آخر أصحاب الأستاذ. اليوم زاد

آخر أصحاب الأستاذ.

اليوم زاد الله بطن البسيطة تشريفًا؛ فالحمد لله إلى أرضه حمدًا طيبًا.

“لَتُنْتَقَوُن كما يُنْتَقى التمر من أغفاله، فليذهبن خياركم وليبقين شراركم”، قاله عظيم غرباء الأولين والآخرين -صلى الله عليه وسلم- آسِيًا مواسيًا.

كَفَتَ باطنُ الأرض جسدَ مولانا الشيخ الزاهد العابد القدوة العارف بالله محمد المأمون زكريا، خاتمة تلاميذ الإمام شهيد حاكمية القرآن سيد قطب.

اجتبى الله البارحة إليه نفْس ذلك الصِّدِّيق مبطونًا ناهز التسعين، بعد عقود عيشةٍ راضيةٍ قلَّبه فيها بين أنواع القربات زلفى، فكان بالعبادة حفيًّا.

جمع الله له بين زكاة النفس وذكاء العقل وقلَّ اجتماعهما، ولم تعرف خليقتُه التكلف معنًى ولا لفظًا ولا رابطًا بينهما، فما كان قطُّ من المتكلفين؛ بل ظل سمح النفس رضِيَّ الخُلق، يحقر من أدَّبهم الملوك آدابهم إلى آدابه.

لله كم أوذي في سبيله بالسَّجن مديدًا وبالتعذيب شديدًا، فما وهن لما أصابه في سبيل الله وما ضعُف وما استكان؛ كيف والمبذول له دين الله!

كرَّمني ربي بمجالسته والسماع منه؛ كما كرَّم أبي بذلك من نحو خمسين سنةً، وإن قريتنا (تلُّ بني تميمٍ) لمجاورةٌ قريته (الشوبك) في مركز شبين القناطر بمحافظة القليوبية، وليت ربي أحظاني من حاقِّ قربه بما أحظى سواي.

قليلٌ أولئك الذين يُبَصِّرهم الله بما خلقهم لأجله حتى لَيبقى بين أعينهم لا يزول عنهم ولا يزولون عنه، وأقلُّ منهم الذين يُصَبِّرهم الله على المُقام في ذلك علمًا به وعملًا له حتى يقبض نسماتهم الطيبة إليه يوم يقبضها غير خزايا ولا مبدلين، وما كان الشيخ غير عبدٍ من أقل قليل أولئك الراسخين البهاليل.

ومن أحسن حالًا من رجلٍ يُذْكر الله عند رؤية وجهه، وتعلو الهمم بمعاينة شريف همِّه! حتى لَيظن حديثُ السن كلما أراه الله نشاط الشيخ إلى النسك وإحسانه فيه؛ أنه الطاعن في السن لا هذا الشيخ الكبير؛ فتبارك هاديه وتعاظم.

أهذا الخافض جناحه إذ يخالقك وصوته إذ يحادثك حتى لتكاد تقتحمه إلا من هيبةٍ تعصم إهابه فتحجزك؛ هو دكتور الهندسة النووية المتين المكين!

سألته عن علة افتتان الخائن دينه وأمته علي عشماوي (فيما رأى الشيخ منه بنفسه)، فكان جوابه: الكبر، وذكر شواهد لهذا، وهذا -لعَمْر الله- جواب من صدَق الله وصدَّقه؛ فإن قانون طريق الجنة هو قانون الجنة في ميزان الله الواحد الأحد؛ فأما الجنة فأخرج الله منها إبليس بالكبر: “قَالَ اهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا”، وأما الطريق إليها فكل من لزم الكبر فيها أقصاه الله عنها: “سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ”؛ فإن الكبر ناقض العبودية الأكبر، فأما السيد القطب وأصحابه فكانوا أذلاء للمؤمنين، فأثابهم الله بالذلة للمؤمنين عزةً على الكفر والكافرين، وهل يغيظ الطواغيت (رؤوسًا وأذنابًا) مذ كان سيدٌ؛ مثل سيدٍ والذين يعادونهم معاداة سيدٍ!

ربَّنا الحيَّ حين لا حي، يا قيوم كلما افتقر إليك فقراؤك:

إنَّ الملوكَ إذا شابتْ عبيدُهمُ ** في رِقِّهمْ عتقوهمْ عتقَ أبرارِ

وأنتَ يا سيدي أولى بذا كرمًا ** قدْ شابَ في الرِّقِّ فاعتقْهُ منَ النارِ

اللهم؛ لا أحوج من عبدك الليلة إلى غفرانك ورضوانك وكلِّ خيرٍ في البرازخ وعدت به الذين آمنوا بك، ومن أوفى بوعده منك! اللهم؛ اجعل صبيحة ليلته رحمةً تبرُّه بها عند حشره في المتقين إليك وفدًا، اللهم؛ إنا -ودينَك- مصابون بفقده المصاب الجلل، وإنا قائلون: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ فآتنا ربنا ما بشرت به المسترجعين تصديقًا واحتسابًا، واربط اللهم على قلوب أهله ليكونوا من المؤمنين، واخلفهم وإيانا خيرًا؛ فإن أبدالك من خزائنك وخزائنك ملأى.

لئن لم أر سيدًا؛ فلقد رأيت ممن رآه نفرًا، وإني برؤيته على ظلال القرآن في ظلال العرش متباشرٌ؛ فاللهم اللهم، وعبادًا سمعت قلوبهم تقول: آمين.

يكاد يقتلك الإحساس بالعجز أخا

يكاد يقتلك الإحساس بالعجز أخا ديني!

تالله ليس بعاجزٍ من ربُّه على كل شيءٍ قادرٌ قديرٌ مقتدرٌ.

القادر في نفسه، القدير على ما فعل، المقتدر على ما فعل وما لم يفعل.

يقينٌ ليس يشبهه يقينٌ أن باطن النازلة خيرٌ من ظاهرها.

إن أولى من انقشاع الغُمَّة أن نعتبر بها.

لعلك حين قرأت قولي: تالله ليس بعاجزٍ من ربُّه على كل شيءٍ قادرٌ قديرٌ مقتدرٌ؛ ظننته -وبعضُ الظن إثمٌ- قولًا خطابيًّا غايته المواساة المجرَّدة، وإنها والله لعقيدةٌ من عقائد الإسلام، نرتاب في وجودنا ولا نرتاب فيها.

يا أمة محمدٍ؛ هذا حديثٌ عظيمٌ يقرِّر لكم هذه العقيدة تقريرًا فتدبروه؛ جاء جبريل -عليه السلام- ذات يومٍ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو جالسٌ حزينٌ قد خُضِّب بالدماء ضربه بعض أهل مكة، فقال: ما لك! فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: “فعل بي هؤلاء وفعلوا”، قال: أتحب أن أريك آيةً! قال: “نعم أرني”، فنظر إلى شجرةٍ من وراء الوادي، قال: ادع تلك الشجرة، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، قال: قل لها فلترجع، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم، فرجعت حتى عادت إلى مكانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حسبي”.

ما حمل رسول السماء إلى رسول الأرض -صلى الله عليهما وسلم- إلا هذه الرسالة المقصودة من هذه الآية البليغة من آيات الله -تعالى- تقول: يا محمد؛ إن الله قادرٌ على إبهاج نفسك بأوليائك بحصول مشتهاك، يا محمد؛ إن الله قادرٌ على إقرار عينك في أعدائك بوقوع مبتغاك، واعتبر بشجرةٍ خاطبتَها فسمعت منك وعقلت عنك وفعلت ما أمرتها به؛ لذلك لم يسأل رسولُ الله جبريلَ عن حكمة ما أرسله الله به إليه؛ بل قال من فوره: “حسبي”؛ أي اكتفيت بالله قادرًا قديرًا مقتدرًا؛ فليفعل ربي ما شاء متى شاء أين شاء كيف شاء.

يا أمة محمدٍ؛ إن كان نبيكم قد اكتفى بما أراه الله من طلاقة قدرته على كل شيءٍ في أحلك ساعة شدائده، وهل بعد ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يُخَضَّب بالدم من شدةٍ في الوجود! إن كان نبيكم قد اكتفى بما أراه الله من آيةٍ كبرى؛ فهل أنتم بما اكتفى به مكتفون! هل أنتم قائلون ودماؤكم تنزف ما قال رسولكم ودمه -أقدسُ الدماء- ينزف: “حسبي”!

اللهم إنا قائلون الساعة بقلوبنا وألسنتنا: حسبنا؛ حسبنا أنت كافينا والكافُّ عنا، حسبنا أنت لك مقاليد السماوات والأرض، حسبنا أنت ونعم الوكيل، حسبنا أنت المولى وبنا والمستضعفين أولى، حسبنا أنت رحيمٌ وحكيمٌ؛ فافعل بنا اللهم ما تشاء، محمودًا بما قدمت وأخرت، مشكورًا بما قبضت وبسطت، ما ينبغي لقلوبنا مهما بلغت الحناجرَ أن تسيء بك الظنون؛ سبحانك!

أظنك الآن حبيبي أصلحَ بالًا؛ فتعال أَصْدقك الحديث تعال؛ إن الأمر دينٌ:

المحتلون بلاد المسلمين: المغضوب عليهم والصليبيون ونُظَراؤهم من أقطاب الدول العظمى. الطواغيت: حكام العرب المرتدون وكلاء المحتلين. أوتاد الطواغيت: الجيوش والشُّرَط والسياسيون والاقتصاديون والإعلاميون. كهان الطواغيت: شيوخ الرجس المُوالون لهم (رسميون وغيرهم).

يا معشر من آمن بالله ورسوله؛ من كان لديه عشرة أَسْهُمٍ فليَرْم المغضوب عليهم بسهمٍ وليَرْم الطواغيت بتسعةٍ، ومن كان عنده عشر قنابل فليُضْرِم في الطواغيت قنبلةً وليُضْرِم في الأوتاد اثنتين وليُضْرِم في الكهان سبعةً؛ إن سلطان الأوتاد على الجسوم وسلطان الكهان على القلوب.

ما الفرق بين دماء المسلمين الزاكية في غزة، وبينها في سورية، وبينها في الصومال، وبينها في مالي، وبينها في مصر، وبينها أينما كانت! أليس رسول الله -صلى الإله عليه- القائل: “تتكافأ دماؤهم”! هل في الإسلام دم مسلمٍ أولى بالعناية والرعاية من دمٍ مثلِه! هل يفاضل الطواغيت بين دماءٍ ودماءٍ فتتبعها الجماهير في الإحساس وعدمه حيارى وهم سُكارى!

إن المعركة الأولى ليست مع المغضوب عليهم في العالم كله بقيادة طفلة النظام العالمي المُدَلَّلة (الدُّويلة اللقيطة)، ولا مع الصليبية العالمية بقيادة أمريكا؛ معركتنا الحقيقية مع الطواغيت وأوتادهم وكهانهم؛ الطواغيت وكلاء كل عدوٍّ خارجيٍّ للأمة في حرب دينها ودنياها، النائبون عنهم في كل مبتغًى من بلادنا ومرادٍ، المحققون لهم من مقاصد الاحتلال القديم فوق ما يخطر لهم على بالٍ ويطوف لهم بخيالٍ ويدور لهم في مجالٍ؛ فإنه لا نفاذ للمغضوب عليهم إلينا ولا سلطان للصليبية العالمية علينا إلا بالطواغيت، ولا نفاذ للطواغيت إلينا ولا سلطان لهم علينا إلا بالأوتاد والكهان.

لعلك الآن تفقه لماذا كنا ولا نزال نعادي الطواغيت ما لا نعادي سواهم من قوى الجاهلية، ولا نقبل وصفهم بالحكام المتغلبين كما يقول سَقْطُ المتاع من أنجاس طلاب العلم! لماذا كنا ولا نزال نعادي المؤسسات الدينية الرسمية التي وظيفتها الأولى (التوتيد والتوطيد لأنظمة الطواغيت)، مهما أُذِن لهذه المؤسسات من نشر بعض الإسلام العلمي والعملي، وإن رأس هذه المؤسسات الكهنوتية لَلأزهر، لعن الله ثالوثه (الشيخ والمفتي ووزير الأوقاف)، لماذا كنا ولا نزال نعادي مناهج الإخوان وعامة السلفيين في التغيير (زعموا)، وإنْ هم إلا بعض أدوات الطواغيت السياسية والدينية في ترسيخ دعائم حكمهم جماهيريًّا، لماذا كنا ولا نزال نعادي القبوريين والقصوريين من الأزهريين والسلفيين، لماذا كنا ولا نزال نعادي من طلاب العلم ودُعَاته الذين يصفون جهاد الطواغيت بالألسنة والأَسِنَّة (بالصراع السلطوي)، الطاعنين كل ما قرَّب إلى جهاد الطواغيت من قولٍ وعملٍ.

إن عامة الذين تقرؤون لهم اليوم وتسمعون في لعن المغضوب عليهم؛ هم الذين يرقِّعون للطواغيت بالسلب والإيجاب آناء الليل وأطراف النهار؛ لذلك لا تنطلي علينا أقوالهم في نصرة المستضعفين بفلسطين وأنَّى ذا!

إن الله في عليائه فوق عرشه وسمائه لعليمٌ خبيرٌ شهيدٌ محيطٌ؛ أن هؤلاء أجمعين سبب ما الأمةُ فيه اليوم مما يفتِّت الأكباد ويُذيب المرائر، وما لم تفقهوا هذا أيها الأحرار فسيبقون رؤوسًا تفعل بالأجساد ما تفعل.

يا معشر من أَدْمَت النازلة أفئدتهم؛ لا ترجعوا بعد وضع الحرب أوزارها مهادنين الطواغيت وأوتادهم وكهانهم، قاتلوا بألسنتكم كل طالب علمٍ وداعيةٍ إلى الله (زعما) يرقِّعان لشيوخ القبور من الأزهريين أو لشيوخ القصور من السلفيين، قولوا لهم بألسنة أحوالكم قبل أقوالكم: “قد أفقنا؛ فما كان لكم بعد اليوم إذا خادعتمونا أن تخدعونا”. لعن الله المغضوب عليهم ومن تولاهم.

اللهم قد بلغت؛ اللهم فاشهد، اللهم قد بلغت؛ اللهم فاشهد؛ واغوثاه رباه.

أعاشوراء! وفي شدة حرٍّ! ومن

أعاشوراء! وفي شدة حرٍّ! ومن صُوَّامه مجاهدٌ وأسيرٌ وسقيمٌ!

“وصيام يوم عاشوراء؛ أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله”.

يا معشر من رضي بمحمدٍ ﷺ نبيًّا ورسولًا؛ هلموا، هذا نبيكم قد احتسب عند ربكم تكفير يومكم هذا صغائر سنةٍ مضت جميعًا؛ فهل أنتم محتسبون!

إن عبدًا يدري ما أحدث من الصغائر في سنته الماضية كلها، في اثنَي عشر شهرًا، في أكثر من ثلاثمائةٍ وخمسين يومًا، في الليل والنهار، في السر والعلن، في الجِد والهزل، منفردًا بنفسه ومختلطًا بالناس، صغائرِ ذنوب قلبه ولسانه وجوارحه وما أكثرها! إن عبدًا يدري هذا -وهو على نفسه بصيرةٌ- لصائمٌ اليوم حق الصيام؛ ليظفر بجليل موعود رسول الله ﷺ ذلك تامًّا غير منقوصٍ.

تجديد الإيمان بالله ﷻ والإيمان برسوله ﷺ هذا اليوم.

تجريد توحيد الله ﷻ في العبادة وتوحيد رسوله ﷺ في الاتباع هذا اليوم.

مضاعفة محبة الله ﷻ ومحبة رسوله ﷺ هذا اليوم.

تعظيم تصديق الله ﷻ وتصديق رسوله ﷺ في وعده الصادق هذا.

الثقة الراسخة بمنزلة نبي الله ﷺ عند ربه ﷻ التي بها ينجز وعده.

الاكتفاء باحتساب نبي الله ﷺ عن كل احتسابٍ.

حسن الظن بالله ﷻ: أنه عفوٌّ غفورٌ، توابٌ رؤوفٌ، برٌّ شكورٌ، رحيمٌ ودودٌ، على مغفرة كل ذنوب كل عباده قادرٌ قديرٌ مقتدرٌ، وأن هذا أحب إليه مما عَداه.

الجِد في طاعة الله ﷻ هذا اليوم بكل معلومٍ مقدورٍ؛ من العبادات اللازمة كالصلاة والاعتكاف وتلاوة القرآن والذكر الكثير، والمتعدية كالبرِّ والصلة والصدقة والدعوة، في إخلاص باطنٍ وإحسان ظاهرٍ، مع شهود العبد عجزه وتفريطه مهما كثُر خيره وكبِر، وتحقُّقِه بالذل والافتقار بين يدَي ربٍّ غنيٍّ عن كل طاعات كل مطيعيه؛ فلا اغترار بعبادةٍ، وهل يغترُّ عارفٌ خطاياه!

حاقُّ العزمة على غدٍ خيرٍ من أمس مع الله ﷻ؛ تركًا لنهيه وفعلًا لأمره.

فأما كمال تمام المقام في هذا اليوم الأغرِّ؛ فإنعاش موالاة صاحب مناسبته كليمِ الله موسى ﷺ في القلب إنعاشًا؛ بمعاداة فرعون عدوِّه بالأمس، ومعاداة كلِّ فرعون عادى كلَّ موسى وكلَّ ذي مُوسَوِيَّةٍ في الأولين والآخرين.

ربَّ الأرباب ملكَ الملوك مولى الموالي ذا الجلال والإكرام؛ بما أنجيت في هذا اليوم كليمك؛ فأنج عبادك في أكناف بيت المقدس وأمثالَهم حيث كانوا؛ فإنهم أولياء كليمك وأعداء أعدائه، وأنج عبادك الأسرى أينما كانوا، وبما مننت على الحسين ريحانةِ رسولك ﷺ بالشهادة فيه؛ فامنن بمثلها علينا محسنًا إلينا، وأنجنا وأحبابنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ إنا عبادك إنا نحبك.

هذا حرفٌ لغير رِقاق الأفئدة،

هذا حرفٌ لغير رِقاق الأفئدة، لولا عشق الصَّدع بمِثله ما أحببت هذه الحياة.

الصدقَ تطيقون! إنْ مدارُ ولاءِ وبراءِ جمهرة المشاهير هنا -(سلفيين وأشعريين) وحيارى بينهما- إلا على شيوخهم وشِلَلِهم! أحاط بهذا خُبْرًا من يتابع عامة ما يخوضونه من معارك، وكفى بالرب خبيرًا.

من تكفير غلامين (صَفْحَتَي دُبُرٍ) بالأمس ربُعَ الشريعة أبا حنيفة وسيدَ المسلمين النووي؛ إلى نَيْل طالب علمٍ -وقطيعة تِقطع ده علم- اليومَ من ربُع الشريعة الشافعي سليل بيت رسول الله ﷺ.

الذين رفعوا (من) السلفيين بالأمس عبد الله رشدي -لا غادر الجبار له عورةً إلا هتكها ما دام للطاغوت مبايعًا- يخفضونه اليوم لتهنئته خُوَيْلَ السيسي أسامة الأزهري، وهل يخفضه (أكثرهم) لأن أسامة كذلك! لا؛ بل لأن أسامة قبوريٌّ! هقهقهقهق، وهل كان رشدي يومًا إلا قبوريًّا! أم ماذا لو قيل لهم: عامة شيوخكم المعادين القبوريين: قبوريون! أفمَن عادى رؤوس القبوريين وأذنابهم، ثم هو يوالي كبيرهم الطاغوت (الجاعلَ دين القبور دين نظامه بالرَّغَب والرَّهَب)؛ يكون (عند الله وأُولي النهى) غير قبوريٍّ! بل قبوريٌّ وإن نَخَر، إنْ هي إلا مناكفات الشِّلَل، قال (سلفية وأشعرية)!

أي فرقٍ بين ثناء رشدي على أسامة القبوري الصغير بالمحدِّث، وبين ثناء محمد حسان على أحمد عمر هاشم كبير كبار القبوريين (الشائخ في تَعْرِيصِه لطواغيت مصر) بفضيلة الشيخ الوالد، وزيارته إياه مريضًا، وتقبيله رأسه! أعني الفرق الحق لا هذا الذي في دهون الجماجم.

الذين ينشطون (من) الأشعريين لمعاداة رشدي؛ شياطين خُرْسٌ عمن يستحق حاقَّ العداوة أشدَّ منه بغير مُقَايَسَةٍ (كالطيب وجمعة) وأضرابهما من رموز النفاق؛ لأن رشدي يكايدهم فهم يكايدونه.

الذين يلعنون (من) السلفيين حزب الزور؛ يتغزل (أكثرهم) في محمد حسان، وإن أعيان شيوخ الحزب لعلى (قناة اللحمة) يقولون ما يشاؤون؛ لكن لا ريب (في مِخَاخِهم) أن الدكتور حسان مختلفُن جدَّن.

الذين يعادون (من) الإخوان حزب الزور (رؤوسًا وأذنابًا) لكذا وكذا؛ يعلم الله -والذين لا يبالون بغير نظر الله من عباده- أن الإخوان ما غادروا جنايةً قارفها حزب الزور للسيسي اليوم؛ إلا كانوا أسبق فيها (بالنوع والكمِّ والكيف) لمبارك في مصر ولغيره من الطواغيت في غيرها.

سعيد أبو العلا حمزة يرقِّع لمشاري (مطرب الطغاة)، ويزجر عن مرمطته ببعض ما يليق به، كما يرقِّع لعلاء حامد، وإن أبا أسلم السلفي قُوَيْذِرَ الإسكندرية الراضعَ لراضٍ عن سعيدٍ؛ وقاك الله الغثيان.

لا يرى (كثيرٌ) ممن يتخايلون أنفسهم كارهين برهامي في الله؛ (علاء حامد وأبا بكرٍ القاضي) خِرَقَ استجمار برهامي؛ لا يرونهما كشيخهما، مع ما بين النعل وطرفَي شِسْعه من غرامٍ طافحٍ للعِميان.

مدحت أبو الدهب أحد دراويش (سلفية الرفق بالطواغيت)؛ يباهي أمس بصورته مع محمد حسان، ويدعو اليوم لأسامة الأزهري متحاقرًا في مخاطبته بقوله: معاليك، فأما أسامة فعُوَيْرِصُ السيسي (الدينيُّ) كما هو معلومٌ له وللكافة؛ بل لولا فرط إخلاصه لوجهه ما رقَّاه تلك الترقية، وأما محمد حسان فحَسْبُ أحدكم ليعرف حقيقته أن يتقلب بين جوجل ويوتيوب باحثًا عن هذه العناوين: حسان ومبارك.. حسان وأمن الدولة.. حسان والمجلس العسكري.. حسان والجيش.. حسان والقذافي.. حسان وعائشة القذافي.. حسان وملك السعودية.. حسان وملك البحرين.. حسان وملك الأردن.. حسان وأنس الفقي وزير إعلام مبارك.. حسان وأسامة سرايا رئيس تحرير صحيفة الأهرام زمانَ مبارك.. حسان والثورة.. حسان وسيد قطب.. حسان والجماعات الجهادية.. حسان ومهاجمة مرسي في قناة اللحمة (أيام استئسادهم).. حسان وشرعية السيسي وقياسُه الذي كان بينه وبين الإخوان على الذي كان بين معاوية وبين الحسن رضي الله عنهما.. حسان ومدحه أحمد الطيب كبير كهنة مبارك والسيسي.. حسان وصلاته في مسجد سيدنا الحسين عليه السلام، أما جرائم قناة اللحمة التي كانت ولا تزال فهَوْلٌ هائلٌ.

ما وحَّد الله من لم يكفرٍ بالطواغيت، في هذا عداوتُنا والبغضاء؛ اللهم ثباتًا.

حرفٌ قاصرٌ في الوفاء لسيدي

حرفٌ قاصرٌ في الوفاء لسيدي الشيخ خالد صقر:

هذا العظيمُ ألستَ تعرفهُ ** العزُّ بينَ يدَيهِ والجاهُ

الأرضُ في عينَيهِ خردلةٌ ** وعلى عبيدِ الأرضِ نعلاهُ

العزُّ في كنفِ العزيزِ ومنْ ** عبدَ العبيدَ أذلَّهُ اللهُ

اليوم تمامُ سنةٍ ميلاديةٍ من وفاة شيخنا الوليِّ المجاهد الطغاةَ بلسانه وماله الداعي إلى الله بقوله وعمله: خالد صقر، بُعَيْد عشر سنين قضاها في سجون الكفرة الفجرة بؤسُها في كتابٍ لا يضلُّ ربي ولا ينسى، صابرًا على شدائد المحبس ما أكبرها وأكثرها! وعلى سرطانٍ عمل في جسمه الواهن أعماله، مستعذبًا عذابه في رضا محبوبه الأقدس علا وتعالى، محتسبًا ما لقي في نفسه وأهله وماله عند مليكٍ مقتدرٍ لا يُخاف ظلمًا ولا هضمًا، غيرَ مبدِّلٍ -برأفةٍ من الله ورحمةٍ- تبديلًا، وما كانت جريمة الشيخ الجليل لدى طواغيت مصر -بصَّر الجبار بهم، وأعدَّ لهم، وأمكن منهم، ولعنهم لعنًا كبيرًا- سوى (لا إله إلا الله: اعتقادًا لها، وعملًا بها، ودعوةً إليها، وثباتًا عليها).

إن لم يكن ذلك العبد الصالح وأمثالُه من المُمَسِّكين بالكتاب لا يخافون في الله لومة لائمٍ أولياء لله؛ فليس لله في الأرض كلها أولياء.

لم يكن أبهى من لسانه الفصيح بعد وجهه الصَّبيح إلا فؤادُه الصَّليح، وكان حَسن الموالاة على الإسلام والسنة لا يعدوهما، ضاربًا في كل غنيمةٍ بسهمٍ معاشرًا كل طائفةٍ على أحسن ما معها، قد أظهر الربُّ جليل معتقده في أعدى أعدائه الطواغيت بعد الثورة المغدورة أيَّما إظهارٍ.

لا أعلم مسجدًا كبيرًا في حلوان كلها؛ إلا علا الشيخ منبره أمَّارًا بالمعروف نهَّاءً عن المنكر، وكم خطب ووعظ في محافظات مصر بالحكمة والموعظة الحسنة على بصيرةٍ غير هيَّابٍ ولا طائشٍ! وكم أصلح الله به بين أزواجٍ وأرحامٍ وإخوانٍ وجيرانٍ! قد جمع له بين الرحمة والرَّشد جمعًا عجبًا.

تعرفون شيخ شيوخ حلوان الفقيه الكبير المربِّي أجيالًا مصطفى بن محمدٍ تقبل الله منه ورضي عنه! قد كان شيخُنا خالدٌ أنجب أصحابه لديه، وأقربهم إليه، وأكرمهم عليه، وكم درَّس لنا في دوراته! فأرضاه مولاه.

إذا رأيته من بعيدٍ رأيت جادًّا فتخايلت قُرْبَه عَسِرًا، فإذا خالطته من قريبٍ ساعةً من نهارٍ وجدت رِفْقًا وبِشْرًا، جاورته في مدينة حلوان -حفظها الله تُعْجِب الزُّراع وتغيظ الكفار- ثماني عشرة عامًا متشرِّفًا متبرِّكًا، وازدانت به داري غيرَ مرةٍ، وعقد نكاح أختي الصغرى على زوجها منذ عشرين عامًا.

ربَّاه يا مولى الموالي؛ املأ جَدَث عُبيدك نورًا وحبورًا وخيرًا بينهما موفورًا، واترك عليه في الآخرين ذكرًا جميلًا لا يزول، واجبر أهله وأصحابه من بعده بأكرم الجبر وأبقاه، وألحقنا به كافةً ثابتين غير مفتونين.

بلى أنت الراحم كرامَ الخلق،

بلى أنت الراحم كرامَ الخلق، المُغْلِظ على لئامهم.

أنت هذا وهذا غيرُ ذي عِوَجٍ؛ إلا في عين مقتسِمٍ سَفِه نفسه.

هل أنت -متحرِّيًا الحكمة- إلا كنَجْمٍ غابرٍ في الأفق!

إنك -بتوحيدك الأَبهى- زينةٌ للناظرين، والحيارى -بما أخلصك الله بخالِصة الوحي- في ظلمات برِّهم وبحرهم يهتدون، وأنت الطارق الثاقب الهاوي رَجْمًا للشياطين، المسخَّر من ربك في سماء شرعه كالنجم سخَّره في سماء كونه، بَيْدَ أن النجوم إذا طُمِسَت يوم القيامة وانكدرت؛ لم تُطْمَس أنت ولم تنكدر، بل قد آن أوان مكافأة سيرك بالحق في الخلق حكيمًا: قد هدى الربُّ بك ورجم.

في أولياء ربِّك؛ أنت أبرُّ مَظهرٍ لتجلِّي رأفته بهم، وأنت أجودُ رياحٍ بُشْرًا بين يدَي رحمته لهم، وفي أعدائه؛ أنت الرَّجفة، أنت الصَّيحة، أنت السِّجِّيل المنضود.

اللهم هذا أول عَشْرك الماجدة التي حلفت بها، وإن أرجى ما أستهلُّها به من صالح العمل: براءتي إليك من الطواغيت وأوتادهم، وبكُهَّانهم من الأوتاد أستفتح فإن سلطانهم على القلوب، لا أُفَرِّق بين أزهريٍّ وسلفيٍّ رضوا بأن يكونوا لفروجهم خِرَقًا، وبشيخ الأزهر ومفتيه ووزير أوقافه من الأزهريين أبدأ، وبالخُبْث برهامي وخبائثه علاء حامد وأبي بكرٍ القاضي وأضرابهما من السلفيين أُثَنِّي، ثم لا أبرح مقام التزلُّف إلى رضوانك الأكبر؛ حتى أستجلب سخطك الأعظم على الخليفي وابن شمسٍ ودمشقية، الذين يُحَرِّفون عداوة عبادك عن أعدائك الطَّغام؛ إلى مِثل أوليائك أبي حنيفة والعِزِّ والنووي عليهم السلام، ربِّ فتقبل مني عقيدةً ما عقدها بقلبي إلا أنت، وقاتِل بلساني ويدي ومالي -فيمن تقاتل بهم- الطواغيت وخَوَلَهم، وقِني ما أوردتهم نكالًا، سيدي أنت وحدك.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، القِسْط عيدٌ.

إنا لله وإنا إليه راجعون؛

إنا لله وإنا إليه راجعون؛ فصلواتٍ علينا منك ربَّنا ورحمةً واكتبنا المهتدين.

ما نفضت الإسكندرية بأمسها الداني عاصف أحزانها، بموت إمام الصادعين بالحق بأرضها، سيدِ المسلمين المعمَّرِ الشيخِ أحمدَ المحلاويِّ؛ حتى فجعها اليوم موتُ نظيفِها الكبير الكريم؛ مولانا الشيخِ سعيدِ بنِ عبد العظيم، الفذُّ الذي عصم الله ثوبه من أدناس (عبيد الطواغيت، أشباه الذكران، شياطين الزور)، واليوم يصلي عليه المؤمنون في حرم سيد الثقلين صلى الله عليه وسلم، ثم يُدفن جوارَ أصحابه رضي الله عنهم ورضُوا عنه، وبين وفاة مصلحَي الثغر النبيلَين ذَيْنِ؛ كان موتُ رجل التاريخ الإسلامي المحبِّب إلى أفئدة أجيالٍ وأجيالٍ بيتَ المقدس ومرابطيه بصادق همِّه وسامق حرفِه؛ الشيخِ الجليل جمال عبد الهادي، وعمَّا قليلٍ تمامُ سنةٍ من وفاة مجاهد الطواغيت بلسانه وماله، بُعَيْدَ عشر سنين حُبِسَها في سبيل ربه، الحبيبِ الجميل حقيقةً وصورةً؛ شيخِنا خالد صقر، ولقد رثيت الشيخ يوم دهمني خبرُه بتسجيلٍ صوتيٍّ أربى على الساعة، ثم أتلفه -وقتئذٍ- متلفٌ، فلم يُنشر، فيا أسفى! ولئن بسط ربي لي في بالٍ وحالٍ؛ فلأرثينه بما يليق به وينبغي له داعيًا إلى الله بقوله وعمله بالحكمة والموعظة الحسنة، صبَّارًا شكورًا، قد شرَّفني ربي بمجاورته في حلوان ثماني عشرة سنةً، ثم بسط لي الكرامة فزارني في بيتي غير مرةٍ، وهو من عقد نكاح أختي الصغرى منذ عشرين سنةً، وكنت رثيت في التسجيل نفسِه شيخَنا المهاجر المجاهد، الذي أعلى الله نفسه الفريدة خُلقًا بديعًا أشهده وليَّه وعدوَّه، الشيخَ مديَن بن حسنين، وكان الله الحكيم أخلَصه بقبض روحه في سجون كفرة مصر الفجرة اجتباءً له نحسبه، بعد سِنِيِّ سَجْنٍ عجافٍ في ظلماتها، وكان طواغيت السودان أسلموه إلى طواغيت مصر؛ فلُعِنوا أجمعون.

اللهم ارحم أولياءك أولئك بأوسع رحمتك في برازخهم ويوم تحشرهم إليك في المتقين وفدًا، واجمع لهم بين غفرانك ورضوانك أوفى ما جمعت لمحبوبيك، واخلفهم في أهليهم وإيانا بخير ما خلفت المطيَّبين، واجبر دينك في عظيم مصابه بهم قد أحطت وحدك بهَوْلِه خُبْرًا، واحفظنا شاهدين فضلهم ونظرائِهم العاضِّين على الملَّة بنواجذهم، وألحقنا بهم -من بعد تيسيرنا لليسرى بآثارٍ لا تزول إلى يوم القيامة- غير مبدِّلين تبديلًا؛ إنه ليس في صحائفنا بعد مقدَّس توحيدك ما نرجو به نوالك؛ سوى مودة أهله، وإنه لا إله إلا أنت.

سألتني سائلةٌ يومًا: معلومٌ ما

سألتني سائلةٌ يومًا: معلومٌ ما للرجل من الحور العين في الجنة مما وعد به الله ورسوله ﷺ؛ فهل للمرأة فيها مِثْل هذا؟

أقول مستعينًا بالرحمن وحده، مصلِّيًا على نبيه وآله:

ليس هذا بنعيمٍ في الدنيا للمرأة الحرة العفيفة المستأهِلة دخولَ الجنة؛ حتى يكون لها نعيمًا في الآخرة؛ بل هو شقاءٌ لها من وجوهٍ كبيرةٍ كثيرةٍ لمن كان له عقلٌ أو ألقى البصر وهو صحيحٌ؛ فإنها فُطِرت نفسًا على التوحيد العاطفي كما جُبِلت حِسًّا على التفريد الغريزي، فليس لقلبها في حجرة المنكح من حجرات وِداده غيرُ مهادٍ واحدٍ يضيق عن غير محبوبٍ واحدٍ؛ بل إن البغايا الفاجرات في الدنيا إن تنعمن بشيءٍ من ذلك في بعض الوجوه لارتكاسهن وانتكاسهن؛ فلا أتعس منهن ولا أبأس في سائر الوجوه.

لكن اليقين الأكمل أن المؤمنة في الجنة (دار السلام)؛ سالمةٌ مما دون مثقال الذرة وطرفة العين من الافتقار في هذا وذاك، وفي كل شيءٍ كان يَعْتَوِرُها الافتقار به في الحياة الدنيا، والثقة المطلقة أنها في جنات (النعيم) منعَّمةٌ على تمام التمام؛ فيما ظهر من حاجاتها وما بطن، وفيما جلَّ من فاقاتها وما دقَّ، وأنها راضيةٌ في دار الرضوان الأكبر مرضيةٌ، خالدةٌ نفسًا وحِسًّا في حُبور دارٍ سقفها عرش الرحمن إلى ما لا سقف له.

إن منتهى المشتهى للرجل والمرأة في الدارين هو الرضا النفسي والحِسِّي؛ لكن الأسباب المحققة لهذا فيهما تتفق لهما فيما تشابها فيه لاتحاد الطبيعة كلذة المأكل والمشرب ونحوهما، وتختلف بينهما فيما اختلفا فيه لاختلاف الطبيعة كلذة المنكح.

إن من أَنْسَنَة الإله الخفية أن يُظَن أنه -علا وتعالى- لا يفعل في كونه كذا وكذا من المشتهَيات؛ إلا بكذا وكذا من أسبابها المعلومات، ولولا ظن إنسان الزمان بنفسه -علوًّا وغرورًا- أنه المقياس النظري والمعيار العملي في أموره كافةً؛ ما ولج هذا بعقله فضلًا عن اللجِّ فيه؛ قُتِل الإنسان.

إن الله الواسع في نفسه وفي صفاته وفي أفعاله؛ ليفعل الشيء يريده بالسبب وغيره، وبالسبب وضده، وبما عُلِم من أسبابه في خلقه وما لم يُعْلم، وإن الشيء هنا هو تحقق المتمنَّى وحصول المشتهى في جنات عدنٍ، قال جلَّ ثناؤه: “وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ”: تتمنون، وقال: “لَهُم مَّا يَشَآؤُونَ فِيهَا”، وإنه إذا أراد شيئًا هيَّأ له أسبابه وقيَّض له دواعيه؛ أنَّى يَتحكَّمه سببٌ في فعل ما شاء وهو رب كل سببٍ وغالبُه!

فلئن بلغ الرجال في الجنة نهاية مرادهم في هذه اللذة بالحور العين وسواهن كمًّا؛ فإن الله مبلِّغٌ إماءه فيها نهاية مرادهن في ذلك بما هو عليه هيِّنٌ مما شاء كيفًا، وهو اللطيف الخبير.

إن الله إذا أراد بامرأةٍ في الحياة الدنيا لطفًا في هذا الشأن؛ متعها بزوجها فكفاها، حتى لَتعتقد أنها أرضى بنات حواء في ذلك نفسًا وحِسًّا؛ كيف إذا كان قضاؤه -سبحانه- في كل نساء أهل الجنة النعيم الأوفى؛ فيما بدا منهن وما خفي!

إن جناتٍ تجري تحتها الأنهار جِوَارَ السُّبُّوح القدُّوس؛ لتتقدَّس عن خيالات الناكصين نفوسًا وعقولًا من مسترجلات النساء وعبيدهن أشباه الذكران، فأما المستحفِظون فطرة الله بقلوبهم وجسومهم من المسلمين نفوسهم لمليكهم الأعظم؛ فيعلمون أن الجنة دار النعيم الذي لا يخطر بعضه على كل قلوب أهلها، وهم عن ربهم كيف فعل بهم هنا وهناك راضون، إنه ودودهم الحَفِيُّ المولى، وهو بهم من أنفسهم أولى.

متنٌ في عُدَّة إصلاح ذاتِ

متنٌ في عُدَّة إصلاح ذاتِ البين؛ أستعين الله على شرحه قريبًا:

حُسن التصور: معرفة ما لهذه العبادة من فضلٍ عظيمٍ بين العبادات، وما يحصل ببركاتها في الدين والدنيا والآخرة؛ بين أهليها وفي الناس جميعًا.

الصدق: شرطُ صدور الصلح، وحقيقته: اجتماع القلب على المراد.

الإخلاص: شرطُ قبوله، وحقيقته: انتفاء الرياء، والسُّمعة، والعُجب.

التوكل: سالِبُه: البراءة من حَوْل النفس وقوتها، ومُوجَبُه: اعتماد القلب بكُلِّيته على الله وحده.

العلم: بالله (الخشية)، وبشرعه (المجمع عليه، والمختلف فيه)، وبقدَره (السُّنن، والآيات)، وبطرائق النبيين وأصحابهم ومن تبعهم بإحسانٍ في الإصلاح بين الناس، وبما لا بد منه ولا غنى عنه من قواعد المنطق وأصول الفقه، وبنصيبٍ موفورٍ من اللغة، وبأعراف الناس وعاداتهم، وبخصائص الذكران والإناث والفوارق بينهما، وبما للآباء والأبناء من طبائع، وبنفوس الناس (أنواعها، وأحوالها)، وبالأمخاخ (خصائصها، وعوارضها)، وبالمُصْلَح بينهم.

التمييز في العلاقات بين القانوني، والتراحمي.

تخليص القانوني نظرًا (بقدْر المستطاع)، ثم الندب إلى التراحمية عملًا (بمراعاة الحال).

توقِّي التحيز الفئوي: إلى الذكران، وإلى الإناث، وإلى الكبار، وإلى الصغار، وإلى الآباء، وإلى الأبناء، وإلى الشيوخ، وإلى الطلاب، وإلى الرؤوساء، وإلى المرؤوسين، وإلى سواهم من فئات الناس.

محاذرة تعميم نموذجٍ معيَّنٍ مستبطَنٍ، والقياس عليه مطلقًا بغير وعيٍ أو بوعيٍ؛ في تصور العِلل أو في معالجتها.

محاذرة القياس على النفس بغير علمٍ ولا عدلٍ.

إعمال قواعد الحكم الرشيدة بين المُصْلَح بينهم؛ كاستصحاب الأصل، وردِّ متشابه تصوراتهم وتصرفاتهم إلى محكمها، وأن لازم قول أحدهم ليس بقولٍ ما لم يلتزمه، وما إلى ذلك من قواعد السداد في العقل والدين.

هذا، وليستغفر المصلح ربه قبل إصلاحه، وليُصَل على نبيه صلى الله عليه وسلم، وليُلِظَّ بيا ذا الجلال والإكرام، محسنًا بربه الظن أنه يهدي به ويصلح، ثم ما كان في حكمه من وَكْسٍ أو شَطَطٍ؛ فليَعْزُه إلى نفسه وإلى الشيطان، وما كان فيه من توفيقٍ؛ فليَعْزُه إلى الله وحده لا توفيق إلا به.

ربنا أصلحنا، وأصلح ذات بيننا، وأصلح بنا؛ أنت خير المصلحين.

أليس رمضان شهر الحصاد! فإني

أليس رمضان شهر الحصاد! فإني لم أزرع له قبله ما أحصده فيه، ولم يبق بيني وبينه غير أيامٍ لا أستطيع فيها منافسة الزارعين قبلي، كآيِسٍ أنا.

يا حبيبي؛ بلى رمضان شهر الحصاد؛ لكن لو لم يبق للعبد قبله إلا ساعةٌ يتيمةٌ؛ فليغتنمها بكل خيرٍ يقدر عليه قلبًا وقولًا وعملًا، مستعينًا على اليقظة والهرولة بربه، معترفًا له بسوالف تفريطه في جنبه، مبالغًا في إظهار ذلته وافتقاره إليه؛ عسى الله إن شهد ذلك منه -مجموعًا غيرَ مفروقٍ، صادقًا غيرَ مكذوبٍ- أن يرحم ضعفه وعجزه، ويجبر كسره وقطعه، فيفتح له في رمضان أبواب طاعاتٍ ولو فتحًا مقارِبًا، وقد يفتح له برحمةٍ لا مُمسك لها فتحًا عجبًا فيُلحقه بالزارعين لرمضان قبله بعامٍ حتى لكأنه واحدٌ منهم؛ لا إله إلا هو مَنَّانٌ قديرٌ.

كيف وقد بقيتْ بين يدَي الشهر العظيم مدةٌ؛ إذا بارك الرب عليها آتت فوق ما يُرجى منها! ألا إن من جد فيما بقي من شعبان لياليَ وأيامًا صادقةً عزماتُه؛ لم يُخَيِّب أرحمُ الراحمين طمعَه، وأناله من لذائذ الوصل ما وعد به الأوَّابين إذا صدَقوا، هو الله مولانا على كل حالٍ لنا وحينٍ، لا غنى لنا عنه طرفة عينٍ محسنين وغيرَ محسنين، عبيدُه سوانا كثيرٌ وليس لنا سيدٌ إلا هو، نرجوه بصفات كماله وكمال صفاته أن يُهَيِّئنا لضيفه الأكرم بما ينبغي له، واغفر اللهم لنا الغفلة وسيئاتها، ولا تؤاخذنا بما نستحق؛ إنك أنت الغفور الرحيم.

يا حبيبي؛ لا أقول لك: افعل قبل رمضان من القُرُبات كذا وكذا، مما لو وافق نوعًا من العِباد لعله ألا يوافق سواهم؛ لكني أقول لك: لا تدَع طاعةً بصَّرك الله بفضلها وأقدرك عليها؛ إلا استعنت الله عليها فعملتها، يُكَبِّرها حياؤُك من صَغرها، ويُكَثِّرها خجلُك من قِلَّتها، لسان كل شيءٍ فيك يقول لربك: واسَوْأَتاه منك وإن أدخلتني عليك! لك العُتبى حتى ترضى. فإن قلت: الآن تركبني الحيرة لا أدري ما أفعل فيما بقي! قلت لك: نِعمت الحيرة حيرة عبدٍ بين مراضي مولاه أيُّها يتحبب بها إليه، إلى ربك فاخْطُ، عليك البدءُ وعلى الله التمام.