قال: يرحمك الله يا أبت؛

قال: يرحمك الله يا أبت؛ كيف أوفِّي لأخٍ لي استشهد في سبيل الله؟ واشفني من كتاب ربي.

قال: جمعك الله بأخيك في جواره الأكرم بني؛ أوفى وفائك لشهيدٍ آخيته في الله حتى الشهادة؛ صدق قلبك مع الله في عقيدةٍ آلف بينكما عليها، واستمساك روحك بشريعةٍ أزهق أخوك روحه في سبيلها.

يا بني؛ إن تستوهب الرحمن هاتين حتى يرضيك بهما؛ كنت لأخيك أوفى الأوفياء؛ صدق باطنك قلبًا وعقلًا، واستمساك ظاهرك قولًا وعملًا، ما جوابي إلا من كتاب ربك؛ قال الله: “مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”؛ ما ألحق الله بالشهداء من ينتظرهم إلا بهذين الركنين؛ “صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَهَ” ابتداءً، “وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا” انتهاءً.

إن أعجب شأن الشهيد -وشأنه

إن أعجب شأن الشهيد -وشأنه كله عجبٌ- بذلُه ما يشهد لما يغيب.

هل أتاك نبأ عبدٍ يبيع دنياه التي يدركها بنفسه ويحياها بحسِّه لآخرته التي لا يدرك ولا يحيا؟! ما قواه على إزهاق مهجة روحه طوعًا واختيارًا، ولا أقدره على إيقاف نبض قلبه محبةً وإيثارًا؛ إلا الله.

أشهده مولاه -بلطيف نوره- الفردوس الأعلى من خلف حُجُب نفسه الكثيفة فكأنه فيها، وباعد -بمنيع عزته- بينه وبين حياته الدنيا فكأنه ليس فيها، حتى ركض إلى كُرْه القتل رَكْضَ عشاق الحياة.

أحلف بالله إن الشهادة الاختيارية معنىً لا تحتمله العقول؛ إلا كما تحتمل فهم الآيات والكرامات.

اللهم إن مَنَّك على عبادك عطاؤك إياهم بغير استحقاقٍ منهم، وإنه ليس عندنا عملٌ نستحق به الشهادة ولا رجاءها؛ فامنن علينا بها مَنَّ حيٍّ على ميتٍ، وقيومٍ على مفتقرٍ، لا ماحي لعظيم خطايانا إلاها.

مولانا العزيز الحكيم؛ ما علمت

مولانا العزيز الحكيم؛ ما علمت ثورة السودان خيرًا لدينك وعبادك حالًا ومآلًا؛ فاهدهم فيها لأرشد أمرهم، وأعنهم على تكاليفها، وتولهم فيها توفيقًا وتسديدًا، وأتمها على نورٍ وبركةٍ وعافيةٍ، واجعل أفئدة الناس تنعطف عليها، وارزقهم فيها خير النظر وخير التَّرك وخير العمل؛ أنت خير الناصرين.

قولوا: إنا. “إِنَّا عَامِلُونَ”. “إِنَّا

قولوا: إنا.

“إِنَّا عَامِلُونَ”.

“إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ”.

“إِنَّآ إِلَى اللَهِ رَاغِبُونَ”.

“إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ”.

“إِنَّا لِلَهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”.

“إِنَّا بُرَآؤُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ”.

“إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا”.

“إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا”.

“إِنَّا مُنتَظِرُونَ”، “إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصِونَ”.

“إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا”.

يا إخوتاه؛ الهجوا بهنَّ اليوم بالمقال والفِعال؛ عسى أن تقولوا بهنَّ غدًا في المآل: “إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ”.

لما بعامل حضرتك بلطف زي

لما بعامل حضرتك بلطف زي ما بتعاملني بلطف؛ فده لا يعني سوى أني لم أزل -ولله الحمد- هذا الكائن الحي العاقل المتكلم الواعي الاجتماعي المدني، الماشي على قدمين، ذو تاريخٍ، ينتمي إلى الرئيسيات العليا، أو بتعريف سيدنا ابن تيمية رحمه الله؛ “الكائن الحي الحساس المتحرك بالإرادة”.

لا يعني ده (أبدًا تمامًا بتاتًا مطلقًا) إن سعادة سيادة فضيلة جلالة قداسة فخامة معالي نيافة حضرتي؛ متواضع جدَّن ولا شيء، كما لا أستحق -إذ أحفظ إنسانيتي معك بالأدب الطبيعي الضروري الذي تستحق- أن تدعو لي بطول العمر، وأن يكثر الله من أمثالي، وأن يزيدني تواضعًا إلى تواضعي.

قال: يرحم الله قلبك يا

قال: يرحم الله قلبك يا أبت؛ أراك لا تُشغل بمشاحنات الناس إلا قليلًا.

قال: رضيك الله بني؛ في جراحات إسلامنا، وانتهاك حرماتنا، وجريان دمانا، وقيود أسرانا، ودموع يتامانا، وأنين ثكالانا، وفاقات المسلمين؛ شغلٌ لنا شاغلٌ. يا بني؛ احفظ ولاءك يحفظ الله براءك.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. وإن تعجب فعجبٌ أمر

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

وإن تعجب فعجبٌ أمر إنسانٍ عانى من خلقٍ سيءٍ لأبويه -أو أحدهما- ما عانى، فكان يقول في نفسه: لو أن لي أبناءً ما خالقتهم بهذا الخلق الباغي، فلما أحسن الله إليه بالزواج ثم منَّ عليه بذريةٍ طيبةٍ؛ نسج على منوال والديه، وأتى إلى أبنائه ما كان يمقت من قبلُ، وأعجب من ذلك تبريره لنفسه جنايته.

ويحك! أولم يكن قلبك قاسى بهذا الخلق السيء ما قاسى؟! أولم يشوِّه في نفسك ما شوَّه؟! أولم تكن أقسمت من قبلُ لا تؤذي به أبناءك؟! اليوم تستنسخه كيفًا وكمًّا! اقطع إسناد ظلم آبائك وصلك الله.