أربعٌ لا أتصوَّر أفئدة أصحاب

أربعٌ لا أتصوَّر أفئدة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه ورضي عنهم- كيف كانت حين أصابتها سهامها؛ “أيها الناس؛ اسمعوا مني أبيِّن لكم؛ لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا”، “ألا وإني فَرَطُكم على الحوض وأكاثر بكم الأمم؛ فلا تُسَوِّدوا وجهي”، “أفلا ترضَون يا معشر الأنصار أن يرجع الناس بالشاة والبعير، وترجعون إلى رحالكم برسول الله!”، “وأنتم تُسألون عني؛ فما أنتم قائلون؟”. من يزيد؟

ليس العجب اليوم من رَجيع

ليس العجب اليوم من رَجيع خالد منتصر الذي يقيؤه كل حينٍ لعنه الله وأمكَن منه؛ فإن ذلك مقتضى الرِّدَّة والحَربية الطبيعي، ولم يزل كفر الرِّدَّة أغلظَ من الكفر الأصلي -في نفسه وآثاره- باتفاق المسلمين وشواهد الواقع؛ حتى قال الفقهاء في المرتد إذا قُتل: تُترك جيفتُه حيث قُتل؛ فذلك قبرُه.

إنما العجب غدًا إذا فَطَسَ الحَلُّوف؛ أن يُغَسَّل ويُكَفَّن ويُصَلَّى عليه بالمسجد ويُدْفَن في مقابر المسلمين! ثم تَلْفَى أدعياءَ الإسلام يرجون له رحمة الله؛ الله الذي عاش خالد وأمثاله به كافرين ومن دينه ساخرين ولأوليائه محاربين! سُنَّةَ المَعَاتيه في كل مرتدٍّ إذا فَطَسَ، وإنما الوفاء لكفرهم ضدُّ ذلك.

يا لَضَيْعَة الإسلام بين أهله إلا قليلًا ممن أحْرَزَ الله! اللهم مَسِّكنا به حتى نلقاك عليه غير مبدِّلين.

لقد كان تردُّدي -ساعتَئذٍ- بين

لقد كان تردُّدي -ساعتَئذٍ- بين يدَي المعصية أفعلها أم أتركها؛ قبيحًا غاية القبح، لم يكن له معنًى سوى حيرتي بين رضوان ربي وسخطه، وهل شيءٌ أشنعُ في ناموس الحب من ذلك لو كنت بصيرًا!

ربَّاه كيف كنت عندك حين قطعت تذبذبي بين فعل ما تكره وتركِه؛ فرجَّحت فعلَه، وآثرت ما يغضبك عليَّ على ما يُفرحك بي! اللهمَّ إني اليوم -وقد أفقت بغوثك من غفلتي- أستعتبك حتى ترضى.

يا غنيًّا عن خلقك؛ وعزَّتك ما حقُّك أن تُعصى بشيءٍ طرفة عينٍ؛ لكن غرَّني بالغ حِلمك عليَّ في سوالف الخطايا فلم تعجَل قطُّ بمؤاخذتي، وأن عادتك الدائمة فيَّ الستر السابغ الجميل، وأنك أنت.

ربَّاه فاغفر لي؛ لا أني مستحقٌّ شيئًا من مغفرتك على إثمٍ كسبته؛ بل لأنك الغافر الغفار الغفور، الغفران صفة ذاتك، وهو أحب إليك وأوسع لديك؛ هذه عقيدتي فيك لا ظني؛ فكن لي عندها برحمتك.

لقد بدا لي وهو يَهْبِد

لقد بدا لي وهو يَهْبِد – في ثقةٍ منقطعة النظير- أنه يتكلم بحقائقَ أجمع عليها العالَمون؛ حتى أني رفعت يديَّ إلى الله بالدعاء أن يرزقني في الحق ثقته في الهَبْد؛ أعترف بين أيديكم أني لهذا من الحاسدين.

اللهم عليك بالأغنياء -من مجرمي

اللهم عليك بالأغنياء -من مجرمي الحُكم والفن والرياضة والإعلام- الذين يحضون الفقراء بكل وسيلةٍ على المُكث في بيوتهم، وهم الأجانب عنهم لا يشعرون بهم، بل لا يرونهم ولا يسمعونهم، وقد غصبوا أموالهم ونهبوا حقوقهم؛ اللهم أفقِرهم وأمرِضهم وأذلَّهم ودمِّرهم تدميرًا؛ لا إله إلا أنت العزيز الحكيم.

يا جِذع نخلةٍ احتضنه رسول

يا جِذع نخلةٍ احتضنه رسول الله فسكن؛ نحن إلى سكنٍ وسكينةٍ باحتضانٍ من النبي أشدُّ افتقارًا.

في الحديث الصحيح؛ أن مسجد نبي الله -صلى عليه وسلم- كان مسقوفًا من جُذوعٍ من نخلٍ، فكان إذا خطب قام إلى جِذعٍ منها، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، وبينما هو يخطب عليه؛ إذ اضطرب الجِذع وحنَّ حنين الناقة الحَلُوج (التي انتُزع منها ولدُها)؛ حتى سمعه الرسول وأصحابه صلى الإله عليه ورضي عنهم، فأتاه فوضع يده عليه واحتضنه فسكن، ثم قال: “لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة”.

رباه إنا أُولو اضطرابٍ ووحشةٍ، وإنا تائقون إلى احتضانٍ من نبيك؛ فآنسِنا به على الحوض غدًا.

صباحكم أجمعين ومن أحببتم غفرانٌ

صباحكم أجمعين ومن أحببتم غفرانٌ ورضوانٌ، وسلامةٌ من الوباء يتصدَّق عليكم بها الرَّحمن.

من بسط الله لي في قلبه موضعًا كريمًا فهو يحبني حقًّا؛ فليدْع الله لي مخلصًا بخمسٍ وله المنة على قلبي؛ المغفرة، والهدى، والثبات، وأن يرضيني ربي في أمي وأبي وأهلي في الدنيا والآخرة، وأن يوسع علي في رزقي فأوسع على الذين أحبهم بما يحبون؛ ذلك من دنياي كلها المشتهى والمنتهى.

يومَ قال الربُّ -سبحانه- للملائكة:

يومَ قال الربُّ -سبحانه- للملائكة: “إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً”، فقالوا له: “أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ”؛ قال -تعالى- لهم: “إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ”.

حكى البغوي قولًا لبعض المفسرين في معنى “إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ”: أعلم أنهم يذنبون فأغفر لهم.

رحم الله عبدًا كفَّ عن

رحم الله عبدًا كفَّ عن الناس -في هذا الوباء- هَبْدَه وهَرْيَه وهَرْتَلَتَه؛ ذلك أَصْوَنُ له في الدنيا والآخرة وأَزْيَنُ، فأما الاجتراء على الفتاوى الشرعية والطبية فيه -وإنْ بالمشاركة- فشأن من يحسَب أنه يُترك سُدًى، جاهلًا أن الله يسمع ويرى، ذاهلًا عن أن إليه الرُّجْعى، وأن سؤاله يوم يلقاه في ذلك شديدٌ.