركٌ للصلاة يومًا: ما يمنعني من الصلاة إلا بلاءاتي.

وهل ابتلاك الله إلا لتصلي! إلا لتُرجعك الصلاة إلى عقد العبودية الذي مزقته.

لئن لم يُظهر لك البلاء عِظَم افتقارك إلى ربك؛ فما يُظهره!

ويحك! لئن لم يأت بقلبك البلاء؛ فليأتين بحياتك كلِّها عذابٌ لا فرصة لك بعده.

“وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ”.

ما يفعل الله بعذابك! أنت الراكض إليه المُصِر عليه؛ فاستنقذ نفسك بالصلاة.

ليس بين الأرض والسماء كربٌ مُعْذِرٌ في ترك صلاةٍ واحدةٍ.

لو أن مجاهدًا فرَّط في المكتوبة شُغلًا منه بالقتال؛ لرد الله جهاده في وجهه.

“يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ”.

تعاجَزوا عن السجود طَوْعًا؛ فأعجزَهم الدَّيَّان هناك كَرْهًا، “وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا”.

توهَّم نفسك في القيامة يدعوك الله إلى السجود؛ فلا تقدر!

“خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ”.

وَيْح المُرَهِّبين عُزَّابنا من النكاح

وَيْح المُرَهِّبين عُزَّابنا من النكاح -بالجِد والهزل- في الواقع والمواقع.

ألم يفقهوا أن كل ترهيبٍ وتقبيحٍ للنكاح؛ تحبيبٌ وتزيينٌ للسِّفاح!

وماذا عليهم لو قالوا في النكاح الذي قال شرعُ الإله وقدَرُه!

ظَلم النكاحَ من بَخَسه أشياءه، ومن حمَّله ما لا يحتمل.

“الدنيا سجن المؤمن”؛ فما دمت في الدنيا وما دمت مؤمنًا فأنت متقلِّبٌ بين زنازينه، بَيْد أن المتبصِّر بدنياه المتنعِّم بإيمانه لا يشقى بهذا الحبس شقاءً.

إن في النكاح تسكين ثائرات الجسوم، واتحاد أشطار النفوس، وإفضاء الحليل إلى حليله بباطن الفاقات وظاهرها، وقضاء أوطارٍ دقيقةٍ تخفي حتى على أهله، ولو لم يكن في النكاح من الغرائب غيرُ سَواغ انكشاف السَّوآت -المشتقُّ اسمُها من السوء- مع شدة طلب هذا والبذل له في تذلُّلٍ واستحسانٍ؛ لكان كافيًا! كيف وهو كَدْح أعقلِهما كَدْحًا ليَضِل بعضُ جسده في جسد الآخر!

لكنَّ هذه الدنيا دار المغانم والمغارم؛ لا مغنم فيها بلا مغرمٍ، ولا مغرم فيها بلا مغنمٍ، هذا على قدْر ذاك، والنار دار المغارم الغالبة؛ فإنه يدخلها مسلمون فيكون دخولهم فيها مغرمًا مفضيًا إلى مغنمٍ، فأما الجنة فدار المغانم الخالصة الأبدية، فمن رجا في الدنيا مغانم لا مغارم لها؛ فقد كشف عن جهلٍ بها فاضحٍ، وركونٍ إليها قادحٍ، ومن طلب مغانم النكاح مستحضرًا مغارمه رضي به.

ولما نوَّع الله حاجات الإنسان نوَّع في مصارفها؛ فجعل أصل راحة روحه في التوحيد، وأصل طمأنينة قلبه في الذِّكر، وأصل صلاح باله في الجهاد، وأصل قُرَّة عينه في الصلاة، وأصل طِيب حياته في الصالحات، وأصل شفاء عقله في العلم، وحاجاتٍ له سواها في مصارف أخرى من عباداتٍ ومعاملاتٍ؛ فاعجب لداخلٍ على النكاح -بسَمَادير الواقع، وتَهَاويل المواقع- يرجو به كل ذلك.

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

عشرٌ قالها الصادق المصدوق ﷺ

عشرٌ قالها الصادق المصدوق ﷺ في البلاء؛ تعلموها وعلِّموها أحبابكم:

“إن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم؛ فمن صبر فله الصبر، ومن جَزِع فله الجَزَع”.

“إن الصالحين يُشَدَّد عليهم”.

“من يُرِد الله به خيرًا؛ يُصِب منه”.

“إذا أراد الله بعبده الخير؛ عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر؛ أمسك عنه بذنبه حتى يوافَى به يوم القيامة”.

“إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء”.

“إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة، فما يَبلغها بعمله، فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يُبَلِّغه إياها”.

“لَيَوَدُّن أهلُ العافية يوم القيامة أن جلودهم قُرِضَت بالمقاريض؛ لِمَا يرون من ثواب أهل البلاء”.

“ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله؛ حتى يلقى الله وما عليه خطيئةٌ”.

“يؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيُصْبَغ في الجنة صِبْغَةً، فيقال له: يا ابن آدم؛ هل رأيت بؤسًا قطُّ؟ هل مرَّ بك شدةٌ قطُّ؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مرَّ بي بؤسٌ قطُّ، ولا رأيت شدةً قطُّ”.

“ما يصيب المسلمَ من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا همٍّ ولا حَزَنٍ ولا أذًى ولا غمٍّ، حتى الشوكةُ يُشَاكُها؛ إِلا كفَّر الله بها من خطاياه”.

صدَق الصادق المصدوق ﷺ؛ نشر الله لناشرها رحمته حيًّا وميتًا ومبعوثًا.

إن الذين عاهدوا الله في

إن الذين عاهدوا الله في الشدائد لئن نجاهم منها ليكونُن من الصالحين، فاستجاب الله لهم، ثم أخلفوا الله ما وعدوه؛ كان الله بإخلافهم الوعدَ من قبل إنجائهم عليمًا خبيرًا، لكنه مع ذلك نجاهم، لا لأنه يُخادَع جلَّ وعزَّ عليًّا كبيرًا، بل لأنه ربهم؛ فيحْلُم عليهم مع قدرته رأفةً بهم، ويُنْظِرهم أجلًا آخرَ رحمةً لهم، ويواليهم بآياته القدَرية والشرعية في الآفاق وفي أنفسهم لعلهم يهتدون، ما كل ذلك إلا ليتوبوا إليه فيدخلوا عليه فيذلُّوا بين يديه؛ فسبحانه من بَرٍّ ودودٍ!

هذه وجوه جمالٍ من ربوبية الرب الأكرم لا تتجلى لعبدٍ نبيلٍ؛ إلا أحنى رأسه خجلًا من سوابق إخلافه اللهَ وعودَه، واستغفر منها استغفار الحَيِيِّ الحَشِيم الذي لولا غلبة ضعفه البشري ما أخلف سيِّده وعدًا وعده إياه، وعزم عزمة رجلٍ شريفٍ أصيلٍ حسيبٍ ألَّا يخلف الله وعدًا يعده؛ فإن أوفى الوفاء ما كان لله الذي لا يستحق كمال الوفاء وتمامه أحدٌ مِثلُه، والرب ربٌّ، متى وجد من عبده هذا؛ غفر له وتجاوز عنه، وأعانه على اقترابه منه، رباه فاغفر لنا واهدنا؛ فإنا نحبك.

هذه ساعة نزول الرب الأعلى

هذه ساعة نزول الرب الأعلى إلى السماء الدنيا، يقول: هل من سائلٍ!

اللهم إن سؤلي وسؤلَ كل وليٍّ للموحدين؛ أن تتولى عبادك المستضعفين في أكناف بيت المقدس، وفي لبنان، وفي السودان، وفي مصر، وفي الشام، وفي الصومال، وفي تركستان، وفي الإيغور، وأينما كانوا؛ بخير التولي وأوفاه.

اللهم عليك بطواغيت العرب، وطواغيت العجم، ومن والاهم من المرتدين والمنافقين؛ بصِّر بهم، وأعِدَّ لهم، وأمكِن منهم، وتبِّرهم تتبيرًا، والعنهم لعنًا كبيرًا، واجعلنا في هذا أسبابًا، وأعِذنا من موالاتهم طرفة عينٍ حتى نلقاك.

اللهم إني لا أعوذ بك من مجرَّد موالاة كفرة الروافض؛ بل ألوذ بأسوار عصمتك وأحتمي بسُرادقات مَنَعَتك أن أخرس عن موجِبات لعنِهم مخذولًا مرذولًا، وألحِق أحياءهم بنافِقيهم في لظى نزَّاعة الشَّوى؛ فإن ما دونها لا كافٍ ولا شافٍ.

اللهم أسرانا؛ ثبِّتهم، وآمِنهم، وعافِهم، وأنجِهم، وأعزَّهم، وأمدَّ أهليهم بخير مددك وأبقاه، واخلُفهم في آبائهم وأمهاتهم ونسائهم وذرياتهم بأكرم الخلف، واطْوِ أيام العناء ولياليه طيًّا، واجعل حبسهم فداءً لهم من كل رجزٍ وفتنةٍ.

رب إنه ليس ظنًّا بك أنك تسمع وتتقبل وتستجيب؛ بل يقينٌ أكملُ أتمُّ.

اللهم إنا نسألك لذَّة النظر

اللهم إنا نسألك لذَّة النظر إلى وجهك الأكرم في فردوسك الأعلى خالدين في رضوانك الأكبر أبدًا، فإن قلت لنا: بأي شيءٍ من أعمالكم تسألوني هذا كلَّه وقد علمتم أني أعددته لأنبيائي وأوليائي! فجوابنا إن أذنت لنا بالجواب: لا بشيءٍ من أعمالنا نسألك ذا، وهل أعمالنا إلا ما أحصيت من الخطايا موجِبات الخرَس والخجل! إنما نسألك ذا بعقيدةٍ أرسخَ من الرواسي الشامخات في ثلاثٍ؛ رحمتِك بنا وقدرتِك علينا وغناك عنا، ثم أنَّا نحب أنبياءك وأولياءك هؤلاء ونحب أحبابهم ونعادي أعداءهم، لولا ذاك ما خطر لنا على قلوبٍ سؤالُ شيءٍ من شيءٍ، وكيف لفقراء البواطن والظواهر أن يفعلوا! فإن لم تستجب لنا ربَّنا؛ فهو بعض ما نستحق من عدلك المقدَّس غيرَ ظالمٍ لنا ولك الحمد؛ لكن ستحرق النار جسومنا الواهنة ونذلُّ ونخزى، وإن استجبت لنا ربَّنا؛ فلا جديد منك، إنْ هو إلا كمالُ ما عوَّدتناه من فضلك ورأفتك ورحمتك ومَنِّك وبِرِّك وإحسانك وجبرك وكرمك وتمامُه ولك الحمد، ولنُحَدِّثن عنك أنبياءك وأولياءك يومئذٍ حديث المحروم عن سيده الذي أغناه، وحديث الكسير عن مولاه الذي جبره، وحديث الذليل عن ربه الذي أعزه، نثني عليك في دارٍ ليس كمثلها دارٌ بمحامد ليس كمثلها محامد؛ أنك أنت الله الذي ليس كمثلك شيءٌ، تسكب الثناء على ألسنتنا ماءً منهمرًا.

ليس كل فرحٍ منك بالطاعة

ليس كل فرحٍ منك بالطاعة عُجبًا بنفسك ممنوعًا يكرهه الله.

بعض الفرح بالطاعة ضروريٌّ مشروعٌ يحبه الله؛ فرحُك بربك أن أوجدك من العدم فلولا هذا الوجود ما عرفت ربك ولا عبدته، فرحُك بربك أن بسط لك في الحياة فلولا بسطة الله فيها ما أطعته، فرحُك بربك أن ألهم عقلك فِعل الطاعة، فرحُك بربك أن شرح لها صدرك، فرحُك بربك أن يسر لك أسبابها، فرحُك بربك أن أعانك عليها فأحدثتها، فرحُك بربك أن أفاض عليك فيها وفتح لك، فرحُك بربك أن لم يجعل عقوبتك على سوالف الخطايا حرمانك منها، فرحُك بربك أن هداك إلى إحداث طاعةٍ مكان معصيةٍ، فرحُك بربك أن أظفرك على نفسك والشيطان والدنيا، فرحُك بربك أن عرَّضك بالطاعة لبركاتها التي وعد عليها في الدارين، فرحُك بربك أن أظهر لك من نفسك محبةً للخير وقوةً عليه وقد كنت تظن بها السوء لكثرة آثامها، فرحُك بربك أن قوَّاك على ضعفك وأقدرك على عجزك، فرحُك بربك أن أذاقك طعم حبه وقربه وكفى بها منةً.

هو فرحٌ لا تُحصى مظاهره؛ إذ هو فرحٌ بالله لا عُجبٌ بالنفس.

المتحرش بالنساء ظالمٌ لنفسه ولهن،

المتحرش بالنساء ظالمٌ لنفسه ولهن، لا يعذره تبرُّج متبرجةٍ مهما فحُش، ومنهم فجرةٌ يتحرشون بمحجباتٍ، لا دين يَزجر ولا مروءة تَردع؛ هدى الله الشارد، وغفر للمنيب، ومن أصرَّ فويلٌ له وثبورٌ.

المتحرش في المواقع كالمتحرش في الواقع، والهائم بامرأةٍ يظن نفسه -بفرَط الحب- ذا حقٍّ فيها ككُل أجنبيٍّ سواه، وغير الناكح الذي لا يجد من يستعف بها كالناكح أربعًا وله جَوارٍ.

حتى المُتَسَمِّحة بالتحرش التي تُغوي بنفسها وتُغري؛ لا يحل التحرش بها، وإن عدِمت من يغار عليها من أهلها؛ فإن لها ربًّا يغار عليها ونبيًّا كذلك، ولأن الناهي الأعلى ﷻ لم يفرق بين امرأةٍ وامرأةٍ.

لكنَّ الخاشية ربها تتصوَّن لنفسها بحجابها معنًى ومبنًى؛ فأما تصوُّنها به مبنًى فإدناؤها على بدنها الجلباب كما أمرها ربها، وأما تصوُّنها به معنًى فاجتنابها مخالطة الرجال في الواقع والمواقع.

إن الفجور في الباطن -وفي الإشارة كفايةٌ- قد طوى مسافاتٍ شاسعةً بين الناس وبين الفجور في الظاهر؛ فاليوم ما إنْ يخالط رجلٌ امرأةً -مع ضعف الديانة- حتى تنهشهما الفتنة نهشًا.

الفتنَ فاجتنِبوها، والسلامةَ فاجتلِبوها، فأما مستهبِلات النساء فلا عُتبى لهن، وأما المُقِلُّون من الدياثة والمستكثرون -من أوليائهم- فأركسَهم الله، وللغرباء قبضًا على الجمر طُوبى وحُسن مآبٍ.

ثلاثٌ كتبتهن في التدخين قديمًا،

ثلاثٌ كتبتهن في التدخين قديمًا، والآن جمعتهن لك هنا:

الأولى:

لعل فضائل خُلق (الإيثار) إذا أرادها أخي المدخن -سجائرَ أو شيشةً- وسعى لها سعيها وهو صادقٌ؛ أعانته على ترك التدخين أَعْجَلَ وقتٍ.

أن ينظر كيف يؤذي التدخين فؤادَي والدَيه وهم المتعشِّقان كماله في دينه ودنياه، وكيف يؤذي نفْس امرأته كلما دنا منها لا يبالي بخبث رائحة فمه وسواد لون أسنانه، وكيف يؤذي أبناءه نفوسًا وجسومًا، وأعظم من ذلك تهوين هذه المعصية في قلوبهم، وكيف يؤذي كل مخالطٍ من الناس.

فلو أنك آثرت هؤلاء المصطفَين عندك على نفسك؛ لقوي عزمك على تركه، وإذا كان أولئك المتروكُ لهم السوءُ مستحقين في نفسك تركَه؛ فكيف هو استحقاق أعظمِ متروكٍ له ومفعولٍ -جل جلاله- في قلبك!

يا حبيبي؛ ما أشق ترك التدخين لنفسك وبنفسك! ما أيسره لله وبالله! لا تدخل على المعصية تريد تركها بنفسك، بربك فادخل، ولربك.

الثانية:

رأيت المسكين وقد أخذ سيجارةً من إنسانٍ ناوله إياها ثم شكر له، فقلت له: من هذا؟ قال: صديقي، قلت له: ليس صديقًا لك من أوقد النار في صدرك حبيبي.

أخي المدخن؛ حتى يُبَغِّض العزيزُ الرحيمُ إليك الدخان؛ لا تُعِن عليه أحدًا، وما يدريك حبيبي! لعل رأفتك بغيرك أن يَضر نفسه؛ تكون سببًا لتوبة الله عليك.

ليس إحسانًا منك إلى إنسانٍ ولا منه إليك؛ تعاونُكما على شيءٍ من الإثم والعدوان، وقل لمن تحب إذا أراد منك ما لا يحب الله: إني أحب الله فلن أفعل.

إن من العصاة عصاةً إذا شهدت عليهم جوارحُهم بالآثام؛ شهدت لهم قلوبُهم بمحبة الله والرسول والإسلام؛ أولئك الذين يغيثهم بالمتاب ذو الجلال والإكرام.

ألم يكفك عونُك من باعك الدخان على معصية الله، وأن كنت في إطعام أهله المال الحرام سببًا! بربِّك فلا تزد الطين بِلَّةً والداء عِلَّةً، إني عليك لشفيقٌ.

كم تاب إلى الله مدخنون كانوا يتخايلون دخول الجمل في سَمِّ الخِياط ولا يتخايلون تركهم التدخين! إنها عزمات رجالٍ صدَقوا الله الخلاص منه فصدَقهم.

جرِّب أن تحرق ورقةً من المال في جوِّ الأرض بين يدَي مدخنٍ، سيراك سفيهًا وسينكر عليك؛ فإنك صديقي تحرق ما لا عَدَّ له من المال، وفي صدرك الغالي.

الأخيرة:

قال لي سائقٌ يومًا: أنا لا أدخن حتى أستأذن الراكب، فإن أذن لي وإلا فلا.

يا حبيبي؛ جعل الله أدبك وسيلةً إلى توبتك؛ لكن الله أولى بأدبك، وإنه لا يأذن لك بالتدخين قطُّ، فهو بامتناعك عنه لأجله أحق، ثم إن جهة الخلق ليست بجهة استئذانٍ في معصية الله، وما لم يأذن به الربُّ لم تنفعك فيه أُذون العالمين.

كيومٍ دخلت فيه مطعمًا، فقال لي عاملٌ به: تختار مكانًا يُدخن فيه أو لا؟

ما ترجمة هذه الكلمة من هذا المسكين -تاب التوابُ علي وعليه- في لسان ميزان الله إلا: تختار مكانًا يُعصى الله فيه، أو مكانًا لا يُعصى فيه؟ وإنها لَأَليمةٌ.

لو أن ربي هدى بهن حبيبًا واحدًا؛ لقد أَعظم المِنة علي.

حسناتُ السيئات! هل طرَق سمعَك

حسناتُ السيئات!

هل طرَق سمعَك هذا العنوانُ قطُّ حبيبي!

هذا حرفٌ لا يغريك بالمعصية قبلها؛ لكنه ينقذك من القنوط بعدها.

من اتَّبع أحسنه؛ فقد استحق بشارة الله، وكان مهديًّا من أولي الألباب.

لعل ذنبًا فعلته مغلوبًا من نفسك والشيطان، فأفقت من بعده نادمًا، على صادق التوب عازمًا؛ فَلان بالانكسار لله قلبك، ولهج بذكره لسانك، وخضعت لطاعاته جوارحك، لعل هذا الذنب أن يكون أرجى حسناتك عند الله.

إن للعبادة التي خُلِقْت لأجلها صورةً: هي امتثال الأمر واجتناب النهي، وحقيقةً: هي ذلُّ قلبك وإخبات نفسك، وقد يبلغ عبدٌ -بفعل المعصية، أو ترك الطاعة- من حقيقة العبادة ما لا يبلغه بصورتها؛ إذا هو صدَق الإلهَ المتاب.

إن العبد إذا أذنب، فأعقب ذنبه توبةً نصوحًا؛ صار ذنبه قدَرًا مقدورًا كسائر المصائب، وصحَّ له تأمُّل حكمة الله فيه؛ فالحمد لله بمُدْهِش رحمته.

يقول هذا التائب وقد بدَّل حُسْنًا بعد سوءٍ: أذنبت فخشع قلبي وانقادت أركاني، أذنبت فذهب كبري وانقشع غروري، أذنبت ففهمت من أسماء الله وصفاته ما فهمت، أذنبت فوعيت من سُنن الله ما وعيت، أذنبت ففقهت من أسرار الخلق والأمر ما فقهت، أذنبت فعرفت من نفسي ما عرفت، أذنبت فأشفقت على الخلق ما أشفقت، أذنبت فكرَّه الله إلي من عصيانه ما كرَّه، أذنبت فحبَّب الله إلي من رضوانه ما حبَّب، أذنبت فبعُد عني من الدنيا ما بعُد، أذنبت فدنا إلي من الآخرة ما دنا، أذنبت فأشهد الله قلبي من أنواع عبودياته ما أشهد، أذنبت فبصَّر الله عقلي من حِكَم شرائعه ما بصَّر، أذنبت فعُلِّمت من طرائق النفوذ إلى النفوس ما عُلِّمت، أذنبت فازددت لربي في قدَره وشرعه تسليمًا، أذنبت فعاديت الجاهلية والشيطان زيادةً، أذنبت فأحببت ربي حبًّا جديدًا.

هذي حسنات السيئات: حُظوظ من عصى ثم عقل، قد أفلح التوابون.

اللهم قِنا السيئات جميعًا، فإن كانت -ونعوذ بك- فلا تعدمنا حسناتها.

لو أن ربي نفع بحرفي عبدًا؛ لقد أتم المِنَّة.

للسيئات حسناتٌ.